احتفلت على أجساد المواطنين… المليشيا تدخل الفاشر وتقضي على ما تبقى من حياة

على أجساد المواطنين وتشريدهم والتنكيل بهم، يحتفل مرتزقة الدعم السريع بالسيطرة على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي تُعدّ مركزا أساسيا للعمليات الإنسانية في ولايات دارفور الخمس، بعد ان خضعت منذ العاشر من مايو 2024 لحصار محكم من المليشيا، منعت على إثره من دخول المساعدات للمدنيين.
تصعيد مروع
وأعلنت مليشيا الدعم السريع أمس “الأحد”، الاستحواذ على الفاشر ومقر الفرقة السادسة مشاة – قيادة الجيش بينما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الاثنين، من تصعيد مروّع للنزاع في الفاشر، وقال إن ما يحدث يشكّل تصعيداً مروّعاً في النزاع، مضيفاً أن مستوى المعاناة في السودان لا يمكن تحمّله.
مجزرة بشعة
من جانبها، أعلنت «شبكة أطباء السودان»، الاثنين، أن مليشيا الدعم السريع، قامت بتصفية العشرات على أساس إثني بالفاشر، ونهبت المرافق الطبية والصيدليات.
وقالت الشبكة في بيان صحافي ، ان المليشيا أقدمت على قتل مواطنين عزَّل على أساس إثني، في جريمة تطهير عرقي.
وان التقارير الميدانية تشير الى ضحايا بالعشرات، في ظل صعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة بسبب الانفلات الأمني الكامل الذي تسببت فيه المليشيا.
وأضافت “لم تكتف الدعم السريع بإزهاق الأرواح، بل نهبت المستشفيات والمرافق الطبية والصيدليات في المناطق التي اقتحمتها، لتجهِز بذلك على ما تبقى من مقومات الحياة والرعاية الصحية في المدينة، في انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية التي تجرِّم استهداف المدنيين والمنشآت الصحية”.
نزوح قسري
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قال الأحد، إن مئات الآلاف من المدنيين محاصرون وسط تصاعد القتال في الفاشر، وصرح منسق الأمم المتحدة لشؤون الإغاثة في الحالات الطارئة، توم فليتشر، بأنه مع توغل المقاتلين أكثر داخل مدينة الفاشر وانقطاع طرق الهروب، فإن مئات الآلاف من المدنيين محاصرون وهم في حالة رعب، حيث يتعرضون للقصف، ويعانون الجوع، ولا يمكنهم الوصول إلى الغذاء أو الرعاية الصحية أو الشعور بالأمان.
وأبدى قلقه البالغ إزاء تقارير تفيد بسقوط ضحايا مدنيين، ووقوع عمليات نزوح قسري، ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في الفاشر، وفي أنحاء دارفور، وفي عموم السودان، مضيفا “يجب السماح للمدنيين بالمغادرة عبر ممرات آمنة، وتمكينهم من الحصول على المساعدات، كما يجب السماح لمن يفرون إلى مناطق أكثر أمناً بالقيام بذلك بأمان وكرامة، ويجب توفير الحماية لمن يبقون، بمن فيهم العاملون المحليون في مجال الإغاثة. ويجب أن تتوقف فوراً الهجمات على المدنيين والمستشفيات وعمليات الإغاثة الإنسانية”.
جرائم حرب
من جانبه طالب رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس المنظمات الدولية “بالتدخل فورا”، وقال في حديث لـ “الجزيرة” على المنظمات الدولية التدخل فورا في ضوء تقارير عن تعامل الدعم السريع بالفاشر وبارا، واعتبر أن ما يحدث في الفاشر “يشكل جرائم حرب وتطهيرا على أساس عرقي”، مشيدا “بصمود القوات المسلحة السودانية في كل جبهات القتال وتعاملها وفق القانون الإنساني”.
لا يعني التفريط
من جهته قال، حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي اليوم “الاثنين”، إن مدينة الفاشر ” سقطت بيد مليشيا الدعم السريع، وعلَّق مناوي على ذلك في حسابه على منصة «إكس» قائلاً ” سقوط الفاشر لا يعني التفريط في مستقبل دارفور لصالح جماعات العنف… وكل شبر سيعود لأهله”، وطالب بحماية المدنيين في الإقليم، وإجراء تحقيق مستقل في الانتهاكات التي تحصل بعيداً عن الأنظار.
