علي عسكوري
*الافتراض الخاطئ الذي أدى لهلاك المليشيا وسحقها هو اعتقادها الراسخ أن شعوب السودان الأخرى جميعا (سنة ناعمة) لا تعرف القتال والحرب ولذلك لن تصمد في وجه عنفها، فاندفعت بقضها وقضيضها ببلاهة تحسد عليها فاتحة نيرانها بكثافة غيرمسبوقة على كل شئ، معتقدة أن الأمر نزهة في الحديقة walk in the park، وما هي إلا ساعات وتسيطر على بلاد السودان بكاملها
*منذ اللحظة الأولى اصطدمت المليشيا بصمود اسطوري من القوة القليلة الموجودة في الخرطوم، التي عوضت قلة عددها ببسالة لم تعرفها الجيوش, بتلك البسالة الخارقة دحرت القوات المسلحة موجات هجمات المليشيا المجنونة موجة بعد موجة, وسرعان ما تكشف للمليشيا أن الجيش الذي افترضت أنه (سنة ناعمة) إنما في حقيقته أسد هصور وفولاذ صلب ليس لبغاث الصحراء قبل به ولا يمكنها كسره أو فله.
*الآن جربت المليشيا الجيش والشعب وعرفت شكيمتهم, (لقيتونا كيف)! هكذا يقول الجيش و شعب السودان للمليشيا المندحرة.
*نشأت المليشيا واعتمدت على تكتيك قتالي وحيد هو كثافة النيران والقتال في الفيافي والمفازات ضد حركات مسلحة محدودة العدة والعتاد، كما إنها اعتمدت في معاركها القليلة على دعم الجيش في نواحي كثيرة, وهكذا ترسخ لديها اعتقاد كاذب إنها لا تقهر, ذلك نفس الاعتقاد الذي ترسخ عند عديدين من أباطرة التاريخ من بينهم بل أشهرهم نابليون الذي اعتقد أن جيشه لا يقهر فطمع في التمدد واخضاع روسيا و قامر بدخل موسكو ثم ما لبث أن عاد مدحورا يجرجر الهزيمة، بعد أن أحرق قائد شرطتها المدينة بكاملها حتى علف الحيوانات فلم يجد نابليون غذاء لجنوده ولا علفا لخيله فعاد مدحورا يهز رأسه بين كتفيه! بالطبع تجهل المليشيا تاريخ من سبقوها ولذلك ارتكبت نفس الاخطأ فغزت المواطنيين في مناطقهم و قتلتهم دون ذنب والآن دارت عليها الدوائر.
*فات على المليشيا وداعميها أنها في مقامرتها الانتحارية ستواجه جيشا نظامي له تاريخ تليد وراسخ وله شرف فوق الثريا والسماك الاعزل, نسيت المليشيا أن الجيش السوداني أعرق جيوش القارة بعد الجيش المصري وأن هزيمته في عاصمته وعقر داره أمر من رابع المستحيلات! لو تذكر جهاليل المليشيا تلك الحقائق عن الجيش السوداني وعن صلابة شعبه الذي يقف خلفه والذي كان مستعدا لأكل الحنظل على أن تحكمه المليشيا، لو تذكروا ذلك لما تجرأوا للدخول في هذه المقامرة الدموية والمهلكة غيرالمسبوقة في التاريخ الافريقي.
*دون شك لقد تحولت كل بقاع السودان ميادينا لجثث جنودها الذين هربوا تاركين لها في العراء, وهل هنالك عار أكبر من الهروب وترك جثث زملائك ورفاقك طعاما للكلاب الضالة والجوارح! لكنها أخلاق الأوباش يتركوا رفاقهم موتى كالسوائم.
*نذكر أنه لم يكن للجيش السودانى خبرة تذكر أو يعتد بها في حرب المدن، كما لم يكن للمليشيا خبرة هي الأخرى، وهكذا تساوت الكفتان في انعدام الخبرة في مسرح القتال، مع تفوق المليشيا الكبير في العدة والعتاد والرجال في بداية حربها, ومع تقدم القتال ظهر الفارق الكبير في التاكتيك بين الجيش المحترف وبين ملاقيط الصحاري.
*مع اندلاع القتال داخل العاصمة اتبع الجيش خطة الدفاع عن مقاره باحترافية كبيرة وامتصاص كثافة النيران، وأضحت المليشيا تهاجم بنيران كثيفة وبآلالاف من عناصرها, في كل مرة كانت المليشيا تخسر كما هائلا من عتادها وآلالاف من مقاتليها، ثم تعود بذات الطريقة فتحصدها نيران دفاعات الجيش وهكذا كسر الجيش ظهرها وقتل عشرات الالاف من عناصرها.
*كنتيجة للخطة المحكمة الفعالة التي اتبعها الجيش فشلت المليشيا في الاستيلاء على أيا من مراكز قيادات الجيش التي استهدفتها, فشلوا في الاستيلاء على القيادة العامة، قيادة المدرعات، المهندسين، سلاح الاشارة، الهجانة، الخ..، وكانوا قد استهدفوا هذه المواقع عشرات المرات وتم دحرهم بخسائر هائلة في العتاد والرجال, ذلك هو الفرق بين الجيش المهني المحترف وبين اوباش وملاقيط الصحراء الذين لا يعرفون من العسكرية الا الضغط على الزناد.
*ومع انكسار المليشيا الواضح من عجزها على شن موجات أخرى على مواقع الجيش، بدأ الجيش المرحلة الثانية من خطته فتحول من الدفاع عن مقاره للهجوم على المليشيا بعد أن أصبحت تترنح كاعجاز نخل خاوية.
أكثر ما أثار ويثير استغرابي الشديد هو افتراض المليشيا بأن جيش السودان وشعبه لقمه سذائغة يمكنها التهامها في ساعات كما زعموا وأن لا خيار لقيادة الجيش سوى الاستسلام, فبقدر ما يتخيل الإنسان من كمية السذاجة الموجودة في الأرض، يصعب عليه تخيل سذاجة المليشيا, كيف خطر للمليشيا أن بوسعها هزيمة الجيش السودانى والسيطرة على البلاد! من أوعز لهم بفكرة الانتحار هذه؟! ومع زعمي بأنني قرأت قدرا جيدا من تاريخ الحروب ومزالق القادة المغامرين لكنني لم أعثر قط على ما أقارن به سذاجة المليشيا وروحها الانتحارية! إن ما قامت به المليشيا فعل مستغرب في تاريخ الحروب في التاريخ! و حقيقة آمل أن يخصص بعض أبنائنا من طلاب الأركان حرب بحوثهم لتوضيح سذاجة المليشيا العسكرية، ليس فقط لاستفادة القوات المسلحة منها، بل ليعرف العالم ان هنالك قدر جديد من السذاجة العسكرية اجترحته المليشيا يثير السخرية ويكشف عن بلاهة وغباء عسكري غير مسبوق. لا شك عندي أن ما قامت به يستحق أن يدخل موسوعة جنيس للارقام القياسية في السذاجة والغباء العسكري! وحقيقة من السذاجة ما قتل! سينكشف هذا الغباء للناس بعد ان تنجلى الحرب ويعرف الناس عدد موتى المليشيا وخسائرها في السلاح والعتاد.
*ولو تركنا جانبا شهداء القوات المسلحة، وقوات جهاز الامن والمشتركة، والمستنفرين والضحايا من المدنيين وما تبع الحرب من تشريد ومعاناة تفوق الوصف، لو تركنا كل ذلك جانبا، يقف الانسان ليسأل: كيف يخاطر الانسان بكل شباب مجتمعه في مهلكة مثل ما شاهدنا!! لم تضعف هذه الحرب السودان ولا شعبه ولا جيشه، بل زادت من وحدتهم وتماسكهم وهم قادرين على النهوض في وقت قصير، اما حواضن المليشيا فقد هلك شبابها ومن لم يهلك فقد اطرافه واصبح مقعدا، وسيستغرق الامر عقودا طويلة حتى تستعيد تلك الحواضن حيويتها، اعتقد انها قد تحتاج لنصف قرن او اكثر حتى تنشأ اجيال جديدة! من المسؤول عن ذلك ولماذا؟ تلك اسئلة يتوجب على المستنيرين من تلك الحواضن الإجابة عليها.
*وكنت قد كتبت لهم في فبراير الماضي بعد تحرير مباني الإذاعة بأن أوان استسلامهم قد حان،ولو فعلوا لحقنوا الكثير من الدماء، وقد فات علي وقتها اننى اخاطب في اوباش بهم قدر من السذاجة لا يعرف له مثيل في التاريخ، وهكذا اختاروا الانتحار بدلا من حقن دمائهم.
*وبعكس ما افترضت المليشيا ان شعوب السودان وجيشه (سنة ناعمة) اكتشفت ان لحمهم مر كالعلقم، فما ان انتقل الجيش والقوات الاخري لحالة الهجوم حتى اتضح انهم يطلقون سيقانهم للريح.
*كتبت مسودة هذا المقال قبل تحرير مدني واستعادتها. وها هي معركة مدني تثبت مرة اخرى أن المليشيا تجهل تاكتيكات الدفاع وكل ما تعرفه هو الهجوم بكثافة النيران, ليس مستغربا اذن ان تهاوت دفاعاتها كتهاوى اعجاز النخل، واصابها بما يعرف بتاثير الدومينو، ارتكاز وراء ارتكاز يولي الأدبار.
*موعدنا الخرطوم اذن، لكننا نريد من جيشنا ان يخوض معهم معركة لا تبقي ولا تذر فيهم احدا، وان لا يراعي فيهم الا ولاذمة، هذه عاصمتنا وحتى لا يجهل علينا احد في مستقبل السنوات، او كما كما قال عمرو بن كلثوم
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
البل والاجتثاث التام هو شعار معركة العاصمة ذلك ما يطالب به الشعب جيشه والقوات الخاصة والمشتركة والمستنفرين
هذه الأرض لنا
نقلا عن “أصداء سودانية”