إعمار السودان “المعاني قبل المباني” (5)
أبوبكر الشريف التجاني
بسم الله الرحمن الرحيم
به نبتديء، وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نقتدي.
تحدثت في المقال السابق عن دور الأسرة الصالحة في العملية التعليمية والتربوية، وكيف يمثل ذلك التكامل دعامة أساسية لبناء مجتمع سليم. في هذا المقال، أتناول أهمية وضع المناهج التعليمية بشكل متكامل يتناسب مع المجتمع السوداني، وأهمية العودة لنظام تعليمي يراعي الجوانب الأخلاقية، والعلمية، والمرحلية للتلميذ.
الأسرة الصالحة كحجر أساس
لقد أشار الإسلام إلى أهمية بناء أسرة صالحة تبدأ من الاختيار السليم لشريك الحياة، وأكد على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس)، في إشارة إلى أهمية التأسيس الجيد للأسرة من الناحية الصحية، والأخلاقية، والوراثية.
كما ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن للوالد ثلاثة حقوق على ولده: أن يختار له أمًا صالحة، أن يسميه اسمًا حسنًا، وأن يعلمه القرآن الكريم. هذه المنطلقات التربوية تضع الأساس لجيل ينهض بالمجتمع بأخلاقه وعلمه.
وفي سياق تربية الأطفال، تحدث الإمام الغزالي عن أثر الكسب الحلال على نمو الأطفال، وأشار إلى أهمية تحري الطعام والشراب النظيف والصالح، وأكد أن اللبن الخبيث، الناتج عن كسب غير حلال، لا بركة فيه للطفل. هذا يُظهر كيف أن مسؤولية الوالدين لا تقتصر على التربية والتعليم، بل تمتد إلى تحري الحلال في الرزق، لأن ذلك ينعكس على نفسية الطفل وأخلاقه في المستقبل.
*إصلاح السلم التعليمي*
للنهوض بالعملية التعليمية في السودان، يجب إعادة النظر في السلم التعليمي ليصبح أكثر انسجامًا مع المرحلة العمرية للتلاميذ، وتقسيم المراحل التعليمية كالتالي:
1. المرحلة الابتدائية: من الصف الأول حتى السادس.
2. المرحلة الإعدادية: ثلاث سنوات (تشمل المتوسطة).
3. المرحلة الثانوية: ثلاث سنوات.
هذا السلم كان معمولًا به في السودان حتى السبعينات، وأثبت فعاليته، كما تعمل به دول مثل مصر والمغرب وموريتانيا التي لا تزال أنظمتها التعليمية مستقرة.
*مراجعة المناهج وتجنب الحشو*
المناهج يجب أن تصمم بشكل يراعي التدرج في الصعوبة، بدءًا من المفيد والبسيط وصولًا إلى التخصصات الدقيقة. إن الحشو الزائد يعقد العملية التعليمية، ويثقل كاهل الطفل، مما يسبب نفورًا من الدراسة. وكما قيل: (خذ من العلم ما ينفعك، ومن الناس ما يصلحك).
الغرب، على سبيل المثال، لجأ إلى التخصص الدقيق في ضروب العلم، حتى أصبحت المجالات واضحة ومحددة منذ المراحل الأولى.
*اللغة العربية كوعاء فكري*
اللغة العربية هي وعاء فكري للحضارة الإسلامية، وأساس التعبير العلمي والفكري. يجب أن تبدأ العملية التعليمية بترسيخ اللغة العربية لدى التلاميذ، مع حفظ القرآن الكريم والنطق الصحيح. اللغة الإنجليزية، بالمقابل، يمكن تدريسها بدءًا من الصف الرابع الابتدائي، مع التركيز على التدرج في تعليمها لتجنب إرهاق الطفل.
*تصحيح المفاهيم الخاطئة عن التعليم*
من المفاهيم الشائعة والخاطئة أن النجاح محصور في الطب والهندسة فقط، مما يحد من طموحات الطفل ويقلل من تنوع اهتماماته. يجب أن يربى الطفل على حب العلم كقيمة في حد ذاته، بعيدًا عن التخصص، لأن العالم المتمكن يظهر جماليات العلم وشرفه أيًا كان مجاله.
*الخاتمة*
كل ما قدمته هو محاولة لتسليط الضوء على قضية التعليم العام الحكومي في السودان، باعتبارها الركيزة الأساسية لبناء دولة قوية ومعافاة. إعادة بناء النظام التعليمي يتطلب تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع، ووضع رؤية واضحة لمستقبل التعليم.
أسأل الله أن يوفقنا جميعًا لإعمار السودان، وأن يكون التعليم حجر الأساس لهذا البناء.
الله المستعان.
والسلام على من اتبع الهدى