العالم يراقب
كما طالب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس مليشيا الدعم السريع بالتحرك فورا لحماية المدنيين ومنع المزيد من المعاناة في الفاشر، ودعا بولس قادة الدعم السريع إلى الاستمرار في إصدار أوامر واضحة لقواتهم وإعلانها بشكل علني لضمان سلامة المدنيين والعاملين في المجال الإنساني وعمليات الإغاثة، مضيفا أنه يجب فتح ممرات إنسانية فورا لتمكين المدنيين من الوصول إلى مناطق آمنة، قائلا إن العالم يراقب بقلق بالغ الفاشر وأفعال الدعم السريع.
فيديوهات مروعة
المتابع للأوضاع في الفاشر منذ أمس “الأحد”، يرصد عدداً كبيراً من الفيديوهات التي تروع فيها مليشيا الدعم السريع، وتقتلهم بدم بارد، وأعلنت القوات المشتركة مقتل ناطقها الرسمي العقيد أحمد حسين مصطفى في الفاشر، وهو يؤدي واجبه في الدفاع عن الوطن وأهله بكل شجاعة وإخلاص، وتأكد أيضا مقتل المراسلة الحربية أسيا خليفة المعروفة بعملها الإعلامي المستمر في الفاشر، كما القت المليشيا القبض على مراسل قناة الجزيرة مباشر معمر إبراهيم.
وحشية المليشيا
مقاطع الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل، توضح بجلاء مدى وحشية عناصر مليشيا الدعم السريع في التعامل مع المواطنين بعد دخولها الفاشر، وارتكابها لجرائم ترتقي إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، وسط ردود فعل مخجلة من المجتمع الدولي والذي اكتفى بمجرد بيانات خالية من الادانة المباشرة للمليشيا، وشماتة من جماعة “تأسيس” الذراع السياسي للدعم السريع، في وقت التزمت فيه مجموعة صمود بالصمت المصحوب بإدانات خجولة توقعها بضرورة وقف الحرب، دون ادانات واضحة وصريحة للمليشيا تلجأ إليها إذا ما حدث أي حادث من قبل القوات المسلحة، والتي تملأ الدنيا صراخا إذا ما وجدت فيديو واحد لحادثة واحدة للجيش.
أمام كارثة
ووصف المتحدث الرسمي باسم النازحين في دارفور آدم رجال أن الوضع بالفاشر بالمروع والصعب جدا. وقال رجال لـ “المحقق” إن هناك مئات النازحين بالمدينة نزحوا إلى “طويلة” منذ أمس في ظروف إنسانية حرجة، وأنه يتوقع وصولهم أيضا إلى جبل مره، مضيفا نتابع الأوضاع لحظة بلحظة، لكننا أمام كارثة كبيرة وحالات نزوح أكبر، مشيرا إلى أن الفيديوهات المنتشرة على السوشيال ميديا تظهر مدى الفظاعة وترويع الناس وقتلهم وتشريدهم، وقال نحتاج إلى خدمات أساسية منقذة للحياة، بما في ذلك المياه والرعاية الصحية والتغذية ومواد الإيواء وخدمات الحماية والتعليم والدعم النفسي والاجتماعي وغيرها من المساعدات الإنسانية الطارئة، داعيا الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الإنسانية إلى توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لهؤلاء الناجين الذين يعيشون في ظروف صعبة ومروعة.
أوضاع سيئة
وأكد رئيس مكتب حركة تحرير السودان بالشرق الأوسط صالح منصور أن الوضع الإنساني سيئ للغاية، وأن المواطنين هناك عراة لا طعام ولا شراب وتتم تصفيتهم من المليشيا على أساس عرقي. وقال منصور لـ “المحقق” إن الحرب على الفاشر لم يكن بها تكافؤ قوى منذ بداية الحصار، مضيفا أن المعارك بالمدينة كانت بين الجنجويد التي تملك مسيرات استراتيجية وأليات ومعدات أرضية، والتي كانت تقاتل مجموعات بسيطة من القوات المسلحة والقوات المساندة لها تحت حصار وتجويع ممنهج استمر عام ونصف حتى الآن، وتابع ومع ذلك كان هناك استبسال وصمود كبير واستطاعت القوات بالمدينة صد أكثر من 250 هجوم، منوها إلى أن هذه القوات التي كانت موجودة للدفاع عن الفاشر انتهت الآن، وأن المتبقي منها سيكون أسيرا، مؤكدا في الوقت نفسه أن المليشيا لن تستطيع الاستقرار بالفاشر، وقال إنها مسألة وقت للقضاء عليها تماما، مضيفا أن هدف المليشيا هو ضغط سياسي للجلوس إلى مفاوضات تدعي فيها التكافؤ مع الدولة.
نقلا عن المحقق



