رأي

أفريقيا التي نريد

علي عسكوري

من بين كل الأخبار المحبطة من حول العالم، جاء خبر توحد النيجر ومالي وبوركينا فاسو في فيدرالية بجيش واحد وحدود واحدة لينزل برداً وسلاماً علينا ويفتح كوة في الظلام الدامس الذي يحيط بالقارة رغم دعاوى الديمقراطية وما إلى ذلك من عمليات (غربنة) أفريقيا باسم الحرية واحترام حقوق الانسان، وكأن الغرب يحترم حقوق الانسان!
إن كسر القوالب والحدود السياسية التى وضعها الاستعمار هو المدخل الصحيح لتحرر أفريقيا من ربقة التبعية للغرب، فالتمسك بالحدود التي وضعها الأوروبيون المستعمرون انما هو في جوهره تكريس قاتل للاستعمار ودليل على استسلام النخب الأفريقية لتقسيمات المستعمر والعمل على ديمومتها.
كان الخطأ القاتل الذي وقع فيه قادة التحرر في أول اجتماع دعا له الامبراطور هيلاسلاسي – والذي انشئت على ضوئه منظمة الوحدة الأفريقية – هو تمسك أولئك القادة بالحدود السياسية التى اختطها الأوروبيون حسب مناطق نفوذهم دون اى اعتبار للواقع المجتمعي وللتداخل بين المجتمعات. كان للامبراطور تأثير كبير على ذلك القرار اذ انه كان يخطط للتمسك بأريتريا كجزء من اثيوبيا وكمنفذ بحرى استراتيجي لها. من بين الرؤساء الذين حضروا ذلك الاجتماع الخطير، عبد الناصر ونكروما وغيرهم (اكتب من الذاكرة) وكان أغلبهم من دول غرب أفريقيا اذ كان عدد من دول شرق افريقيا ما يزال تحت الاستعمار.
لقد كان تبرير الاجتماع لذلك القرار الكارثي هو انه في حالة تغيير الحدود التى وضعها الاوروبيون ستحدث فوضى وصراعات لا حدود لها. وهكذا اختاروا تكريس الاستعمار بدلا من انهاء تقسيمه بآليات يمكن الاتفاق عليها وتنفيذها بصورة متدرجة تراعي قيم التعايش، والانسجام المجتمعي.
ستربك هذه الفيدرالية الوليدة الكثير من حسابات الامبريالية، بل ستربك حتى دول غرب افريقيا التى استسلم الكثير منها للقوالب الغربية و (نام في العسل). ايضا ستعيد هذه الخطوة الجريئة وتحيي اشوق الافارقة (Pan- Africanists) بأن حلم الوحدة الافريقية ممكن، وان العمل من اجل الوحدة لم ولن يتوقف ولا تزال دول الساحل الفقيرة تحرج الدول النافذة في القارة والتى تخلت عن حلم الوحدة.
يلاحظ أن لهذه الدول الثلاثة موقف واضح من الاتحاد الافريقي بعد ان تخلى عن أهدافه واصبح مؤسسة يتحدث الجميع عن فساد قياداتها الذى سارت به الركبان، وموقفه من المليشيا التى تقتل السودانيين وحده كاف للتديل على فساد قياداته.
تضع هذه الفيدرالية ضغوطا ضخمة على دولة تشاد وتكشف عزلتها عن محيطها، فمن الشرق علاقاتها سيئة مع السودان لتورطها في دعم المليشيا ومن الغرب تقف دول هذه الفدرالية ضد فرنسا التى تستميت في التمسك بمستعمرتها السابقة وتستخدمها كنقطة انطلاق لتنفيذ اجندتها الاستعمارية في القارة. هذا الوضع سيضع تشاد في كماشة صعبة وسيزداد اعتمادها على فرنسا بعد ان توقف الامارات دعمها لها بعد هزيمة المليشيا في السودان وهو امر اصبحت بشاراته تلوح في الافق.
لكل ذلك ارجح حدوث تغيير في تشاد متى من انتهت الحرب في السودان.
لا يزال الوقت مبكرا لتقديم قراءة او تحليل شامل لتبعات هذه الخطوة الاستراتيجية على غرب افريقيا وعلى سياسات الدول الكبري التى تسعي لتوسيع نفوذها في القارة، لكن من المؤكد انها ستربك الكثير من الحسابات السياسية، وستضع الاتحاد الافريقي في موقف حرج بالنظر لنفوذ فرنسا على الاتحاد من خلال مفوضه ومن خلال ما تصرفه من اموال على قياداته. لا علم لى ان كان الاتحاد الافريقي قد رحب بهذه الخطوة ام لا، والواجب يقتضي عليه الترحيب بها لانها تمثل جوهر اهدافه.
الامل معقود ان تلهم هذه الخطوة الجريئة الدول الاخري للتوحد والخروج من قيود الاوروبيون. فدول مثل السودان ومصر وجنوب السودان وارتيريا بوسعها العمل في ذات الاتجاه وتخطى حواجز الدولة القومية التى صنعها المستعمر.
قناعتي أن أفريقيا لن تخرج من ربقة التخلف وقيود التبعية إن لم تتخلص من الحدود التى رسمها الأوروبيون. هذا عمل استراتيجي شاق يحتاج للكثير من الجرأة والمبادرة.
بالطبع لن يمتد بنا العمر لنحضر توحد أفريقيا، ولكن لا يخامرني أدنى شك أن الحدود التي صنعها الأوروبيون ستسقط وأن أفريقيا ستتوحد، وستلد هذه القارة قيادات قادرة على تغيير السجن البائس الذي وضعها فيه المستعمرون… سيحدث هذا وإن كره المستعمرون..! المستقبل لأفريقيا والنضال من أجل الوحدة والحرية مستمر.
التحية العطرة لهؤلاء القادة الشباب الذين كسروا حاجز الخوف وفتحوا لكل أفريقيا كوة للأمل والتفاؤل.

هذه الأرض لنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى