هدسون أمام مجلس الأمن: آثار الصراع في السودان ستكون موجات من الهجرة والإرهاب إلى أوروبا

الأحداث – وكالات
أرسل الخبير الأمريكي الأمني والمحلل السياسي كاميرون هدسون تحذيراً قوياً من مغبة استمرار الصراع في السودان و تغذيته من الخارج وتوسعته من الداخل مما سيكون له تبعات كارثية علي منطقة القرن الأفريقي والدول المجاورة، ثم من بعد إلى ما بعد أفريقيا هجرة غير شرعية وإرهاباً يجتاح أوروبا.
وأكد هدسون في مداخلته أمام مجلس الأمن في الجلسة الخاصة بشأن السودان (الأثنين) بأن خطر التقسيم والتفكك، وما سيترتب عليه من مستويات كارثية جديدة من الموت والنزوح، حقيقي وسيتفاقم إذا لم تُتخذ إجراءات حاسمة لإنهاء القتال. و زاد “تأكدوا أن آثار هذه النتيجة لن تقتصر على السودان، بل ستُزعزع استقرار القرن الأفريقي الهش أصلا، وستُرسل موجات من اللاجئين والمتطرفين عبر منطقة الساحل والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط”.
ونبه هدسون إلى أنه سبق للعالم أن حذر من وقوع كارثة في الفاشر و لكن مجلس الأمن و الدول الغربية لم تكترث و استمر القتال لما يقارب ألف يوم، يتعرض فيه السودان للهجوم. وخلال هذه الفترة، حذرت هذه الهيئة من خطر وقوع فظائع جماعية وتفكك الدولة. لكن الحديث عن التحذيرات يتجاهل ما يحدث بالفعل. والسؤال المطروح هو: هل سيكف المجتمع الدولي، حين يواجه هذه الحقائق المروعة، عن الاكتفاء بالإعجاب بالمشكلة، ويتخذ إجراءات ملموسة تُحمّل الجناة ومن يدعمهم تكاليف باهظة، وتُعطي الأمل للضحايا، وتُجبر الأطراف على السلام؟
وقال هدسون: طُرح السؤال نفسه في بداية الحرب، حين اقتحمت قوات الدعم السريع مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، في موجة عنف وحشية ومتعمدة، لدرجة أن إدارة بايدن وصفتها بما هي عليه: إبادة جماعية. لو أن العالم استجاب لتلك المجزرة بحزم كافٍ، لربما لم نكن لنصل إلى هذه الحال اليوم. بدلاً من ذلك، نشهد تصعيداً خطيراً في هذا الصراع. فمنذ أن سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر في أكتوبر، بدأت الحقيقة حول ما جرى تتكشف تدريجياً. تمثل جرائمهم أسوأ انتهاكات هذه الحرب، وربما في تاريخ السودان الحديث برمته. لا مجال للمقارنة.
واستشهد بالوضع في الفاشر والتي كان عدد سكانها نحو مليون نسمة قبل عام، ولم يتبق منهم اليوم سوى ما بين 70,000 و 100,000 نسمة؛ ولا يزال مصير نحو 150,000 شخص مجهولاً، وقُتل الآلاف، إن لم يكن عشرات الآلاف، وتقوم قوات الدعم السريع بحرق جثثهم ودفنها الآن لإخفاء حجم جرائمها. والأمر الأكثر إيلاماً من هذه الجرائم هو معرفة أنها لم تنتهِ بعد، وأنها ستتكرر في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة إن لم يتم التحرك.
وجاء في شهادة هدسون أن قوات الدعم السريع وجهت أنظارها الاستراتيجية الآن نحو ولايات كردفان المجاورة. ففي الأسابيع القليلة الماضية فقط، تعرضت المنطقة لحصار بعد سلسلة من الهجمات المروعة التي شنتها قوات الدعم السريع، والتي استهدفت روضة أطفال ومجمعاً تابعاً للأمم المتحدة ومستشفى عسكرياً، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص، نصفهم تقريباً من الأطفال. امتد الحصار الآن إلى مدينتي الدلنج وكادوقلي، اللتين تعانيان أصلاً من مجاعة مُعلنة. فمع انعدام الغذاء والمستشفيات العاملة، وانعدام أي سبيل للخروج من المدينتين، بات سكانهما بلا أي وسيلة للبقاء على قيد الحياة. وهذا يثير التساؤل: ما هو الدافع التكتيكي أو الاستراتيجي الذي قد يدفع قوات الدعم السريع لاستهداف المدنيين بعد انسحاب الجيش؟ وما هي العواقب، إن وُجدت، التي ستواجهها جراء هذه الجرائم الحربية الصارخة؟
و جدد هدسون تحذيره أنه إذا لم يُتخذ أي إجراء، فستندلع في الأيام القادمة معركة شاملة للسيطرة على مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان. ومن المتوقع أن تكون هذه المعركة الأكبر، وربما الأكثر تدميراً، حتى الآن. ليس فقط بسبب الموقع الاستراتيجي للمدينة عند مفترق طرق البلاد، ولا لأنها تأوي الآن أكثر من مليون شخص مُعرّض للخطر.
، بل لأن هذا الصراع قد تحوّل خلال العام الماضي.
