يتحدث عن عودة أكثر من مليوني نازح داخلي وخارجي: قراءة في تقرير المنظمة الدولية للهجرة الصادر 15 أغسطس 2025م (2/1)

د. أحمد عبد الباقي
تصدر المنظمة الدولية للهجرة تقارير راتبة عن مناطق النزاع في العالم بما في ذلك السودان ولها تقارير منتظمة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023م، وآخر تقرير لها عن عودة جزء من النازحين داخلياً، وأولئك الذين عبروا إلى دول الجوار صدر في 15 سبتمبر 2025م، وغطى التقرير الفترة من نوفمبر 2024م إلى 16 أغسطس 2025م.
زفَّ التقرير بشريات عودة أكثر من مليوني نازح داخلي وخارجي، وأبان أن أهم أسباب العودة تعود إلى تحسن الأوضاع الأمنية بنسبة 97% كما عاد 88% من النازحين إلى مواطن مساكنهم الأصلية قبل الحرب، وانخفضت نسبة النزوح بنسبة 15% وازدادت نسبة العودة بنسبة 12% في شهر أغسطس 2025م مقارنة بشهر يوليو للعام نفسه.
تستعرض هذه المساهمة الوصف القانوني للنازحين داخلياً وحقوقهم وبالتركيز على أهم ما جاء في عودة النازحين داخليا أو خارجيا إلى دول الجوار وتوقعات ازدياد معدلات العودة وتسليط الضوء على العودة إلى العاصمة الخرطوم وولايات ودارفور باعتبارها من المناطق التي يُسلط عليها الإعلام داخليا وخارجيا سواء أكان بسبب العمليات العسكرية في دارفور أو النشر السالب خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي عن تضخيم تفشي الأمراض وسوء الأوضاع بصورة غير دقيقة في ولاية الخرطوم.
ما هو الفرق بين النازحين داخليًا واللاجئين؟
تُعرِّف الأمم المتحدة النازحين داخليًا بأنهم “الأشخاص أو جماعات الأشخاص الذين أُكرهوا على الهرب أو ترك منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة، أو اضطروا إلى ذلك، ولا سيما نتيجة أو سعيًا لتفادي آثار نزاع مسلح أو حالات عنف عام أو انتهاكات حقوق الإنسان أو كوارث طبيعية أو كوارث من فعل البشر، ولم يعبروا الحدود الدولية المعترف بها للدولة.”
وبما أن الغالبية العظمى من النازحين داخليًا هم من النساء والأطفال المعرضين أكثر من غيرهم لخطر انتهاك حقوقهم الأساسية. وفي الكثير من الأحيان، يميل النازحون داخليًا إلى البقاء بالقرب من مناطق النزاع، أو يبقون عالقين فيها، فيقعون في مرمى النيران، ويتعرّضون لخطر استخدامهم كرهائن أو أهداف أو دروع بشرية من جانب الجهات المتحاربة.
وتعرّف اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئ “اللاجئ” بأنّه كلّ من وجد “بسبب خوف له ما يبرره من التعرّض للاضطهاد؛ بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة بسبب آرائه السياسية، خارج البلاد التي يحمل جنسيتها، ولا يستطيع أو لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب هذا الخوف، أو كلّ من لا جنسية له وهو خارج بلد إقامته السابقة، ولا يستطيع أو لا يرغب في العودة إلى ذلك البلد بسبب ذلك الخوف.” وقد وسعت المواثيق الدولية اللاحقة (على غرار إعلان قرطاجة بشأن اللاجئين واتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية التي تحكم المظاهر الخاصة بمشكلات اللاجئين في أفريقيا) هذا التعريف في بعض الدول ليشمل الأشخاص الهاربين من الآثار العامة لنزاع مسلح و/أو كوارث طبيعية.
ويبقى عبور الحدود الدولية من المتطلبات الأساسية لاعتبار شخص ما “لاجئًا”. وبالتالي، فإن الأشخاص النازحين قسرًا من منازلهم الذين لا يستطيعون عبور الحدود، أو يختارون عدم عبورها لا يُعتبرون لاجئين، حتى ولو كانوا يشاركون مَن يعبر الحدود الظروف والتحديات نفسها. وعلى عكس اللاجئين، لا يتمتع النازحون داخليًا بوضع خاص بموجب القانون الدولي ولا بحقوق خاصة بوضعهم. ويبقى مصطلح “النازحين داخليًا” مجرد وصف لحالتهم.
الحقوق التي يتمتّع بها النازحون داخليًا
تشير المبادئ التوجيهية إلى أن التشريد التعسفي محظور من أساسه (المبادئ من 5 إلى 7). وعلى الرغم من التشرّد، يحتفظ المشرّدون بمجموعة واسعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، بما فيها الحق في المساعدة الإنسانية الأساسية (مثل الغذاء والدواء والمأوى)، والحق في الحماية من العنف الجسدي، والحق في التعليم وحرية التنقل والإقامة، وبالحقوق السياسية الأخرى مثل الحق في المشاركة في الشؤون العامة والحق في المشاركة في الأنشطة الاقتصادية (المبادئ من 10 إلى 23). كما يتمتّع المشرّدون بالحقّ في الحصول على مساعدة من السلطات المختصّة من أجل العودة الطوعية والآمنة والكريمة، أو التوطين والاندماج المحلي، بما في ذلك المساعدة على استعادة الأموال والممتلكات المفقودة. وعندما لا يكون الرد ممكنًا، تدعو المبادئ التوجيهية إلى تقديم تعويض مناسب أو توفير جبر عادل للضرر (المبادئ من 28 إلى 30).
مسؤولية حماية النازحين داخليًا ومساعدتهم؟
تتحمل حكومات الدول التي تضمّ أشخاصًا نازحين داخليًا المسؤولية الأساسية عن مساعدتهم وحمايتهم، وذلك كعنصر حاسم في سيادة الدولة. أمّا دور المجتمع الدولي فهو مكمل لدور الدولة. وعلى الصعيد الدولي لم يتم تحديد أي وكالة أو منظمة كي تؤدّي دورًا رائدًا عالميًا في حماية النازحين داخليًا ومساعدتهم. إلاّ أنّ الجميع مدعو إلى التعاون بهدف المساهمة في تلبية هذه الاحتياجات على أساس “نهج تعاوني”.
بشريات العودة
رصد التقرير العودة الطوعية للفترة من تاريخ 11 نوفمبر 2024م إلى 26 أغسطس 2025م وأبان بأن عدد الذين رجعوا من داخل ولايات السودان ودول الجوار بلغ 2,249,163 شخصا (من بينهم 447,548 أسرة)، بلغ الراجعون منهم من داخل ولايات السودان 79% (1,767,825 شخصا) والذين من دول الجوار 21% (481,338 شخصا)،
ويضيف التقرير: رجع العائدون إلى 1,845 موقعا و44 محلية و7 ولايات من ولايات السودان (88% منهم رجعوا إلى أماكن سكنهم السابق قبل الحرب إما في مساكنهم، أو إلى مواطنهم الأصلية في الولايات، ولكنها ليست أماكن بعينها. وتأسيسا على ذلك، فإن نسبة النزوح انخفضت بنسبة 15% وازدادت نسبة الرجوع بنسبة 12% خلال شهر أغسطس 2025م مقارنة بشهر يوليو للعام نفسه، أما الولايات التي عاد إليها النازحون تشمل: الجزيرة (43%)، الخرطوم (36%)، سنار (8%) النيل الأزرق (7%)، النيل الأبيض (4%)، نهر النيل (2%) غرب دارفور (أقل من 1%).
يتواصل……



