تقارير

إيقاف صادر الذهب للإمارات.. مكاسب للسودان

تقرير – رحاب عبدالله

ظل الحديث عن صادر الذهب من السودان إلى دولة الإمارات محيرا بين التصريحات المتناقضة لمسؤولي الحكومة وسط اتهامات أن صادر الذهب يتم عبر شركات تتبع لنافذين تحتكر تصديره للاستفادة من عائده والحصول على عملات أجنبية لمصالحها الشخصية، الأمر الذي أفقد البلاد ملايين الدولارات لان عائدات حصائل الصادر لا يتم توريدها لبنك السودان.

وظل التصدير مستمرا رغم التأكيدات المتواصلة بوقف صادر الذهب للإمارات لكن لم يُتخذ قرار رسمي من الجهات المعنية لوضع القرار موضع التنفيذ، وظل الإبقاء على صادر الذهب للإمارات مستمرا، ما جعل هنالك تساؤلات مطروحة عن الإصرار على التصدير رغم إعلان السودان الإمارات دولة عدوان.

إيقاف صادر الذهب

ظل إيقاف صادر الذهب مطلب للسودانيين الذين هجرتهم حرب مليشيا الدعم السريع المدعومة من دولة الامارات.

وظل المسؤولين بالدولة يؤكدون العزم لإيقاف صادر الذهب للامارات منذ بداية اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، لكن يبدو أن الامر كان بين المصلحة الشخصية والمقاطعة الرسمية ، رغم إعلان وزيري المالية والمعادن بترتيبات الايقاف حيث كشف وزير المعادن السابق والقيادي في حركة جيش تحرير السودان، محمد بشير أبونمو، في مايو من العام الحالي عن سعي السودان لوقف تصدير الذهب إلى الإمارات، وفتح أسواق جديدة في دول أخرى، وأكد الوزير أن السودان لا يلتزم بأي اتفاقيات طويلة الأجل مع الإمارات، واصفًا الأنباء حول تعهد السودان بتوريد الذهب للإمارات لمدة 20 عاما بـ”الهراء”.

وأوضح أبونمو أن الحكومة السودانية تبحث عن بدائل استراتيجية لتصدير الذهب، مشيرًا إلى أن قطر تُعد خيارا مفضلاً، نظرا لعلاقاتها الإيجابية مع السودان ودعمها الدائم دون شروط.

كما أشار إلى وجود خطة لتوسيع الأسواق إلى السعودية، مصر، البحرين، تركيا وروسيا، عبر

تسهيلات تقدمها الحكومة للشركات المصدرة.

ووصف الوزير مزاعم امتلاك الإمارات عقودا طويلة الأجل لتوريد الذهب السوداني بأنها غيرصحيحة، مؤكدا أن معظم الذهب السوداني الذي يُصدر إلى الإمارات يتم عبر شركات خاصة، وليس عبر اتفاقيات حكومية مُلزمة.

وأضاف أن الشركات تفضل الإمارات بسبب التسهيلات البنكية والأسواق المفتوحة هناك، لكنها باتت تُشجع على البحث عن أسواق جديدة.

وكشف الوزير عن الأرقام الرسمية لإنتاج الذهب خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ

42 طنا في عام 2022 قبل اندلاع الحرب و23 طنا في عام 2023 بسبب تأثير الحرب و64 طنا بنهاية عام 2024، مما يعكس تحسنا ملحوظا في الإنتاج.

وأشار إلى أن هذه الأرقام تمثل الإنتاج المرصود، مما يعني أن الكمية الفعلية قد تكون أكبر في ظل وجود نشاط التعدين غير الرسمي والتهريب.

وفي مايو أيضا أكد وزير المالية رئيس حركة العدل والمساواة د.جبريل إبراهيم، أنه سيتم إيقاف صادر الذهب إلى الإمارات، وأنهم ماضون بصورة جيدة في الترتيب للأسواق البديلة، وقال إن السوق الإماراتي، يتميز بتقديم دفع مقدم وضمانات تجارية مغرية للمصدرين، وهذه العوامل تجعل الإمارات وجهة مثالية لتصدير الذهب، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية غير المستقرة في السودان، لافتا إلى أن الإمارات تُعد مركزا عالميا لتجارة الذهب، مما يُسهل عمليات البيع ويضمن حصول المصدرين على عوائد سريعة.

