فيما أرى
عادل الباز
1
خلال أسبوع واحد قرأت عشرات التصريحات في صحف ومواقع مختلفة للسيد المبعوث الأمريكي للسودان توم بيرلو، وتابعت ثلاثة حوارات (سعد الكابلي حواريين)، وحوار أخير معه التقى فيه بمجموعة من الصحفيين. في كل هذه الحوارات ليس هنالك جديد، إذ يردد السيد المبعوث ذات الترهات التي يطلقها على مسامعنا في كل مرة. حتى بدا لي أن هذا الرجل بُعث أساساً ليملأ فضاءات الأسافير بإطلاق دخان كثيف لحجب الرؤية عن الدور الأمريكي الحقيقي الذي تقوم به الإدارة الأمريكية عبر ما يعرف بالتحالف الدولي من أجل السلام وإنقاذ الأرواح في السودان»، ويضم كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. تصوروا تحالف يضم الإمارات ويرفع إنقاذ شعار الأرواح، تلك الأرواح التي تهدر يومياً بأسلحة الإمارات وأمريكا!!. يا لكم من عابثين.
2
استوقفني في اللقاء الأخير للمبعوث سؤال تعجبت من إجابته عليه، السؤال طرحه موقع بلومبرج الاقتصادي المتخصص (كيف يسعى المجتمع الدولي إلى فتح ممرات داخل السودان بدون أن يسعى إلى تسليم المساعدات إلى ملايين اللاجئين السودانيين خارج السودان والذين يعيشون أيضاً في معاناة؟) وهو سؤال ذكي إذ تركزت كل مقولات أمريكا وحلفائها أن السودان يمنع الإغاثة عن المواطنين وانطلت تلك الأكذوبة على كثيرين بسبب تكرارها الممل في الميديا المعادية، سؤال صحفي بلومبرج الذكى السيد محمد الأمين بمعنى آخر… هناك 2100000 (اثنين مليون ومائة ألف لاجئ) بحسب آخر تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في دول الجوار يحتاجون للإغاثة فما الذي يمنعكم من إيصال الإغاثة لهم إن كنتم تدعون أن الحكومة تمنع وصول الإغاثة؟، هل تتحكم الحكومة السودانية أو الجيش في معسكرات اللاجئين داخل تلك الدول؟ بالطبع لا. إذن لماذا لم تصلهم إغاثة؟ .
3
أنظر ماذا كان رد السيد المبعوث على سؤال بلومبرج (لا شك في أنه ثمة أعداد كبيرة من اللاجئين في المخيمات والمناطق الحضرية في كل من إثيوبيا ومصر وتشاد وأوغندا وكينيا والعديد من الدول الأخرى، وقد عملنا على دعم هذه التجمعات مالياً وعملنا كشركاء لوجستية أيضاً. نحن سنواصل جهود دعم اللاجئين خارج السودان)!!.
هل هذه إجابة فعلاً للسؤال؟ عملنا على دعم!! على شنو؟.. على دعم شنو؟.. وبكم دعمت حتى الآن؟ الصحيح أنك لم تدعم أصلاً رغم أنه ليس هنالك عوائق تمنعك عن الدعم رغم أن اللاجئين في كل المناطق التي ذكرت بالخارج، أكثر من 2,165,833 لاجئ بحسب تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى تاريخ 26 أغسطس الحالي بحاجة لدعم.!! لم يصلهم أي دعم (قال المبعوث نعمل). لو صدقنا أن السيد المبعوث لايزال “يعمل على”… لماذا تُتهم الحكومة بمنع ماهو أصلاً لم يُعمل .. ما في غير موجود.؟!!.
4
الأدهى أن 17 منظمة طوعية دولية تعمل في مجال إغاثة اللاجئين على الحدود داخل تشاد أصدرت بياناً قبل شهرين أكدت فيه أن الذي وصل فعلاً لها من التمويل الموعود 17% فقط.!! ولذا فإن الضجة التي يثيرها هذا المبعوث حول الإغاثة والمجاعة واللاجئين مشكوك في أهدافها فكيف تعجز عن إغاثة ملايين موجودين بالخارج وتصر على فتح معبر معين (أدري) لإغاثة النازحين بالداخل، إن في الأمر عجب!!.
5
تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في آخر تقرير لها في أغسطس الجاري أن 24800000 (أربعة وعشرون مليون وثمانمائة ألف لاجئ) بحاجة للمساعدة، ولكن المستهدفين بالمساعدة 14700000 (أربعة عشر مليون وسبعمائة مائة ألف) وتقول إن 7900000 (سبعة ملايين وتسعمائة ألف ) نازح بالداخل ولإغاثة كل هذا الشرائح اللاجئة والنازحة هي بحاجة إلى 2700000 (اثنين مليار وسبعمائة ألف دولار) حصلوا منها خلال كل عام 2024 على 1100000 (واحد مليار ومائة ألف دولار) وهي نسبة تساوي 40% فقط من جملة المبالغ المطلوبة لتغطية الاحتياجات العاجلة للإغاثة.!!.
5
يتضح من ذلك أن موضوع الإغاثة والمجاعة هما قميص عثمان، وإن كانت الحاجة للإغاثة غير منكورة ووجود مجاعة سببتها المليشيا في بعض المناطق معلوم ولا تتعلق القضية بفتح معبر وحيد متى ما تم فتحه انتهت المجاعة وحلت معضلة الإغاثة، ولأن اللاجئين الموجودين بالخارج لم تحل مشكلتهم لأنه لا يوجد تمويل كافي لعمليات الإغاثة، ودعم اللاجئين والنازحين بحسب تقرير المفوضية أعلاه. ولهذه الأسباب التي لا يستطيع المبعوث توم بيرلو الإفصاح عنها لأنها تكشف أجندته، وتكشف أن “طق الكواريك” حول المعابر والإغاثة ما هو إلا خداع إعلامي الهدف منه التعمية عن الهدف الحقيقي، وهو مد المليشيا بأسباب الحياة وليس الهدف اللاجئين أو النازحين الذين لم يحصلوا على شيء حتى الآن، وحتى الإغاثة التي دخلت الآن عبر معبر (أدري) بدأت المليشيا في نهبها منذ أمس الأول، حيث أصدرت منظمة أطباء بلا حدود بياناً أعلنت فيه أن شاحنتين متجهتين للفاشر تم اختطافهما من قبل الدعم السريع.!! الغريب أن السيد المبعوث الثرثار لم يصدر تصريحاً حتى الآن، ولا المفوضية بإدانة المليشيا التي اختطفت إغاثة أطباء بلا حدود، منتهكة التزاماتها في جنيف التي لم يجف حبرها حتى الآن..!!. السيد بيرلو توقف عن الثرثرة والتصريحات الفارغة وتفرغ في آخر أيامك هذه لوداع أصدقائك وزملائك الذين حشدتهم في كل المؤتمرات ولم يغنوا عنك شيئاً فخرجت صفر اليدين بلا إنجاز، إصمت وغادر أرضنا وسمائنا بأعجل ما تيسر لك… لا شكر الله سعيكم !!.