إعلان نيروبي من الإنقسام إلى تقرير المصير

🖋أبراهيم الطيب الجيلاني

 

وقع عبدالله حمدوك بصفته الشخصية على إعلان نيروبي مع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور في 18 / 5 / 2024م وأبرز ما نص عليه الاتفاق :

1/علمانية الدولة .

2/ بناء جيش جديد .

3/ حق تقرير المصير لشعوب السودان .

4/ إقرار مرحلة تأسيسية لبناء الدولة .

ثمة ملاحظات وقراءات جديرة بالوقوف عندها حول إعلان نيروبي لاستخلاص العبرة والفائدة والتبصير بالواقع والمآلات عسى أن ندرك بوعي كافي ما تحتاجه الساحة السياسية في الوقت الراهن من اتخاذ السبل والطرق الصحيحة والصائبة للحل السياسي الشامل الأمر الذي يخرج البلاد من أتون الحرب المستعرة.

أولاً: تم توقيع الاتفاق بين أطراف علمانية التوجه تعمل على استبعاد وإزالة أية مظهر للدين في الحياة السودانية العامة.

ثانياً: حسم الطرفان كل القضايا الخلافية دون استصحاب القوى السياسية المتفقة والمخالفة لتوجه الطرفين الموقعين على  (الإعلان) وهو ما يدعو لمزيد من الانقسام تجاه الخطوات ذات الطابع الانفرادي.

ثالثاً: يتجه الإعلان لفرض سياسة الأمر الواقع بإستباقه للمؤتمر التأسيسي ل(تقدم) مما يضع المؤتمر أمام خيارين: إما البصمة والتأييد والتصفيق داخل القاعة كما حدث ويحدث دائماً في مؤتمرات قحط وتقدم في نسخة مكررة من المشاغبة السياسية وفي هذه الحالة يصبح المؤتمر ذو ملامح صورية وديكورية دون ممارسة حقيقية للديمقراطية، أو تؤدي خطوة التوقيع لانقسام الجبهة الداخلية ل(تقدم) أو تحفظ بعض مكوناتها الأمر الذي يباعد المسافات بين مكوناتها وهذا السلوك الانفرادي في اتخاذ القرارات ظلت تشكو منه باستمرار بعض المكونات المؤثرة بتقدم وقحط سابقاً وقدمت في سبيل إصلاحه العديد من المذكرات والمخاطبات لمعالجة استحواذ قلة من التحالف على القرارات ما يعرض ساحة تقدم للتصدع والتآكل من الداخل وبدلاً من السير نحو التوسيع تتراجع الجبهة لمزيد من التقسيم.

رابعاً: القضايا مثار الإعلان من القضايا المصيرية المختلف عليها بالساحة السودانية وأدى هذا الاختلاف لانقسام الساحة مما أوصل البلاد لسلسلة من النزاعات المسلحة ذات الطبيعة الأيدولوجية والأثنية والحرب التي تعيشها البلاد الآن واحدة من نتائج تلك الاختلافات التي تحتاج لرؤية كلية ونظرة شاملة للحل وهو ما يفقده الإعلان الموقع بين حمدوك وحركة تحرير السودان.

خامساً: ينظر لإعلان نيروبي على أنه موجه للخصوم أكثر من كونه خطوة من خطوات الحل السياسي الشامل مما يفقده التأثير والفاعلية المستقبلية إذ ينظر إليه أنه اتفاق بين متفقين ذوو توجه يساري وعلماني ليس إلا، (وقد وقع حمدوك فعلاً إبان رئاسته لمجلس الوزراء مثل هذه الاتفاق ).

سادساً:  تشهد الساحة السياسية إجماعاً شبه كامل حول جلوس جميع الأطراف السياسية في (مؤتمر دستوري أو مائدة مستديرة أو مؤتمر تأسيسي) أياً ما كان المسمى الذي يتفق عليه للجلوس ووصول لحل سياسي شامل لكل  القضايا المصيرية للدولة   دون شروط أو ضغوط مسبقة.. وهذا الإعلان بما احتواه من شروط يقطع الطريق على خطوات الإجماع والجلوس غير المشروط للأحزاب والكتل السياسية.

من واقع الملاحظات السابقة يمكننا أن نصل لبعض النتائج والاستنتاجات التي يمكننا إجمالها في:

1/ إن الموقع بصفة دستورية سابقة (حمدوك) ليس له صفة دستورية تخوله الاتفاق حول قضايا لها تأثير على الأمن القومي وبنية الدولة وكيانها ووحدتها خاصة إذا كان من وقع معه فصيل مسلح متمرد علي الدولة.

