رأي
ويوم تعضّ قحتٌ على يديها …
ألسنة وأقلام
بابكر إسماعيل
تأسس تحالف إعلان قوي الحرية والتغيير المعروف واسعاً بقحت (بالتاء والطاء) في يوم ٢/ ١/ ٢٠١٩ من أجسام سياسية وأحزاب تتألف من تجمع المهنيين (يتكون من تشكيلات فئوية غير مسجلة تكونت حديثاً وتدعي التمثيل النقابي لقطاعات واسعة من المهن)، وتحالف قوى نداء السودان (أبرز ما فيه حزب الأمة والمؤتمر السوداني وحركات عقار ومناوي وجبريل)، وتحالف قوى الإجماع الوطني (وأبرز ما فيه الحزب الشيوعى وبعث السنهوري وأحزاب اتحادية صغيرة)، وقوى المجتمع المدني وهي عبارة عن منظمات هلامية مثل قرفنا والمغردون السودانيون والقضارف مدينتي وسكرتارية مبادرة أزرق طيبة (توفي صاحب المبادرة قبل أكثر من عامين).
صدّرت هذه الأحزاب السياسية والحركات المسلحة والمنظومات المجتمعية والنقابية إعلان قوى الحرية والتغيير بادعاء عريض يقول في افتتاحيته : “نحن شعب السودان في المدن والقرى شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ووسطاً بكافة قوانا الشعبية والسياسية والاجتماعية والنقابية والمدنية وأصحاب المطالب”
علماً بأنّ هذا التحالف نحل جسمه بعد فترة الفوران الأولى واستمر في الذوبان والتلاشي رويداً رويداً ولم يتبق منه حالياً سوى حزب الأمة القومي (جناح أبناء وبنات الإمام الصادق وأصهارهم) وحزب المؤتمر السوداني وفصائل اتحادية صغيرة وفصيل منشق من حزب صغير أسسه رجل ادّعي الربوبية في أربعينات القرن الماضي وورثت ابنته وزوجها رئاسة الحزب.
معظم القيادات التي قدمها تحالف قوى الحرية والتغيير على مستوى مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين ينطبق عليهم وصف الناشطين السياسيين وهم قيادات ضعيفة ومهزوزة ولم يسبق لها العمل السياسي المنضبط أو التنفيذي في أيّ مرحلة من مراحل حياتهم ناهيك عن أن بعضاً منهم لم يسبق لهم العمل في أيّ وظيفة لحكومة السودان أو لأيٍّ دولة من الـ١٩٣ دولة المسجلة في عضوية الأمم المتحدة ..
ومن أمثلة هذه القيادات سيدة كانت تدير ولمدة ثلاثين عاماً محلاً لتصوير المستندات وتغليف البطاقات وطباعة البحوث، عينتها قحت وزيرة للخارجية .. وعيّنت أحد عمال توصيل البيتزا بلندن وزيراً للعدل وهو المسئول عن تنقيح القانون السارية من أيّ مواد “حلال” بقوانينها ..
وآخر كان يعمل حارساً أمنياً في متجر أرقوس للأجهزة المنزلية صار عضواً بمجلس السيادة وزميل له كان يعمل بمركز خدمات الجمهور بإحدي شركات الاتصالات وهاجر للدوحة ليستقر بأحد مخابزها مأوىً له حين يعزّ المأوى وجعلته قحت نائباً لرئيس مجلس السيادة الخ..
فشلت حكومة قحت فشلاً ذريعاً في الأداء الاقتصادي وتضاعفت قيمة الدولار في السوق الموازي في خلال خمسة عشر شهراً إلى ١٠ أضعاف قيمتها عند سقوط النظام السابق وتضاعف سعر لتر الوقود إلي مائة ضعف والخبز إلى خمسين ضعفاً إضافة لتردي قطاع الخدمات من تعليم وصحة وتعطلت الحياة الطبيعية في السودان فأغلقت المدارس والمستشفيات والطرق والمكاتب الحكومية.
اهتمت قحت أيُّما اهتمام بتجريم غرمائها سياسياً حيث أقامت لهم المحاكم ونقلت جلساتها عبر كاميرا التلفزيون الحكومي ..
وقامت قحت بطرد كلّ من شكّت في انتمائه أو تعاطفه مع النظام السابق من وظائفهم الحكومية ففصلت ١٢ ألف موظف من الخدمة المدنية خلا عن آلاف آخرين من قوات الجيش والشرطة والأمن ومئات القضاة والسفراء والمستشارين الحكوميين وجرّفت بذلك الجهاز الحكومي من العناصر الكفؤة وأفرغته من خبراته التراكمية وقامت بحلّ هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات الوطني وهي وحدات قتالية متخصصة في مكافحة الإرهاب وحرب المدن ومكافحة التهريب والمخدرات والهجرة غير الشرعية فكشفت بذلك ظهر البلاد وحرمتها من قوات نوعية ذات قدرات قتالية عالية ومتخصصة ..
وطالت قوائم الفصل ألوفاً من خيرات الضباط المؤهلين في القوات المسلحة والشرطة والأمن والمئات من منسوبي الجهاز القضائي.
وصادرت لجنة تفكيك التمكين أموال وشركات ومساكن غرمائهم السياسيين بقرارات إدارية بدون سند قضائي واعتبرت قراراتها نافذة ولا تستأنف إلا لها..
ومن ما يجدر ذكره أنه صودرت أموال بعض المواطنين بسبب تشابه الأسماء وطُردت أسرة نائب رئيس الجمهورية السابق من منزلها الوحيد والمملوك له بشهادة ملكية صادرة من الجهاز القضائي للدولة.. ولم تأبه له لجنة وجدي وصلاح مناع وكلاهما كانا يعملان في مجال السمسرة التجارية وبيع السيارات والعقارات الخ ..
وأيضاً صودر منزل شقيق الرئيس البشير وهو طبيب استشاري بنى بيته من مدخرات عمله بالمملكة المتحدة منذ العام ١٩٨٨.
وتوفي شقيق الرئيس الآخر المريض بالسرطان داخل زنازين قحت وحرم من العلاج وثبتت براءته من التهم التي أُلصقت به عقب وفاته.. وفاته شرف معرفة براءته.
وأيضاً توفّي في زنازين قحت والي الجزيرة الأسبق – المرحوم الشريف أحمد عمر بدر ومنعت منه الرعاية الصحية كذلك.
اعتقلت قحت الأمين العام للحركة الإسلامية ووزير المالية الأسبق من غير محاكمات أو اتهامات محددة .. وتوفّي بمعتقلات قحت بلا جريرة جناها.
وتلقّي رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومنسوبو مكتبه رواتبهم من منحة مالية سنوية مقدارها ٧ مليون يورو خصصها لهم سفراء الاتحاد الأوروبي بالسودان وكان الاتحاد الأوروبي يعلن للوظائف في مكتب رئيس الوزراء عبر الموقع الإلكتروني للاتحاد .. وهي سابقة لا مثيل لها في كلّ الدول ذات السيادة ومن هذه الميزانية السخية انتدبت عناصر نسائية سودانية شابة كانت تعمل في منظمات دولية للعمل في مكتب رئيس الوزراء ولكن قبل مرور وقت طويل على التعيين ترك اثنان منهما العمل بمكتب رئيس الوزراء لأسباب لم يعلن عنها ولكن ضُبطت على الأقل حالة تحرش جنسي بإحدى عاملات النظافة بمكتب رئيس الوزراء وكان بطلها موظف كبير وتسربت هذه الحادثة لوسائل الإعلام ولكن تم احتواؤها بهدوء.
وكذلك تسربت للإعلام حالات فساد تؤكّد عدم تسليم الأموال التي صادرتها لجنة تفكيك التمكين إلى وزارة المالية وبل نُهبت بعض المؤسسات التي صودرت أصولها مثل مؤسسة دانفوديو حيث نمى إلى علمي تقارير تتحدث عن نهب خزانة شركة دانفوديو وحوالي ألف سيارة تابعة للشركة لم يعرف مصيرها ونفت وزارة المالية استلام أي مبالغ صادرتها اللجنة ولا تدري وزارة المالية أين ذهبت تلك الأموال؟ (كما جاء على لسان الوزيرة هبة والوزير جبريل).
كذلك تقدمت شركة صينية ببلاغ لجهات أمنية بسبب تعرضها للابتزاز من نافذين بلجنة تفكيك التمكين طلبوا من الشركة دفع مبالغ كبيرة كفدية تجنبهم إجراءات لجنة تفكيك التمكين وغصّت الوسائط الاجتماعية بمثل هذه التقارير .. كما أنّه وجدت مبالغ طائلة في حساب أحد صغار ضباط الشرطة التابعين للجنة تفكيك التمكين والذي عجز عن تقديم تفسير لهذه المبالغ ..
وكذلك ضُبطت مبالغ كبيرة وسبائك ذهبية بمنزل أحد أعضاء اللجنة وأفاد بأنه يحتفظ بهذه المنقولات الثمينة بمنزله كودائع مستردة .. وهنالك تقارير صحفية أوردتها بعض الجهات الإعلامية تتعلق بشركة الفاخر وهي شركة حديثة المنشأ مُنحت امتيازات تفضيلية في تصدير الذهب واستيراد السلع الاستراتيجية وراجت أيضاً تقارير صحفية تشير لشبهة فساد وتعاملات تفضيلية لنافذين
ويسري هذا الأمر على شركة زبيدة التي سُجّلت بالمملكة السعودية ومنحت امتياز استيراد الأسمدة الزراعية والداب لكل السودان بأسعار تفوق أسعار السوق السائدة وتصدت لها الصحافة في حينها.
كانت قحت واعية بأن تمثيلها في الشارع السوداني ضعيف، لذا تحالفت مع قوات الدعم السريع المنحلة التي يتزعمها الشقيقان حميدتي وعبد الرحيم دقلو وتتكون المليشيا بصورة أساسية من قبيلة الرزيقات إضافة إلى قبائل العطاوة الأخرى وهي قبائل بدوية شرسة تمتهن الرعي والنهب المسلح في فلوات دارفور والسهل الإفريقي عبر عدة دول من شمال نيجيريا وعبر النيجر وموريتانيا ومالى وبوركينا فاسو وتشاد وأفريقيا الوسطى تحولّت هذه القوات فيما بعد إلى مليشيا إرهابية هدفها النهب والسرقة والقتل والاغتصاب.
إضافة إلى فشل قحت في إدارة الدولة قامت بأخطاء كارثية عندما دعت إلى هيكلة القوات المسلحة السودانية ومصادرة شركات التصنيع الحربي ومشاريع صندوق الضمان الاجتماعي التابع للمؤسسة العسكرية ..
وقامت بفتح أبواب التصنيع الحربي للموساد الإسرائيلي حيث رافق محمد الفكي عضو مجلس السيادة عن قحت الوفد الصهيونى لدى زيارته للتصنيع الحربي.
كما سعت قحت للوقيعة بين الجيش السوداني وقوات الإسناد المعروفة بقوات الدعم السريع “المنحلة” وأيدت اعتراض الأخيرة على قرار دمجها في الهيكل الإداري للجيش السوداني.
تآمرت قحت مع حميدتي دقلو عضو مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع المحلولة ودعمته في المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوم ١٥/ ٤/ ٢٠٢٣ والتي كانت تهدف لاغتيال أو أسر الفريق أول عبد الفتاح البرهان وزملائه في المكون العسكري لمجلس السيادة.
قامت قوات الدعم السريع باحتلال منازل المواطنين في ولاية الخرطوم وولاية الجزيرة وولايات دارفور وبررت قيادات قحت هذه الأفعال وأيدت المليشيا في استمرار احتلال منازل المواطنين والأعيان المدنية (راجع تصريحات الأستاذ النور حمد والأستاذة زينب الصادق).
قامت قحت في يوم ٢/ ١/ ٢٠٢٤ بإعلان تحالفها السياسي مع مليشيا الدعم السريع المتمردة ووقّعت معها إعلاناً سياسياً بلورتا فيه رؤية سياسية مشتركة تستهدف في الأساس القضاء على الجيش السوداني وتستهدف كذلك القضاء على مناصري الجيش الذين يمثّلون غالبية الشعب السوداني الذين يسخرون منهم ويطلقون عليهم وصف البلابسة.
توحدت الرؤى السياسية والعسكرية بين المليشيا المتمردة وحاضنتها السياسية قحت في الاتفاق الذي أعلن في العاصمة الإثيوبية- أديس أبابا.
غيّرت قحت جلدها السياسي استعداداً لمرحلة التحالف العسكري مع المليشيا المتمردة وأسمت نفسها تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية (تقدّم) وتبعاً لذلك قام وزير الحكم الاتحادي المكلّف بالحكومة السودانية بحلّ جميع لجان التغيير والخدمات في كلّ ولايات السودان إيذاناً بحظر تنظيم قحت الذي تجاوزته الأحداث وهجره من أسّسوه وأسّسوا كياناً بديلاً له .. وما زال الشق الآخر من قحت – الكتلة الديمقراطية التي تقف مع الشرعية ومع الجيش السوداني.
مصير ومآلات تحالف قوى الحرية والتغيير المركزي:
هذا التحالف تآكل بفعل الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها الهيئات والأفراد والأحزاب والمنظمات المكوّنة له وبسبب تسارع الأحداث في الساحة السودانية عقب الحرب التي أشعلتها المليشيا المتمردة وحليفتها قحت المركزي.
صدر بالأمس قرار من لجنة حكومية بتصنيف المليشيا المتمردة منظمة إرهابية وأصدرت قراراً بمصادرة ممتلكاتها وأصدرت قائمة بضبط وإحضار ١٩٩ من قادتها .. ونتوقع أن يشمل هذا القرار في المستقبل القريب قحت – المجلس المركزي وتنسيقية القويّ الديمقراطية المدنية (تقدّم) ونتوقع كذلك أن تصدر نفس هذه اللجنة قرارات بمصادرة دورهم وممتلكاتهم إضافة إلى ضبط وإحضار قياداتهم التي تحالفت مع المليشيا الإرهابية وحينها سنعض قحت يديها وتقول: يا ويلتا ليتني لم أتخذ عرمان خليلاً.