أزهري محمد علي.. غياب المروءة وفقدان الاتساق

يوسف عمارة أبوسن

 

بالأمس هاجم الجنجويد قرية حليوة جنوب الجزيرة وهي مسقط رأس الشاعر الكبير محمد طه القدال صاحب المقولة الخالدة (عشان عيون أطفالنا ما تضوق الهزيمة) وهو صديق الشاعر أزهري محمد علي، الذي ظهر شريكاً ومشاركاً في مؤتمر (أم قرون) الموؤد بأديس أبابا.

أسفر هجوم كتائب الجنجويد على قرية حليوة استشهاد الشهيد (الطفل) عبدالله حافظ إبن السيدة مها الجابري والذي فتحت عليه كتائب الجنجويد النيران مع عدد من شباب قرية حليوة مساء أمس، ومع هذه الحادثة يلزمنا أن نُذِكّر (أزهرينا) بمطلع قصيدته التي قالها في رثاء صديقه إبن قرية حليوة الشاعر الراحل محمد طه القدال:

حليل بحر التساب الما بيخنقو الشاطي

رافع راسنا فوق لا بنكسر لا بطاطي

فوق القيف بشق ما بنسرق بالواطي

تامن عشرتو وتاباه إن مرقتلو خاطي

***

وقد انكسر أزهري وهو يطأطي _ رغم الشموخ المصطنع_ أمام محلسة الجنجويد ومالهم المعطون بدم الشعب السوداني، انكسر (أزهرينا) وسقط في بئر خيانة دماء الشعب السوداني الذي لا زال يرزح تحت ظلم كتائب الجنجويد وعسف آلة قتلها المسعورة، انكسر أزهري وبان عوار شعره المنافق والممالئ لأصحاب الجزلان الكبير والبندقية العمياء.

إننا نشعر بالأسى على انكسار أزهري حين نتذكر شعره الحار والجارف (الكذوب) وهو يلقي قصيدة خريف الدم في ميدان القيادة العامة:

العمر البروح إيدية

هدر في مسخرة دعامة

ما بناخد فداهو الدية

ما بنقبل قصادو غرامة

نحنا على الفداء اتواعدنا

واتعاهدنا حب وكرامة

زي سرب القماري صعدنا

في لحظة وقوع الطامة

ومن شعر أزهري يأتيه الحساب:

يوم جرد الحساب بالورقة

حاسب نفسك اللوامة

حاسب والمتاريس درقة

والشجر البيمشي يمامة

بينك والمشارع فرقة

والبحر الكبير دوامة

وتأتي أزهري ذكرى الكلمة المؤرقة للحلفاء الجدد والتي تحولت الآن وبفعل ما جرى تحت الجسر من مياه آسنة ل(كلام جوامع) :

يَا خريف الدم سلامات

نحنا بي موتنا بنزيد

والبموت شان وطنو ما مات

بتولد من أول جديد

يحيا الكفاح وينبغي

وتسقط كتائب الجنجويد

 

وموقف أزهري الجديد ليس جديداً ولا مستبدعاً فأعذب شعر أزهري أكذبه كما شعر غيره، وأجمل ما في المواقف أنها خاضعة لامتحان الزمن لها ولمتخذيها، ومن كان موقفه أصيلاً ومبدئياً من الاستبداد والقتل لا يهتم بهوية المستبد ولا القاتل، ولا يُخضع مواقفه لتغيُّر أمزجة المشغلين والكفلاء.

وغير خفي على أحد أن أزهري بما فيه من استقامة اليسار المدعاة ونبل الشعراء المصطنع، لن يجرؤ على أن يذكر شيئاً مما ذكرته كل وكالات الدنيا ومراصد الشرق والغرب عن انتهاكات كتائب الجنجويد في الجزيرة ودارفور والخرطوم، فهو إن فعل ذلك سيخسر (رأسماله الرمزي) أمام جمهوره المنتقى، وسيخسر الصورة التي طُلب منه أن يكونها، صورة الأيقونة التي صنعها الفراغ وغياب الأنداد، وفوق ذلك سيخسر صداقة الأمير (عادل دقلو) الثمينة جداً والأثيرة لدى كل دَعيٍ ضال.

ومن جوامع الوصف ما قاله الإعلامي الكبير فوزي بشرى:

(إن وجود أزهري هناك كان يمثل كل شعره ومواقفه حتى لو لم ينشد بيتاً واحداً، فما كان معروضاً للفرجة هناك هي رمزية أزهري، و(جمال) أزهري لجعل السقوط في الوحل أمرا عادياً.. لم نكن وحدنا، أزهري كان معنا)..

ومن الضروري أن نُذَكّر بأن اليسار الجزافي أعتاد توظيف الكلمة شعراً وغناء في التعبير عن المواقف السياسية، وكذلك لاختراق المزاج العام بالفعل الثقافي المقاوم، كما درج اليسار السوداني (الأشتر) على حيازة كل منتوج أدبي يقف في وجه الوضع السياسي الذي يعارضه، لكن ذات اليسار لا يتورع عن إسكات كل صوت مخالف عندما يمتلك السلطة (على حين غرة) حتى وإن كانت تلك السلطة مسروقة ومسنودة بعصا اليانكي الإمبريالي وجزرته.

 

يوسف عمارة أبوسن

29 مايو 2024

Exit mobile version