انتاج متواضع

وقطع مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية الأسبق د.مجاهد بلال طه، بأنه رغم ضآلة احتياطيات الذهب المكتشفة حتى الآن والتي تفوق 1500 طن فإنها تكفي وفق متوسط معدل الإنتاج الحالي، لتغطية إنتاج العشرين عاماً المقبلة.

لكنه أقر في حديثه ل(الأحداث) أنه ومع ذلك  يظل مستوى إنتاج الشركات العاملة في السودان متواضعاً مقارنة بمعدلات الإنتاج السنوي للشركات الكبرى في الأسواق العالمية، مؤكدا أن أي تحول استراتيجي نحو استقطاب شركات تعدين عالمية كبرى سيكون كفيلاً بمضاعفة الإنتاج عدة مرات، وأردف “ويمكن بثقة التأكيد على مقولة أن إنتاج الذهب فى السودان لم يبدأ حتى الآن”.

في المقابل يواصل التعدين التقليدي (العشوائي) تمدده، ما يستدعي وضع استراتيجية محكمة للحد من توسعه وتنظيم مواقع نشاطه وضبط أساليب ممارسته بما يضمن تقليل آثاره السلبية وتعظيم فوائده الاقتصادية.

فتح أسواق جديدة لصادر الذهب

ويشير مجاهد لامكانية فتح أسواق تصدير جديدة للذهب السوداني بسهولة نسبية، غير أن ذلك يتطلب تحركاً منظماً وتنسيقاً فعالاً بين أجهزة الدولة لتأمين القنوات التجارية وتذليل العقبات أمام الصادر.

أما ملف التهريب فيستحق دراسة أعمق لتحديد المفهوم بدقة خاصة أن جزءاً من الكميات المتداولة ليس مهرباً بالمعنى التقليدي بل هو ذهب مخزن يبحث مالكوه عن بيئة وفرص استثمارية آمنة تشجعهم على إدخاله في الدورة الاقتصادية الرسمية.

خيار فتح الصادر بشكل مطلق غير مناسب

على صعيد السياسات شهدت لوائح وضوابط صادر الذهب تقلبات متعددة عبر السنوات، بما أفرز تجارب واقعية تصلح للاستفادة منها، ومع توفر التجارب الإقليمية والعالمية، يبقى المطلوب تنسيقاً محكماً بين مؤسسات الدولة، وتبادلاً فعالاً للمعلومات للوصول إلى صيغة ملائمة لواقع السودان، مع الإقرار بأن خيار فتح الصادر بشكل مطلق قد لا يكون الأنسب في المرحلة الراهنة.

وأقر مجاهد بوجود عدة تحديات أمام فتح أسواق جديدة يمكن اجمالها في أن معظم الدول تعتبر الذهب من ضمن القوائم التى تفرض عليها قيمة جمركية دخولا وخروجا، بالاضافة إلى أن معظم الذهب السوداني مملوك للقطاع الخاص ومعظم ذلك القطاع الخاص كان يصدر لنفسه وشركاته فى الإمارات،  مبينا أن التعويض يحتاج لقليل من الزمن للمصدرين لترتيب أوضاعهم في البيئة الجديدة، وقال إن من التحديات أن معظم الذهب كان يصدر صحبة راكب وكانت الإقامات أو الفيزا سهلة وتخرج بدون تعقيد للموظفين حاملى الذهب، ورأى أن الأمر يحتاج لقليل من الترتيب في الأسواق الجديدة.

وأشار إلى أن معظم الدول توجد فيها تعقيدات مصرفية لاكمال عمليات التحويل المالي مباشرة مع مصارف سودانية للايفاء بأمر حصيلة الصادر وذلك الأمر يحتاج لبعض الترتيبات الاجرائية من الدولة، بجانب أن اعتماد العيار سيحتاج لقليل من الوقت حتى يتم الاتفاق والاطمئنان على المصافي المعتمدة التي سيتم التحليل النهائي عبرها والاعتماد المتبادل إذ أن ذلك المستند مفصلي في عمليات الصادر والحصيلة.