2/ مسار الإعلان في الحسم الثنائي المشروط بفرض خيار تقرير المصير دون اعتبار لرأي الشعب سلوك يدل على الوصاية التي جنح إليها الإعلان وهو تكرار لمشهد ( الاطاري والا الحرب ) وإعلان نيروبي ينحو إلى ذات المعنى ( تنفيذ ماجاء بالإعلان من علمانية وغيرها أو تقرير المصير ) يعني نفس الغناء بلحن آخر، وهو ما يضع الإعلان في دائرة التهديد المبطن لكل القوى السياسية والشعب السوداني بالقبول والإذعان لما جاء بالإعلان أو الذهاب لخيار تقرير المصير، وحقيقة هو حق من لا يملك الوطن (حمدوك) ليوقع مثل هذا الإعلان المجحف في حق الشعب السوداني لمن تعامل مع الامر بانتهازية لتحقيق مكسب سياسي مستفيداً من الواقع السياسي المأزوم.

3/ إن الاتفاقات والإعلانات ذات الطابع الثنائي تعقد المشهد السياسي ولا تسهم كثيراً في الحل خاصة إذا كان الغرض منها (تكبير حجم المتحالفين ليس أكثر) بل تجعل مستغلي الفرص والساعين لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة لاستغلال حالة الاستقطاب بالساحة السياسية، وهذا ما فعله إعلان نيروبي تعقيد المشهد وليس المساهمة في إنفراج المشهد السوداني، وهو سلوك يجب إدانته مهما كانت الجهة التي صدر منها أو يصدر منها مستقبلاً من اليمين أو الوسط أو اليسار.

4/ استجاب الإعلان في حقيقة الأمر لكل مطالب حركة تحرير السودان بكل سهولة ويسر خلال يومين فقط دون أي إشارات يمكن قراءتها في الإعلان تدل على تقديم الحركة لتنازلات تستدعي التوقيع على هذا الاتفاق، مع العلم أن برنامج حركة التحرير في حد ذاته مختلف عليه حتى داخل المجتمع الدارفوري وترفضه مكونات كبيرة أثنية وثقافية واجتماعية وسياسية ناهيك عن بقية الشعب السوداني الذي له موقف معارض لتوجهات الحركة الأيديولوجية وخطابها السياسي، الأمر الذي يجعل ما أقره الإعلان في مرمى نيران الانتقاد والرفض الدارفوري والشعبي.

على السياسيين التحلي بالوعي الكافي لأبعاد الصراعات المسلحة بالبلاد وخاصة دارفور حتى لا تصب مثل هذه الاتفاقات في تأزيم ماهو مأزوم أو تعميق الفجوة بين الأزمة والحل.

5/ الإدراك السياسي بأن الحل يكمن في جلوس جميع ممثلي المكونات السياسية خاصة تلك المختلفة والمتعارضة الرؤى والتصورات، وليس في جلوس الأطراف ذات الرؤية المشتركة أو المتوافقة وهو ما يتطلب قدراً من الإنفتاح تجاه الآخر وسعة الصدر لإدارة حوار شامل لحل الأزمة السودانية هذا أو تصبح كل هذه المجهودات كالحرث في البحر أو الكتابة في الهواء لا طائل منها ولا نتيجة من ورائها.

خلاصة الأمر في شأن الإعلانات والاتفاقات الثنائية بين الكيانات السياسية والمليشيات المسلحة أنها حالة سودانية بامتياز لها عواقب وخيمة على العمل السياسي ما زالت البلاد تعاني من هذا السلوك الذي أضر كثيراً بالشعب السوداني ويحتاج هذا السلوك لتسليط الضوء عليه وإدانته ومحاربته وتعرية وفضح ممارسيه من أجل تعافي وصحة العمل السياسي بالبلاد ومن آثار هذه الممارسة كونها :

🔹مضرة بالوضع السياسي وتزيد تعقيد وتأزيم المشهد أكثر من كونها مساهمة في الحل السياسي

🔹ومثل هذا النوع من السلوك السياسي قد يستغل من أطراف داخلية وخارجية من مصلحتها عدم استقرار الأوضاع السياسية بالبلاد

🔹وهذا السلوك بعيد عن الممارسة السياسية الرشيدة التي تقود لحكم رشيد .

🔹يجعل من العمل المسلح ورقة ضغط في العمل السياسي بتوظيف سياسي مدمر للحياة السياسية

🔹نجد أن استفادة الحركات المسلحة من هذا السلوك أكثر من الأحزاب والكتل السياسية وإن تطابقا في المنطلقات والرؤية السياسية

يعد إعلان نيروبي سابقة خطيرة بالاعتراف بحق تقرير المصير لشعوب السودان ومن ضمنها دارفور، هذا الإعلان يجب أن يسمى إعلان الكوارث الذي جاء لمعالجة الأزمات التراكمية إذا به يزيد الأزمات كارثة جديدة ما يعد بمثابة صب زيت الانقسامات علي نار الصراعات، ومازالت ساقية الأخطاء الكارثية مستمرة في فلك السياسة السودانية، ومن هذا المنطلق يمكننا القول كسبت حركة مسلحة وخسر السودان ليس عبر فوهة البندقية ولكن بأيدي سياسية.

 

Exit mobile version