وقال هدسون “ لقد تحوّلت الحرب، بفعل عوامل خارجية، من حرب تقليدية تعود إلى القرن العشرين، تُخاض بمعدات ثقيلة قديمة وأسلحة خفيفة، إلى صراع حديث في القرن الحادي والعشرين يستخدم أحدث جيل من الأسلحة المتطورة”
واضاف حلّت الطائرات المسيّرة بعيدة المدى، والتكتيكية، والمزودة بألياف بصرية، وما يُسمى بطائرات الكاميكازي، إلى جانب تقنيات التشويش المتطورة، والذخائر الموجهة بدقة، وناقلات الجنود المدرعة، محلّ البراميل المتفجرة والمركبات والدبابات التي كانت تُستخدم في بداية الحرب. ظاهريًا، كان من المفترض أن تُحسّن الأسلحة الذكية من دقة التصويب وتجنّب سقوط ضحايا مدنيين، لكنّ العكس هو الصحيح. فقد تعرّض المدنيون، وخاصة في المناطق الحضرية، لوابل متواصل من هجمات الطائرات المسيّرة من كلا الجانبين. علاوة على ذلك، وسّعت هذه الأسلحة نطاق الحرب بشكل كبير، بطرق لا تعترف بخطوط المواجهة. باتت كل زاوية من البلاد مُهدّدة.
وقال انه من السخرية أن يتبين الناس أنه في هذه الحرب تم استخدام أسلحة من نحو اثنتي عشرة دولة من قبل كلا الجانبين في هذه الحرب، في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض عام 2004 “وتندد العديد من هذه الدول الموردة للأسلحة بشدة بالخسائر في صفوف المدنيين التي تسببها نفس الأسلحة التي تزودها كما أن دولاً أخرى تزود هذه الأسلحة أعضاء في هذا المجلس”.
وأشار تحديداً إلى الإمارات العربية حيث أكد أنها تتحمل أكبر الوزر في استمرار الحرب بالسودان إذ “لا تتحمل جميع الدول المسؤولية نفسها عن تأجيج هذا الصراع. وهنا، تستحق دور دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً خاصاً. ففي العامين الماضيين، استخدمت الإمارات ثروتها ونفوذها السياسي في منطقة القرن الأفريقي لإنشاء أكبر عملية جسر جوي عسكري وأكثرها اتساعاً، حيث تنقل الأسلحة جواً إلى قوات الدعم السريع عبر أنظمة حليفة في تشاد وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان ومنطقة بونتلاند الصومالية. وقد ساهمت جهودها في تمكين هذا الصراع وتوسيعه بطرق لا مبرر لها ولا شك فيها وأضاف بأن “أحدث سلاح استخدموه لدعم فظائع قوات الدعم السريع هو مئات المرتزقة الكولومبيين ذوي الخبرة القتالية، الذين تم توظيفهم ونقلهم عبر شبكة معقدة من الشركات الوهمية التي لا توفر سوى غطاءً رقيقًا للإنكار.”
قال هدسون ان الوضع في السودان بالغ الخطورة بحيث لا يمكن قبول أنصاف الحقائق والتضليل الصارخ بشأن دور القوى الخارجية في تأجيج هذا الصراع. ولم يعد كافيًا إدانة جرائم الأطراف المتحاربة وحدها. فإذا تجاهلنا من يُسهّلون الحرب، فإننا جميعًا متواطئون.
ولفت كاميرون هدسون إلى أنه لا يجب اغفال النظر عن دوافع الصراع المعقدة على المستوى المحلي، سواءً كانت عرقية أو اجتماعية أو متعلقة بالموارد، والتي غالباً ما يتم تجاهلها في التحليلات الخارجية، والتي تفاقمت بسبب الحرب. في كثير من الأماكن، تُؤجج هذه الديناميكيات العنف المحلي أكثر من القوى الوطنية أو الدولية التي نركز عليها.
وحذر من أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه التوترات من المرجح أن تستمر حتى بعد انتهاء الحرب، وستُعرض للخطر أي تقدم نحو إعادة بناء البلاد إذا لم يُولِ صانعو السلام والسياسيون اهتماما مستمرا.
واكد هدسون خطابه بالاشارة إلى أن السودان يقف اليوم على حافة الانهيار، ويواجه خطر نزوح جماعي للاجئين وعدم استقرار سيُثقل كاهل دول القرن الأفريقي والساحل لسنوات قادمة إذا سمحنا له بالانهيار وأضاف إنه “ولتجنب هذه النتيجة، يجب على هذا المجلس أن يُقرّ ببعض الحقائق الصعبة حول هذه الحرب، بل وتواطؤ العديد من الدول الأعضاء التي وجدت في إدارتها مكاسب ومزايا استراتيجية. إنها ليست مجرد حرب أهلية بين جنرالات متناحرين يسعون إلى السلطة والعظمة الشخصية؛ بل هي صراع دولي بامتياز، بشبكات عسكرية ومالية وسياسية تمتد عبر القارات، مدعومة بتنافس جيوسياسي في نظام عالمي متغير.
وحذر مجددا بإن أنصاف الحلول والغموض الدبلوماسي والشلل الذي اتسمت به الاستجابة الدولية لم تُسهم في مواجهة هذه الشبكات، بل على العكس، شجعت الكارثة الراهنة وقال “وإذا ظننا أن هذه الشبكات نفسها لن تدعم الحرب القادمة في المنطقة، سواء في تشاد أوجنوب السودان أو إثيوبيا، فنحن مخطئون”.