خروج بنك السودان من شراء ذهب التعدين التقليدي

من ناحيته أكد الخبير الاقتصادي المهندس الطيب الجعلي الطيب لـ(الأحداث) أن السياسات الحالية لإدارة قطاع الذهب في السودان، وعلى رأسها سياسات بنك السودان الخاصة بالتصدير وخروجه من شراء ذهب التعدين التقليدي، لم تسهم في بناء منظومة فعالة لحماية هذا المورد الحيوي، بل ساهمت في توسع التهريب وغياب الشفافية وضعف العائدات الرسمية.

وأوضح الطيب أن المشكلة الجوهرية لا تكمن في ندرة الأسواق الخارجية أو في قلة الطلب على الذهب السوداني، بل في غياب رؤية استراتيجية واضحة لإدارته كأصل اقتصادي طويل الأمد، وعدم توفر آليات تنفيذ محكمة تعكس جدية الدولة في الاستفادة من الذهب كمورد قومي.

وأشار الطيب إلى أن السودان يجب أن يتوقف عن التعامل مع الذهب بوصفه سلعة للتفريغ النقدي، وأن يوظف بدلا عن ذلك كضمان للحصول على تمويل ميسر، أو كأساس لتطوير أدوات مالية محلية وعالمية مرتبطة بالذهب، على غرار ما قامت به تركيا عام 2017 حين جمعت أكثر من 7 أطنان من الذهب من المواطنين وأدخلته النظام المصرفي عبر شهادات وسندات مغطاة بالذهب، مما وفر للدولة سيولة دون اللجوء إلى السوق الدولية.

وأضاف أن البيع المباشر للذهب يجب أن يكون آخر الحلول، لا أولها، خاصة وأن الذهب مورد ناضب يمثل احتياطيا استراتيجيا للأجيال القادمة، وشدد على أهمية التفكير في بناء احتياطي فعلي من الذهب خصوصا أن السودان يعد الثالث أفريقيا من حيث الانتاج، بالإضافة لربطه بأدوات اقتصادية تدعم الاستقرار النقدي.

وفيما يتعلق بالتصدير عبر الإمارات، أوضح أن أغلب الكميات التي كانت تصدر تعود للقطاع الخاص، وأن دبي كانت وجهة مفضلة للمصدرين بسبب الإجراءات المبسطة،

لكنه أكد أن التصدير في نفسه كرس لفقدان العائد الوطني ما لم تبادر الدولة إلى تطوير سوق داخلي منظم بمصفاة معتمدة ونظام تسعير مجز، يشجع المنتجين والتجار على البيع محليا للدولة.

كما بين أن هذا النموذج المحلي من شأنه أن يعزز الرقابة على حركة الذهب، ويضمن استرداد حصائل الصادر، ويعيد الدولة إلى موقعها كمستفيد فعلي من الإنتاج، بدلا من أن تبقى على الهامش.

وأشار إلى أن التعدين التقليدي يشكل ما يفوق 80% من إنتاج الذهب، لكنه لا يزال عشوائيا ويفتقر إلى الرقابة، ويعاني من تضارب الرؤى داخل الجهات المشرفة، بالإضافة الي الممارسات الضارة بالبيئة، ما يحوله إلى أحد أبرز التحديات وايضا كمصدر للفاقد الاقتصادي في البلاد.

غياب الإرادة السياسية

وختم الطيب حديثه بالتأكيد على أن السودان لا يعاني من نقص في الذهب، ولا في الأسواق، ولا في الشركاء المحتملين – مثل تركيا وروسيا والصين وقطر والسعودية – بل يعاني من غياب الإرادة السياسية والعمل الجاد لوضع حد للفوضى وبناء منظومة وطنية تدير المورد بشكل شفاف يخدم الاقتصاد الكلي ويعزز الاستقرار النقدي والمالي في البلاد.

أسواق بديلة

من ناحيته استعجل الخبير الاستراتيجي في مجال الذهب عاطف أحمد فتح أسواق جديدة وبديلة في دول أخرى بصورة عاجلة مع ضمان وجود تسهيلات بنكية وذلك لتفادي وجود آثار عكسية على مصدري الذهب للإمارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى