أمين حسن عمر “الجزء الثاني”: إذا كانوا مسيطرين على الخرطوم، فلماذا لم يعلنوا حكومة؟!

الحرب الأهلية بين قبائل.. وما يحدث في السودان هو حرب سياسية

في البداية، يجب أن نحدد المراد بكلمة “السيطرة”، فمجرد دخول قوات في مدينة أهلية ليست فيها حاميات عسكرية لا يمكن أن يقال عن هذا إنها سيطرة، هل سيطرت قوات الدعم على الحاميات العسكرية، وتحولت إلى قوة حاكمة في هذا المنطقة؟ أو هي مجرد سيارات تأتي للنهب والسلب ثم تخرج؟

المواطنون هربوا، فهل ستحرس الدولة البيوت الفارغة بعد أن هجرها أهلها، لأنهم يتعرضون للنهب والسلب والقتل والاغتصاب؟ فهل الدولة تحكم البيوت الخالية؟

كما أن 80 إلى 90% من الحاميات العسكرية تحت سيطرة الجيش في كل مكان، باستثناء بعض المدن المحدودة الطرفية. ثم إنهم عندما دخلوا مدينة مدني دخلوا بخيانة من السلطة القائمة من قوات الجيش التي انسحبت من دون قتال، وهذا لا يجعلها سيطرة أبداً.

فالسيطرة عسكرياً معناها أن تسيطر على الحاميات، وأن تقيم ارتكازات تسيطر بها على الأوضاع، وتفرض سلطة في هذا المكان. وكل هذا غير متاح لهؤلاء الجنجويد لا في الخرطوم ولا في مدني ولا في أي مكان، فقط يحتلون بعض بيوت الناس كما حدث الآن في الخرطوم. ولكن أين السكان؟ أين الدولة؟ أين السلطة؟ كيف ستقيم السلطة على أشخاص غائبين من منازلهم؟

السيطرة العسكرية معروفة، والسيطرة السياسية شيء آخر، وهي أن يكون لديك وجود حاكم في المنطقة التي تسيطر عليها، فاستعمال كلمة “السيطرة” ليس دقيقاً، وإذا كانوا مسيطرين على الخرطوم، فلماذا لم يعلنوا حكومة تمارس السلطة، ويديرون كل الأعمال المدنية؟

وإذا كنت تريد أن تحكم الناس فهل من الممكن أن تدمر الجامعات، وتوقف الكهرباء والمياه؟ وكيف تنهب المناطق الصناعية؟ ولماذا تحرق؟ هل تحارب الدولة أم تحارب المواطنين ورجال الأعمال؟ أم تحارب الخدمات العامة من كهرباء ومياه؟ هذا كله نسمعه ونستغرب عندما يقال إن هذه المليشيا تسيطر على الخرطوم!، أي مفهوم للسيطرة هذا؟

 

هذه السردية أيضاً خاطئة تماماً، فالحرب الأهلية لا بد أن تكون حرباً بين قبائل أو عشائر أو مجموعات، حتى تسمى الحرب أهلية، أما ما يحدث في السودان الآن فهو حرب سياسية.

فإذا نظرنا إلى القبائل المختلفة تجد مجموعات منها في هذا المعسكر ومجموعات أخرى في المعسكر الآخر، وقد يكون لبعض القبائل ميل أكثر هنا أو هناك، والأهمية هنا ليست في عدد الناس، لأن أغلبية الناس ليسوا منخرطين في هذه الحرب، وهذا مما يجعلها حرباً سياسية، لأنها قامت لتمكين جهات سياسية عسكرية من السيطرة على المشهد لصالح الجهات التي تمول وتكفل هذا التغيير.

وفي ظروف الاضطرابات والفتن يمكن أن يظن الناس مثل هذا الظن، وقد يكون لذلك بعض الآثار الآنية التي لن تستمر طويلاً، لكن أنا لا أعتقد أن النسيج الاجتماعي سيتأثر بكل هذا، أو أن هناك أزمة في الأساس بين الأهالي في السودان.

هناك فرق بين الخطاب السياسي لدى بعض المثقفين والنخب الذين يستخدمون عبارات ذات مقاربات سياسية خطابية من أجل تعظيم مكاسبهم السياسية، وبين الواقع الموجود على الأرض.

الحرب الأهلية لا بد أن تكون بين قبائل أو عشائر أو مجموعات، أما ما يحدث في السودان الآن فهو حرب سياسية

أنا ليس عندي أي خوف لا من حرب أهلية ولا من تجاف قبلي. صحيح ستكون لهذه النكسة آثار اجتماعية، لكنها لبعض الوقت، ولن تكون ردة عن حالة الاجتماع لدى السودانيين الذين يميلون دائماً للتلاحم.

والآن التلاحم السوداني رسالة للعالم كله، فهل رأيت معسكراً للاجئين أو معسكر نازحين؟ الناس جميعهم ذهبوا إلى أهاليهم الذين كفلوهم، سواء كان ذلك داخل السودان أو خارجه، فالمغتربين، كل واحد في مكانه يكفل أهله وأحياناً يكفل أكثر من عائلة، وفي الداخل أصبح البيت الواحد يضم 5 أو 6 أسر تعيش في المكان نفسه الذي كانت تعيش فيه أسرة واحدة.

 

هذه هي مأساة الحرب، وإذا كنت تنتظر مني إجابة، فليست لدي إجابة، فالحرب يذهب ضحيتها دائما الضعفاء. ولكن إذا كان الحل أن تسمح بأن يسيطر أحد على بلدك وتجيّر مصالحه وموارده المالية للخارج وكذلك أراضيه الزراعية، فلن يقبل أحد هذا أبداً.

والآن ذهب الأمر إلى أبعد من استهداف المصالح العامة ومقدرات الدولة إلى استهداف المقدرات الشخصية للمواطنين، فالسيارات تُنهب وكذلك الأموال والذهب، ووصل الأمر إلى أن المرتزقة يأتون بسيارات ينهبون فيها الأثاث من البيوت.

كيف يُتوقع أن يقبل الناس بتسوية بعد هذا؟ سيقاتل الناس من أجل حقوقهم حتى ينالوها، أو حتى يؤمّنوا ما تبقى منها ليضمنوا أنهم سيعيشون حياة كريمة في بلادهم، لأنه لا أحد يستطيع أن يشعر بحياة كريمة خارج بلده.

أولاً، الدولة أنشأت مفوضية لهذا، وهناك كثير من المبادرات الأهلية التي أنشئت لمتابعة هذه الانتهاكات، أما كلام السياسيين والخارجيين وأصحاب المناظرات، فيقولون نتهم هذا وذاك من باب التسوية، وهذا ليس عليه دليل.

ثانياً، مشكلة المليشيا أنها توثق جرائمها بنفسها، وعلى مواقع التواصل ستجد كل ذلك، ولن تحتاج طرفاً خارجياً لكي يوثق هذا، أو يقول إنه حدث أو لا. وهؤلاء يفتخرون بأفعالهم، ويصورونها ويتحدثون عنها، ويقولون هذه حقوقنا.

ثالثاً، أغلب هؤلاء المرتزقة من خارج السودان، ولا يملكون حقوق مواطنة في السودان، وحميدتي نفسه وصفهم بأنهم “كسابة”، وهذه اللفظة السودانية تعني “مرتزق يقاتل من أجل الكسب الذي سيناله”.

وإذا كان هؤلاء متفلتين، فكم يكون عدد المتفلتين مئة، مئتين، 10 آلاف؟ فما بالك إن كان الجيش كله متفلتاً، من بينهم قادته!

 

الدولة الآن لديها جهود لوقف الحرب، لكنها ضعيفة بسبب ضعف الحكومة، لأن قادة الحكومة الضعيفة التي تسببت في كل هذا حتى الآن لم يُبدلوا في الأغلب، رغم أنه قد تحدث بعض التعديلات.

لكن لحسن الحظ أن هناك حكماً اتحادياً في السودان، وهناك صلاحيات للولايات، ولذلك ستجد أن بعض الولايات أفضل حالاً وأكثر تماسكاً، وعملية الإنتاج تمضي فيها كأنها في حالة طبيعية، وهناك بعض الولايات بسبب ضعف القيادة فيها وضعها أصعب.

وفي تقديري أن هذه الحكومة عاجزة، ولا يتحرك فيها أحد، وللأسف الذين يقودونها ليست لديهم الرغبة في تعديل هذا الأمر، نظراً للارتباط بالخارج، ومخافة أن يقال لهم ذهبتم بأشخاص وأتيتم بآخرين ربما لديهم توجهات سياسية مختلفة، فعدم إعطاء اعتبار لاحتياجات الناس الضرورية هو المشكلة الآن.

 

يجب أن يعود الناس لبيوتهم وأوضاعهم الطبيعية، هذا أولاً، ولن يحدث هذا إلا بخروج هؤلاء المرتزقة، ولو بالقوة، وأن تكون للناس حياة طبيعية، وأي اتفاق يتم التوصل إليه سيكون نظرياً فقط وليست لديه قيمة.

والمعضلة الآن أن هؤلاء أُطلقوا من قماقمهم، فمن يستطيع إخراجهم؟ حميدتي نفسه ليست لديه سلطة قوية على هؤلاء حتى يخرجهم من القرى التي ينهبونها، فكيف يمكن أن يحدث هذا؟ لن يتم ذلك إلا عبر القوة، فما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ولأنه لا يوجد خيار ثان.

والحشد الأساسي الآن هو الناس أنفسهم الذين شعروا بالخطر على أنفسهم وممتلكاتهم، وسلاح الاستنفار والاحتشاد الضخم هو الذي سيحسم المعركة، على الأقل على مستوى إخراج هؤلاء من بيوتنا وبلداتنا، وبعد ذلك تتحول المشكلة مع الحكومة إلى قضية سياسية كما كانت لدينا قضايا سياسية في الماضي.

نحن بقينا في الدوحة نحاور المتمردين 10 سنين، وعملنا اتفاقيات ووقعناها ونفذنا كثيراً منها، ولم يكن هناك أحد يدخل بيوت الناس، وينهبها وينتهك أعراضهم، فمثل هذه الأفعال غير قابلة للتفاوض، لأن التفاوض يكون على القضايا السياسية، وليس على حقوقك وأملاكك وعرضك وشرفك.

لا شك عندي في أن الشعب السوداني سينتصر، والآن الغرب نفسه متوجس جدا من هذا الاستنفار الضخم الذي يحدث، لأن الناس إذا نجحوا في الحصول على السلاح وطردوا هؤلاء، فإن السودان سيتغير إلى الأبد.

Exit mobile version