بروفيسور إبراهيم اونور
أستاذ الإقتصاد والتمويل بجامعة الخرطوم
بالرغم ان القطاع المصرفي السوداني قبل الحرب كان يعانى من مشاكل معقدة كبيرة ولكن بعد إندلاع الحرب والخراب الذي طال كل السودان أصبح القطاع المصرفي في حالة إنهيار كامل لا يخفي علي احد حتي لغير المختصين في المجال. ولكن علي الرغم من ذلك هناك قيادات مصرفية وعلي رأسهم محافظ البنك المركزي الحالي يستغلون جهل القائمين علي امر السلطة العليا بواقع الحال المصرفي حيث يزيفون الواقع حتي لا يرى أحد الصورة الحقيقية المحزنة للبنوك السودانية التي شارفت إعلان الإفلاس والخروج من العمل.
لتوضيح الصورة الحقيقية لابد أولا ان نشير ان الودائع المصرفية هي عبارة عن ديون للبنوك بإعتبارها اصول مملوكة للمودعين وليس للبنك التجاري ولذلك بفقدانها يكون البنك مطالب بتسديدها سواء كانت ودائع تحت الطلب أم ودائع إستثمارية .. أيضا بسبب الحرب تضررت الأصول المملوكة للبنوك حيث أن بفقدان إستثمارات القطاع الخاص التي تم تمويلها من البنوك تكون البنوك فقدت أهم مصادر إيرادات في ميزانياتها. هذا يعنى أن كل التمويل الذى قدمته البنوك للقطاع الخاص والعام أصبح ديون متعثرة بل هي أقرب لديون هالكة غير قابلة للإسترداد. بالطبع بعد إندلاع الحرب وسيطرة قوات الدعم السريع في البداية علي ولاية الخرطوم والتي كانت تمثل مركز ثقل النشاط الإقتصادى في البلاد و بعد ذلك السيطرة علي ولايات السودان الأخري الجزيرة والنيل الأزرق والنيل الأبيض وولايات كردفان والتي أيضا تمثل مراكز ثقل إنتاج السودان من الزراعة والثروة الحيوانية توسعت خسائر القطاع المصرفي بصورة ملحوظة حيث لا يستطيع أحد إخفائها مهما بذل من جهد وغش للرأي العام .
ولذلك يمكن القول ، بإستيلاء قوات التمرد على هذه الولايات فقدت البنوك السودانية كل أصولها النقدية والعينية في هذه الولايات هذا بجانب غياب أي تأمين داخلي وخارجي لإسترداد هذه الخسائر أو جزء منها.
وحتى لا تظهر هذه الخسائر الضخمة ضمن حسابات البنوك سمح البنك المركزى لإخفاء هذه الخسائر باللجوء إلى حيلة محاسبية ، وهى توزيع هذه الخسائر ضمن حسابات ميزانيات عشرة سنوات قادمة. هذا يعني مثلا اذا كانت خسائر بنك من البنوك السودانية في سنتى الحرب حوالي مائة مليار جنيه ينبغي ان تظهر فقط حوالي عشرة مليار جنيه (وهى عشر المبلغ الكلى )في حسابات البنك كخسائر لكل سنة على حدة خلال العشرة سنوات القادمة . علما بأن من أهم مؤشرات السلامة المالية للمصارف هو معدل كفاية رأس المال والذى يحسب على أساس قسمة إجمالي رأس مال البنك علي إجمالي الأصول المرجحة بالمخاطر يصبح عند إنخفاض راس المال نتيجة لإنخفاض الديون التابعة للبنك والتى تعتبرجزء من رأس المال وكذلك عند زيادة مخاطر الأصول، قطعا ينخفض معدل كفاية راس المال دون مستوى السلامة المصرفية المحدد عالميا .
وحتي لا يظهر هذا الإنخفاض لجأ البنك المركزي لجدولة خسائر الديون المتعثرة الي عشرة سنوات أو ربما إلى فترة أطول بتمديد الفترة بعد العشرة سنوات القادمة وكل ذلك لإخفاء الصورة الحقيقية الحالية لإنهيار
القطاع المصرفى السودانى.
بالتأكيد لا يتحمل هذا الفشل وتزييف الواقع المصرفى محافظ البنك المركزى وحده بل يتحمل معه مدراء
البنوك التجارية الذين بالرغم من علمهم للواقع الخطير يلزمون الصمت خوفا من بطش المحافظ وكذلك
يتحمل الوزر قلة من إعلاميين *يظهرون فشل المسوؤل وكأنه إنجاز يستحق الإحتفاء به وكل ذلك مقابل شى لا نعلمه .*
