تقارير

أم روابة.. الحرب تحول المزارعين إلى نازحين محاصرين

الأحداث – وكالات

لم يعد مستودع الحبوب والغذاء ينتظر حصاد الذرة والفول السوداني والعدسية بفناء منزل عائلة مودة في مدينة أم روابة، الواقعة تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع بولاية شمال كردفان.

المستودع الذي شيده والد مودة منذ سنوات خُصص لتخزين الغذاء والحبوب المنتجة من مشروعه الزراعي، لم يكن يومًا تتسع مساحته أمام وفرة شحنات الفول السوداني والمحاصيل الزراعية بما في ذلك “الكركديه”، المُنتج السوداني المطلوب عالميًا.

هذا الموسم الصيفي، ومع هطول الأمطار بغزارة، لم يذهب والد مودة إلى الزراعة، وفق ما تقول السيدة التي ترعى ثلاثة أطفال وتقيم مع والدها فارةً من الحرب التي حاصرت منزلها بالخرطوم بحري قرب مقر عسكري حصلت عليه قوات دقلو من الجيش قبل الحرب بسنوات.

تفاؤل مفرط
نهاية شهر أبريل 2023، ومع اعتقاد الناس، خاصة سكان العاصمة الخرطوم، أن الحرب ستنتهي في أسابيع، ذهب بعض المواطنين إلى حالة من التفاؤل المفرط متوقعين انتهاء القتال صبيحة اليوم الثاني من بدايته. كانت مودة تعبر جسر الحلفايا بسيارتها إلى أم درمان واضعة الأطفال الثلاثة في المقعد الخلفي للعربة.

لم تفضل المكوث في أم درمان طويلًا خاصة مع شعورها أن الحرب لن تتوقف قريبًا. وصلت إلى مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان على بعد حوالي (500) كيلومتر غربي العاصمة، وجدت نفسها محاطة بالمجتمع والمعارف والأقرباء. ظلت هناك لشهور قبل سقوط المدينة في يد المليشيا التي الحقت ضررا هائلا بالمدنيين وحولت حياتهم إلى سلسلة من المعاناة.

من بين الأضرار الأكثر تأثيرا على المواطنين في أم روابة، عدم تمكن المزارعين من الذهاب إلى الحقول في تلك المناطق الزراعية التي تمتد بين أم روابة وحتى تخوم العباسية تقلي، حيث اعتاد المزارعون في فصل الخريف وخلال الصيف تحويل المساحات الشاسعة إلى أراض خضراء.

انتظار الإغاثة
تقول مودة بحسب”الترا سودان” إن مستودع تخزين المحاصيل الزراعية في منزل والدها بمثابة حياة كاملة. يعني وفرة المنتجات المحلية ويعني الحصول على الطعام منه على مدار الشهور حتى يحين موعد الموسم الجديد.

باع والدي المحاصيل ثم وضع النقود في يد شقيقي كي يتزوج. هكذا يفعل المجتمع هنا، يعتمدون على الزراعة في الاقتصاد. لا يمكن للأخير أن ينهض دون فلاحة الأرض. اليوم، بعد (16) شهرًا من الحرب وسيطرة الدعم السريع على أم روابة والقرى المحيطة، لا يمكن وضع البذور على الأرض، ما يعني أن نهاية العام سيجد الناس مستودعاتهم فارغة من الحبوب، وقد لا ينتظرون حتى ذلك الموعد مع مداهمات هذه القوات لبعض المنازل ونهب المحاصيل.

تضيف مودة: “الفول السوداني، والسمسم، والكركديه، والذرة، والعدسية، وحتى الصمغ العربي.. الناس في شمال كردفان لم يعانوا في أشد الفترات الاقتصادية تأزمًا على مستوى البلاد لأن حياتهم تفضل الإنتاج لا الاستهلاك، لكن الحرب في طريقها لتحويل هؤلاء المنتجين إلى متلقي إغاثات، وقد تستغرق هذه سنوات حتى يفر الجميع من هنا”.

لم يعد التعايش ممكناً
منذ سيطرة الدعم السريع على مدينة أم روابة، حاول المواطنون استئناف حياتهم، لكن هناك صعوبات تواجههم، إذ لا يتمكن المزارعون من الذهاب إلى الحقول. كما أن القوات نشرت نقاطًا عسكرية تُجري التحريات مع المدنيين على مدار الوقت، لذلك تقلصت دائرة حركتهم. كما توقفت المحطة التي تغذي المدينة بالكهرباء قبل أن تعود إلى الخدمة نتيجة تحركات الأهالي والغرفة الطوعية مع الشركة الحكومية بإصلاح العطل الذي نتج عن حريق هائل مجهول المصدر.

عودة الكهرباء إلى مدينة أم روابة مؤشر إيجابي كما يقول المواطنون، وتساعد في الاستقرار خاصة مع استمرار شبكة الاتصالات العامة بشكل محدود. ومع ذلك، فإن الأسواق قد تشكل خطرًا على المدنيين بسبب انتشار مليشيا الدعم السريع.

لم تتمكن قوات الدعم السريع من إدارة المدينة مع انتشار قواتها والوصول إلى مرحلة خطف بعض الأطفال من منازلهم وطلب فدية مالية. بينما وقعت مواجهات عسكرية بين قوتين الشهر الماضي. يرجح المواطنون أن الانتهاكات دفعت بعض القوات إلى إطلاق النار على مجموعات مسلحة من نفس القوات، خاصة عندما تخرج الأمور عن السيطرة.

عسكرة المناطق المنتجة
تقع مدينة أم روابة على بعد أقل من (250) كيلومترًا جنوب مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان. اشتهرت بمعاصر زيوت الفول السوداني والسمسم كما اشتهرت بتوريد المحاصيل الزراعية إلى سوق المحاصيل في الأبيض.

لا يمكن أن تحجب نفسك من رؤية أرتال المسلحين اليافعين التابعين لقوات الدعم السريع في شوارع المدينة، ينتشرون في نقاط العبور العسكرية والأسواق. في بعض الأحيان يتلون القرارات عبر مكبرات الصوت في الأحياء والأسواق، مع عدم وجود وسائط إعلامية مثل الإذاعة والتلفاز والصحف أو شبكة الإنترنت المحدودة النطاق والاستخدامات.

تقول مودة: نحن ثلاث شقيقات، عندما وصلنا إلى أم روابة هربًا من معارك الخرطوم كنا نعتقد أن القتال سيكون محصورًا هناك ولن تنزلق منطقة نزوحنا إلى دائرة الصراع المسلح. لكن كنا نملك القليل من التفاؤل الذي تخلصت منه مؤخرًا كلما امتد القتال إلى منطقة، ولم أعد أشعر بالدهشة.

“ستكون غالبية المناطق في نطاق الحرب ما لم تتوقف عند هذا الحد”، تضيف مودة وتعبر عن أملها في مغادرة البلاد لتلحق بشقيقتها حتى تتمكن من اللحاق بالتعليم. أما عائلتها، فقد قررت النزوح مرة أخرى إلى ولاية جنوب كردفان لتفادي الجوع ومعاناة الحصار في أم روابة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى