اقتصاد

ارتفاع سعر الدولار.. الأسباب والحلول

تقرير – رحاب عبدالله

 

توجست الأوساط الاقتصادية من الارتفاع الكبير والمتسارع الذي لحق بأسعار صرف العملات الأجنبية بعد أن صعدت إلى أرقام قياسية مقابل الجنيه السوداني، مما أدى إلى توقف متعاملي السوق الموازي عن بيع العملة الصعبة بمبالغ كبيرة والاقتصار على عمليات الشراء حفاظاً على أرباحهم، وانعكس ذلك مباشرة على أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي خلق حالة توجس وخوف بشأن مصير الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن حالة الغضب التي اعترت المواطنين لأن الدولار يؤثر مباشرة على معيشتهم، خاصة وأن كثير من التجار بدأوا في إخفاء البضائع توطئة لزيادة أسعارها.

 

تبريرات حكومية

 

وقال محافظ بنك السودان المركزي برعي الصديق المحافظ إن أسباب تدهور الجنيه تعود لأسباب تراكمية فضلاً عن زيادة حجم السيولة بسبب تراجع إيرادات وزارة المالية من ضرائب وجمارك وغيرها علاوة على النشاط المحموم لتجار السوق الموازي.

وأكد المحافظ امتلاك البنك المركزي احتياطات وصفها بالجيدة من النقد الأجنبي، نافياً تلقي البلاد أي دعم خارجي مع شبه توقف كامل للصادرات وزيادة الطلب على النقد الأجنبي من السوق الموازي لمقابلة استيراد المواد البترولية بعد توقف الخط الناقل للبترول علاوة على تراجع الإنتاج المحلي بسبب الحرب.

 

معالجات

 

وأعلن محافظ البنك المركزي عن سياسات وإجراءات مرتقبة، لوقف تدهور الجنيه السوداني، لافتاً -بحسب الجزيرة نت- إلى أنها الآن تخضع للتشاور مع الجهات الحكومية الأخرى والمصادقة عليها من الجهات العليا.

 

قضية رأي عام

 

ويؤكد الخبير المصرفي د. عمر محجوب محمد الحسين، أن انهيار سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، يشغل بال كثير من السودانيين المكتوين بنار ارتفاع سعر صرف الدولار بما في ذلك الاقتصاديين كأنه عامل رئيسي وليس عرض للحالة المرضية لتدهور الاقتصاد، بصورة تمنع النظر بصورة شاملة وموضوعية إلى الأسباب الحقيقية وراء حركة تراجع قيمة الجنيه السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، وأضاف “من جانب آخر عطل هذا الانشغال القدرات الإبداعية في التفكير والاتجاه نحو آفاق جديدة لحل إشكالات اقتصاد السودان”.

وعزا محجوب تراجع قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية بسرعة في هذه الفترة إلى حالة الحرب المدمرة التي يعيشها السودان  منذ أبريل  2023م،  وتراجع عائدات الصادرات، وتحويلات السودانيين في الخارج، وانتقال العملات الأجنبية إلى خارج السودان، بالإضافة الى شراء العملات الأجنبية في الخارج عبر وكلاء السوق السوداء وتحديداً في منطقة الخليج من خلال تطبيق بنكك ومن خلال المليشيا التي تمتلك أموالاً تم نهبها من البنوك والمحلات التجارية والشركات ومن المواطنين أيضاً، ارتفاع معدلات التضخم لعدم وجود استقرار اقتصادي أو سياسي، مضيفاً أنه من جانب آخر يشكل تفاقم عجز الميزان التجاري بين الدولة وشركائها التجاريين الخارجيين عقبة أمام تحسن سعر صرف الجنيه في المدى القصير  والطويل.

 

سيطرة على سعر الصرف

وفيما يتعلق بقدرة الدولة في ظل هذه الحرب على إدارة احتياطيات النقد الأجنبي، وهل هي قادرة على التدخل المباشر للتأثير على سوق العملات، وهل هي قادرة على منع شراء العملات من الخارج عبر وكلاء السوق السوداء في بلاد المهجر، فضلاً عن أنه هل الجنيه ذو قيمة أعلى تجعل واردات السودان أقل تكلفة والصادرات أكثر تكلفة في الأسواق الخارجية، وهل الدولة في ظل هذا التراجع الاقتصادي والصرف على الحرب قادرة على تكوين احتياطي من الذهب؟

يرى عمر محجوب أن إجراءات الدولة تكون ناجزة في حال تمتعها باقتصاد قابل للنمو ومتحرك، على سبيل المثال يمكن أن يكون سعر الصرف وسيلة متحكم فيها للحفاظ على الاحتياطيات من النقد الأجنبي، وأضاف “يمكن التأثير على سعر الصرف ضمن السياسات المالية لتحفيز وتعزيز النمو الاقتصادي (كحالة الصين في بعض الفترات).

وقطع محجوب بأن وقف تدهور سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية لا يجدي معه إجراءات أمنية أو توقع وديعة من دولة ما، ونشر إشاعات القصد منها التأثير على سعر الصرف لأن أثرها سوف يكون في مدى أقل من قصير)، واعتبرها إجراءات أقل كفاءة من رأي “البصيرة أم حمد” على حد وصفه، وأكد أن وقف التدهور الاقتصادي وعامل تراجع سعر صرف الجنيه يتطلب وقف الحرب، ثم تدخل الدول في سعر الصرف في المدى القصير، اتباع سياسة نقدية تبقي التضخم في مستوى معقول، تنمية الصادرات، خفض الواردات وبالتالي الحد من تراكم الدين الخارجي، إصدار سندات دين بالجنيه، ضرورة سعي البنك المركزي لتقليل المعروض من النقود وجعل الاقتراض أكثر كلفة، الوصول إلى تفاهمات مع الدائنين من أجل إعفاء ديون السودان، التحكم في إنتاج الذهب ووضع استراتيجية للتعامل مع التعدين الأهلي (حالة غانا) ووضع استراتيجية لمنع تهريب الذهب، وضع خطة عاجلة جداً لجذب الاستثمارات الأجنبية) رغم اتباع الدول المتقدمة سياسة التشدد النقدي، كما أن تراجع النشاط الاقتصادي العالمي وانخفاض عوائد الاستثمار على مستوى الاقتصادات العربية من خلال تراجع الصادرات وتدفقات الاستثمار الأجنبي وأسعار الصرف الحقيقية، وأردف “التحكم والتأثير على سعر صرف العملات الأجنبية يتطلب استراتيجية طويلة المدى وليس على إجراءات ردود الأفعال”.

 

صعوبة تحسن سعر الصرف

 

وأكد الخبير الاقتصادي د.محمد الناير صعوبة تحسن سعر الصرف في ظل الظروف الراهنة مستدركاً “أنه يعتبر إنجازاً إذا تم إيقاف التدهور في مستوى محدد”، واعتبر في حديثه ل(الأحداث) هذه هي الخطوة الأولى نحو الإصلاح الاقتصادي وتصحيح مسار الاقتصاد بإيقاف هذا التدهور واستقرار سعر الصرف، لافتاً إلى أنه “ليس بالضرورة المعدل الذي يستقر فيه ولكن أن يتم إيقاف التدهور واستقراره في المرحلة الأولى”.

 

إجراءات أمنية

واقترح مجدداً تحرك الدولة في مسارات محددة حول اتخاذ قرار لفئة الألف وال500جنيه، أو على الأقل في الفترة الأولى قبول الألف جنيه لدى المصارف وعدم قبولها في النشاط التجاري، وأقر بأنه قد تكون هنالك بعض الإشكالات خاصة لمن هم في ولاية الخرطوم وبعض الولايات التي لا تعمل فيها البنوك، منوهاً إلى أن هنالك حديث عن بدء عمل فروع البنوك في أمدرمان والتي يمكن أن تعالج جزءا من القضية، وزاد “من هم في مناطق الحرب أو غيرها يتعاملون بالتعاملات الإلكترونية أكثر من التعاملات النقدية فلذلك هذا بالضرورة يعالج كثير من القضايا”، وشدد على أهمية مراقبة الحسابات وتابع “نحن لا نقول كشف الحسابات وهو عملية غير واردة ولكن حينما تأتي لبعض الحسابات أموال غير معهودة لابد للدولة أن تكون على وعي وإدراك وهذا يأتي في إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وهنالك قوانين تساند هذا الأمر بصورة كبيرة” وشدد على ضرورة تفعيل هذه الضوابط، فضلاً عن ضبط الاستيراد بشكل عام ، وتابع “يفترض أن يقل خلال الفترة الماضية استيراد الوقود بنسبة كبيرة باعتبار أن بعض الولايات لا يوجد فيها حركة سيارات ولذلك يكون استهلاك الوقود أقل فقط للموسم الزراعي وبعض الولايات التي لها حركة نقل ومواصلات وحركة العربات الخاصة”، ودعا إلى ترشيد الإنفاق بالنسبة للموازنة العامة وترتيب الأولويات والعمل على زيادة الإيرادات وترشيد الوارد والعمل على زيادة الصادرات والعمل على الحد من ظاهرة تهريب الذهب والاستفادة منه بأكثر قدر لدعم الاقتصاد الوطني، مع تفعيل الدور الأمني، وقطع الناير بان هذه السياسات هي الأنجع والأجدى من الإجراءات الأمنية، وأكد أن الإجراءات الأمنية تظل مهمة وعنصر مكمل للقضاء على الذين يضاربون في سعر الصرف وتجارة العملة.

 

تحمل أعباء

 

وفي الوقت الذي تواترت فيه أنباء تفيد بإقالة محافظ بنك السودان بسبب ارتفاع سعر الصرف، تساءل مختصون بأنه هل إقالة المحافظ أو إقالة كل قيادي بنك السودان ستلجم ارتفاع الدولار في ظل واقع دولة تعيش في ظروف حرب فرضت عليها، وامتدّت لعام ومازالت مستمرة، لافتين إلى ان بنك السودان ظل ودون كلل يتحمل عبئها المادي لوحده، وظل يتحمل شهرياً مرتبات كل القوات النظامية (جيش وشرطة وأمن) وبما يفوق المائة مليار جنيه أي (مائة ترليون جنيه بالقديم)، وأشاروا إلى انه عبء ليس منوط ببنك السودان القيام به، باعتبار أنه إلتزام يفترض انه مهمة وزارة  المالية، وهي معلوم أنها لا قبل لها به لتوقف جل الأنشطة الاقتصادية على نطاق البلاد جراء الحرب وبالتالي انحسرت تبعاً لذلك إيرادات الضرائب والجمارك وغيرها من الإيرادات.

والمعلوم أن بنك السودان في الظروف الطبيعية ما كان سيقبل تحمل ذلك العبء لأن الأمر بالقانون ليس من مهامه، وثانياً للتأثيرات السالبة لضخ تلك الأموال على معدل التضخم وسعر العملة، ولكن، واستشعاراً من بنك السودان بأن السودان يخوض معركة “كرامة” تصدى لمقابلة تلك الأشياء، كما تحمل كل تكاليف احتياجات الحرب وتكاليف الحراك الدبلوماسي.

بنك السودان أيضاً كان يواجه بإلتزام تخصيص الموارد بالنقد الأجنبي لكل الاحتياجات الأساسية والاستراتيجية للدولة من رصيد احتياطياته التي كانت قد بنيت بالسياسات في الظروف الطبيعية قبل الحرب، والتي كان قد أسهم فيها المحافظ الحالي ونائبه وكل قيادي بنك السودان قبل الحرب، وذلك عندما خفضت تلك السياسات سعر الدولار من قرابة الألف جنيه إلى حوالي 550 جنيه وأصبح الناس يتدافعون لبيع الدولار للبنوك والصرافات للدرجة التي كان قد فتح فيها بنك السودان ذاته نوافذ إضافية لشراء الدولار في بعض فروعه. كما كان بنك السودان يعلن يومياً بأنه على استعداد لمقابلة أي طلبات للدولار للاستيراد وغيره، وحينها انزوى كل تجار العملة والمضاربين، كما كان بنك السودان قد خفض معدل التضخم من الرقم الذي كان قد قارب ال٤٠٠ في المائة إلى 83% خلال عامين فقط، ولولا قيام الحرب لكان البنك قد حقق الرقم المستهدف في الانخفاض وهو 25 %.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى