رأي

واشنطن ومعركة الفاشر

أسامه عبد الماجد

لن نخوض في تفاصيل معركة الفاشر، فالقوات المسلحة والفصائل الوطنية المساندة لها.. قادرة على استعادة زمام المبادرة، كما فعلت في مدن عديدة غدرت بها ميليشيا أولاد دقلو الإجرامية.. غير أن المعركة الأهم تدور هذه المرة في واشنطن، فهي الساحة الحقيقية التي تتواجد فيها “الرباعية”.. وهناك تُحسم موازين القوى السياسية والدبلوماسية.. كتبت قبل يومين قلت أن ما يجري في واشنطن ليس تفاوضاً مباشراً بين السودان وأمريكا، بل تفاوض غير مباشر بين السودان والإمارات بوساطة أمريكية.
0 وطالبت الحكومة ان تتعامل بذات عقلية ادارة ترمب “الصفقات الاقتصادية”.. وحتى تقبل وساطة واشنطن عليها الآتي.. تفعيل رفع العقوبات المجمدة منذ 2017.. تصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية وفرض عقوبات على قادتها.. حث الاستثمارات الخليجية في إعادة إعمار السودان.. مكافأة السودان على دوره في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والهجرة غير الشرعية.. وعدم المزايدة في علاقته مع ايران.. ورفع العقوبات عن الرئيس البرهان وميرغني إدريس.. واشرت الى أن الحوار مع الإمارات إيجابي من حيث المبدأ.. لكنه يحتاج إلى إدارة استراتيجية واعية وحذرة.
0 حسناً.. هذا ميدان المعركة الحقيقي. السؤال الذي يجب أن نطرحه هو ما الذي تريده أبوظبي ؟.. التاريخ يعيد نفسه، قبل أكثر من مائتين سنة شن محمد علي باشا حملة لضم السودان للاستفادة من ثرواته.. وخاصة الذهب، ولتجنيد السودانيين لجيشه الجديد.. اليوم تبدو رغبة الإمارات مشابهة ولكن في شكل عصري تريد الذهب.. خصوصاً بعد توجه السعودية وقطر بقوة لتنويع اقتصادهما.. والابتعاد عن الاعتماد على النفط وتريد الإمارات أيضاً أن تملك جيشاً احتياطياً – رغبة كثير من الدول – من المرتزقة خارج حدودها.. يمكنها استخدامه عند الحاجة.. في ظل سياسة أميركية تتماشى مع فكرة عدم التدخل المباشر بالقوات.
0 ثالثاً لدى الإمارات رغبة قوية في السيطرة على الموانئ.. رابعاً بحسب تقديري إبعاد الإسلاميين من المشهد السوداني.. وهو مطلب سبق أن نوقش مع نافذين في عهد الإنقاذ.. لو علمت الحكومة بهذه المطالب الأربعة بوضوح، لتوصلت الى طريقة تمكنها من التعامل مع أبوظبي وادارة المعركة بصورة مختلفة.
0 أما على الجانب الآخر، فالإمارات أكثر حرصاً على التفاوض مع السودان بعد انهيار مشروع أولاد دقلو.. لا سيما بعد أن تضررت سمعتها على الصعيد الدولي، وهو ضرر يعادل في حجمه الخسائر المادية التي لحقت ببلادنا جراء الحرب.. تنفق أبوظبي أموالاً طائلة لتلميع صورتها أمام المجتمع الدولي، لكن السودان ألحق بها أذى بالغاً في هذا المجال، ولولا إخفاق وزير العدل السابق وفريقه المعاون من الجهات ذات الصلة – وفي مقدمتهم جهاز المخابرات -.. في متابعة الشكوى التي قدمها السودان، لكانت أبوظبي تكبدت خسائر أشد فداحة.
0 ان المليشيا مهما تمددت عسكرياً، فلا مستقبل سياسي لها في السودان – حتى لو وقف الرئيس الأمريكي السابق ترامب بجانب الباغي الشقي حميدتي، أو حاول مبعوث مثل مسعد بولس خنق القوات المسلحة بوسائل دبلوماسية باتت مفضوحة.. وبالتالي قبل كل شيء، يجب أن تمتلك الحكومة أدوات تفاوضية.
0 أساس هذه الأدوات هو التأييد الواسع للقوات المسلحة في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد اليوم.. وهذه الأدوات تتمثل في تفعيل المقاومة الشعبية، الشفافية وعدم استغفال الشعب، مطالبة القيادة لرئيس الوزراء وحكومته بالارتقاء إلى حجم المعركة والمسؤولية.. تصعيد الصوت الدبلوماسي بالضغط لتعريف العالم بجرائم الجنجويد.. وإعادة أي سفير قصر في أداء واجبه بالخارج.. التواصل مع كل القوى السياسية الوطنية مع استثناء الخائنين والمناصرين للمليشيا، وتفعيل العلاقات مع دول مهمة مثل روسيا والصين وتركيا.. يجب ان يدرك الجميع ان بلادنا تمر بمرحلة مفصلية إما أن تكون قوية بجيشها وعزيزة بشعبها، أو أن تغرق بالخونة والعملاء
0 ومهما يكن من أمر.. ما دام هناك شهداء قد روّوا هذه الأرض بدمائهم الطاهرة، فلا مستقبل للخيانة على هذه الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى