رأي

نحو استقرار وثبات الجنيه السوداني محليا وخارجيا مساعد محافظ بنك السودان المركزي السابق: عبد الله الحسن

 

تقديم:-

تعتبر العملة الوطنية لاى دولة هى الوسيلة الأكثر استخداما محليا لتبادل السلع والخدمات في البلاد،أي أنها وسيط للتبادل medium of exchange)).

أما تعريف استقرار العمله الوطنية محليا يمكن قياسه بقيمة الوحدة منها بكمية السلع والخدمات التى تشتريها داخل البلد. اما استقرارها بالنسبة لعملات الدول الخارجية الاخرى (سعرالصرف) فيمكن قياسه بتساوى الوحدة منها من حيث الكمية من تلك العملات الأجنبية الاخرى .

من جانب آخريشار إلى أن أهم أدوار اي بنك مركزي فى اى دولة هو العمل على استقرار وتثبيت قيمة العملة الوطنية داخليا وخارجيا فى مقابل تبادلها مع العملات الأجنبية الاخرى.ويعتبر استقرارها مؤشرا مهما على صحة الاقتصاد القومي والاستقرار السياسي وفعالية السياسات النقدية والمالية.وهذا الاستقرار ينعكس على قوة العملة الوطنية محليا ، وقيمتها خارجيا فى مقابل العملات الاجنبية الاخرى .وتؤثر العديد من العوامل على هذه القوة والقيمه واستقرار وثبات للعملة الوطنية محليا وفى مقابل العملات الاجنبية الاخرى. وفيما يلي أمثلة لذلك :-

١..انتاج وتصدير النفط(مثل الدينارالكويتي)

2. استخراج وتعدين المعادن(مثل الدينار الاردنى)

3.استقرار بيئة الاستثمار.( الدينار البحريني)

4..استقرار وفعالية السياسات النقدية والمالية (الفرنك السويسرى).

5…الاشتراك فى تكتل اقتصادى نقدي يشمل عدة دول .منها دول ذات اقتصاديات مستقرة (منطقة اليورو-اليورو).

6..تاريخ طويل كمركز مالي عالمي (لندن – الجنيه الاسترليني).

7.. تحديد كمية مثلى من العمله الوطنية بنوعيها الورقية والمعدنية التى تفى بحاجة الاقتصاد القومي.( العملات أعلاه).

ومهما يكن من أمر فإن استقرار وثبات اي عملة وطنية يمر عبر وضع وتنفيذ استراتيجية وسياسات وبرامج متكامله على المدى القصير والمدى المتوسط والطويل .وفضلا عن ذلك تكامل سياسات الاقتصاد الكلى . واستقرار وثبات العملة الوطنية يبدأ باستقرارها وثباتها محليا.وفيما يلى رؤية حول استقرار وثبات الجنيه السوداني:-

استقرار وثبات قيمة الجنيه السوداني محليا:-

 

شهدت قيمة الجنيه السوداني محليا استقرارا وثباتا نسبيا منذ بداية إصداره فى عقود الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضى . رغما عن عمليات استبدالها التى تمت خلال هذه الفترة فى الأعوام(العام١٩٧٠م والعام ١٩٨٦م).حيث تم استبدال واحلال العملات الورقية والمعدنية القديمه بنفس الفئات والكميات بالعملات الورقة والمعدنية الجديدة المصدرة من قبل بنك السودان المركزى. واستمر استقرار وثبات العملة السودانية محليا.في تلك الفترة.

اما في عملية استبدال العملة فى العام ١٩٩٢م حدث تعديل وتغيير لفئات العملة الورقية حيث تم اصدار عملة الدينار السوداني ويعادل عشرة جنيهات انذاك اي تم اختصار عشرى للعملة السودانية ..

اما فى العام ٢٠٠٧م وتطبيقا لاتفاقية السلام الشامل الموقعه فى السودان فى العام ٢٠٠٥م (comprehensive peace agreement)فقد تم اعادة اصدار عملة الجنيه السوداني ولكن الجنيه الجديد يعادل مائة دينار سودانى اي تم اختصار مئوى للجنيه انذاك.وأثر ذلك على استقرار وثبات الجنيه السوداني محليا . وتعددت اسعار تبادل السلع والخدمات . حيث اصبح هنالك سعر للتبادل نقدا وسعر اخر للتعامل بالشيكات لنفس السلعه أو الخدمه . مما انعكس على استقرار وثبات اسعار السلع والخدمات.

أما فى عملية استبدال العملة فى العام ٢٠١١م فقد تم استبدال العملة الورقية بنفس الفئات . ولكن انتشار السوق غير المنظم وخاصة للعملات الأجنبية اثر على استقرار وثبات الجنيه السوداني محليا.وأسعار السلع والخدمات نقدا أو بشيك.

تلاحظ فى أثناء شح السيولة النقدية خلال الفترة من العام 2019م وحتى قبل عمليه الاستبدال فى العام ٢٠٢٤م وجود عمولات (فرضها المتاجرون فى النقود) فى السوق غير الرسمي عند التحويل عبر اى تطبيق مصرفى إلى نقود ورقية أو العكس ، أو تحويل إلى حساب شخص اخر من جمهور المتعاملين .أي ان الجنيه السوداني لم تعد وظيفته وسيط للتبادل وانما اصبح سلعة تباع وتشترى فى السوق.

اما بالنسبة لعملية استبدال العملة للعام ٢٠٢٤م فقد تمت ايضا فى العملة الورقية فقط وفى فئتين من فئات العملة الورقية ، حيث تم طرح فئة الالف جنيه جديدة بدلا عن فئتى الخمسمائه جنيه والالف جنيه المتداولة قبل عملية الاستبدال .وقرر بنك السودان المركزى الغاء التعامل بهما فى بعض ولايات السودان الامنه(الشماليةونهر النيل والبحر الاحمر وكسلا والقضارف وسنار والنيل الابيض).على أن يستمر التعامل بهما فى الولايات الاخرى نسبة للحالة الأمنية غير المستقرة.

أيضا يلاحظ فى عملية الاستبدال هذه تقرر أن تتم عبر الحسابات المصرفية وقرر بنك السودان المركزي اتخاذ مرونة فى فتح الحسابات بالمصارف للعملاء. أيضا فى هذا الاستبدال تم الاعتماد على وسائل الدفع الالكترونى لتسوية المدفوعات للسلع والخدمات بين الجمهور .كما تقرر أن تتم المدفوعات للحكومة ووحداتها عبر الدفع الالكترونى .

. بعدعملية الاستبدال فى العام 2024م يلاحظ زيادة مقدار ونسبة العمولة عند التحويل عبر تطبيق مصرفى عندالتحويل من حساب شخص الى حساب شخص آخر عبر نفس التطبيق المصرفي في نفس البنك ،او حساب شخص فى بنك اخر .كما أن التعامل عبر هذه التطبيقات المصرفية انحصر فى عدد محدود منها وعدد محدود من المصارف.كما أن الربط بين تحويلات حسابات عملاء المصارف محدود فى عدد قليل من المصارف العاملة. مما يؤدي إلى احتكار القلة (oligopoly )وهذا يؤثر سلبا على استقرار وثبات قيمة العمله السودانية محليا.

 

مقترحات نحو استقرار وثبات الجنيه السوداني محليا:-

 

يمكن تقسيمها إلى مقترحات قصيرة الاجل ومقترحات متوسطة وطويلة الاجل.

اولا المقترحات قصيرة الاجل :-

١.تفعيل وتسهيل الربط بين التطبيقات المصرفية لتسهيل التحاويل والمدفوعات بين عملاء المصارف.

٢.تشجيع أنشاء وتأسيس شركات التكنولوجيا المالية( (fintech.co ودعمها.

٣. دعم تشغيل شركة الخدمات المصرفية الالكترونية(EBS )لاعادة تشغيل نظم الدفع الالكترونى.

٤. تشجيع الشركات المالية العاملة فى الدفع الالكترونى والنقود مثل (برافو) و(كاشي) وغيرها وتشجيع انتشارها فى المناطق الريفية النائية. والمحليات والوحدات الإداريةالتابعه لها.

٥. إعادة تشغيل مقاصة الشيكات بالجنيه السوداني اليدوية فى مناطق عمل فروع بنك السودان المركزى لتسهيل المدفوعات وتبادل الشيكات بين عملاء المصارف العاملة .وفضلا عن ذلك تبادل شيكات الحكومه ووحداتها. كخطة طوارئ إلى حين إعادة تشغيل المقاصة الإلكترونية للعمله المحليه.

٦. طباعة وإصدار فئات كبيرة من العملة الورقية مثلا فئة الألفي جنيه وفئة الخمسة الف جنيه وفئة العشرة الف جنيه. لتوفير سيولة للاقتصاد المحلى وصولا للحجم الامثل للسيوله .وتوفير العملة الورقية بأقل تكلفة طباعه.والاستفادة من الايرادات من الطباعة (sinorage)

 

ثانيا المقترحات متوسطة وطويلة الاجل:-

١.تحديد الحجم الامثل للعملة الورقية والعملة المعدنية التى تفى بحاجة الاقتصاد للنقود قبل الشروع فى أي عملية استبدال للعملة . مع وضع احتياطي للزيادة فى الاحتياج المستقبلي.

٢. دراسة تحديد فئات العملة المعدنية والمدى (Coinage range )ليتيح تداول العملات المعدنية يوميا على نطاق واسع لشراء السلع والخدمات.لأكبرشريحة من جمهور المتعاملين,

٣.دراسة وتحديد العدد الامثل لفئات العملة الورقية وحجمها .لتسهيل حملها وتداولها يدويا وعبر الصرافات الالية للبنوك.

٤ انتهاج مبدأ الربط البيني والتشاركيه( interoperability ) بين المصارف لتسهيل عملية الدفع الالكترونى.

٥ . نسبة لقلة المعرفة بالتقنية والدفع الالكترونى بين الجمهور العمل على أن يتم ربط الحساب المصرفى بتلفون العميل حتى يتم الدفع عبر الهاتف السيار.أى توفير مخدم دفع عبر الهاتف السيار((mobile payment.

٦..العمل على إعادة تشغيل المقاصة الالكترونيه للعملة المحلية لتسهيل تبادل وتسويه شيكات ومدفوعات عملاء المصارف فيما بينهم.والجمهور والعاملين بالحكومه ووحداتها.

7.. إعادة هيكلة أعمال واجراءات ديوان الحسابات وإدارة المراجعه الداخلية بوزارة المالية ةالتخطيط الاقتصادى بهدف تسريع وتنشيط الدفع الالكترونى من وإلى حسابات الحكومه ووحداتها وشركاتها ومؤسساتها

 

استقرار وثبات الجنيه السوداني فى مقابل العملات الأجنبية الاخرى:-

 

شهد الاقتصاد السودانى استقرارا وثباتا فى سعر صرف الجنيه السودانى خلال عقدي الخمسينات والستينات وهي فترة ازدهار مشروع الجزيرة وازدهار الصادرات الزراعية بشقيها النباتي والحيوانى وحتى العام ١٩٧٩م كان هناك استقرار وثبات فى سعر الصرف .الا ان الامتيازات التى منحت لتشجيع المصدرين واختلال ميزان المدفوعات لجا السودان لصندوق النقد الدولى ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لم يحدث استقرار وثبات للجنيه السودانى مقابل العملات الأجنبية.اضف إلى ذلك سياسة الانفتاح الاقتصادى وسياسات التحرير الاقتصادى . وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي والتحولات العالمية وتهريب الواردات الغذائية السودانية لدول الجوار ومتغيرات اخرى ساهمت فى عدم استقرار وثبات الجنيه السودانى مقابل العملات الاجنبيه الاخرى.

بهدف تحقيق استقرار وثبات الجنيه السودانى مقابل العملات الاجنبيه الاخرى تقدم هذه الورقه مقترحات قصيرة الاجل ومقترحات متوسطة و طويلة الاجل.نوجز اهمها فى الاتي:-

اولا المقترحات قصيرة الاجل:-

١..تحقيق وتنفيذ المقترحات أعلاه لتحقيق استقرار وثبات الجنيه السودانى محليا. حيث أن استقرار الجنيه السودانى محليا يعتبر اساسا لاستقراره وثباته مقابل العملات الاجنبيه الاخرى.

٢.زيادة الإنتاج والانتاجية للقطاع الزراعي فى السودان والذي يمتاز بميزات تفصيلية فيه .لتوفير الغذاء للسكان، ومدخلات الإنتاج للمصانع المحلية التحويلية.

٣..تأسيس شبكات حديثة وتنمية الموارد والقدرات التقنيه ( والتى تعتبر الثورة الصناعية الرابعه ) وبناء كوادر تقنية لمقابلة الاحتياجات المحلية .ومن ثم تصديرالخبرات لدول الجوار الافريقية والدول العربية .للاستفادة من الميزة النسبية ( ( comparative advantagesللشخصية السودانية وتميزها بصفات مشتركة وقبولها فى دول الجوار العربي والجوار الافريقي.

٤..وضع موازنه سنويه للنقد الأجنبي للاحتياجات القطاعين العام والخاص.وتحدد الموارد والاستخدامات لكل قطاع فى هذه الموازنه.ووضع سياسات وضوابط واجراءات لتنفيذ موارد واستخدامات هذه الموازنة السنوية.

المقترحات متوسطة وطويلة الاجل:-

١..تكثيف استخراج البترول السودانى والمعادن. وخاصة استخراج الذهب.

٢.. انشاء شركة بغرض شراء وبيع الذهب بالدولار الامريكى من المنتجين والمعدنين. بسعر البورصة العالمية عند عملية البيع اوالشراء .وحصر تصدير الذهب لبنك السودان المركزي أو لجهات بموافقته.

٣.يجوز السماح والموافقة لهذه الشركة بإصدار صكوك بالدولار الامريكى يتم استخدامها فى شراء الذهب وتحقق ارباح للمستثمرين توزع كل ثلاثة أشهر. ويجوز لهذه الشركة استجواب تسهيلات من البنوك الإقليمية والعالمية وهذه التسهيلات مثل (gold trochee )المعروفه عالميا.

٤. إنشاء بورصة لشراء وبيع الذهب بالدولار الأمريكي. بالتعاون مع أحد البورصات العالمية المعروفة.

٥. المشاركة مع خبرة شركة اجنبية لإنشاء شركة مصفاة الذهب تقوم بتصفية وختم الذهب السودانى بخاتم معترف به عالميا.وعدم السماح بتصديره او التعامل فيه بيعا وشراء خام.وبذلك تتوفر احصاءات وبيانات لبلورة سياسات وضوابط تجاه التهامل بالذهب فى السودان.

٦. تكثيف استخراج البترول والمعادن وخاصة الذهب سوف يؤدي إلى استقرار وثبات الجنيه السودانى فى مقابل العملات الأجنبية الاخري وينتج عنه رفع التصنيف الائتمانى للسودان ويؤدي إلى تدفق الاستثمارات للسودان.

7.انشاء وتأسيس مناطق حرة فى مناطق داخل السودان يتم فيها توفير احتياجات السودان واحتياجات دوا الجوار من السلع والخدمات من الواردات وتعرض فيها الصادرات .ويتم التعامل في هذه المناطق الحرة بالعملات الاجنبيه .ويطبق فيها القوانين والبروتوكولات العالمية وتدار بالاشتراك مع خبرات عالمية.

من ينتظر استقرار وثبات الجنيه السوداني مقابل العملات الاجنبيه الاخرى.لابد له من التأكد والتحقق من استقرار وثبات الجنيه السودانى محليا. و تكون بيئة الاستثمار فى السودان جاذبة والارباح من ناتج الاعمال حقيقة ،وليست ناتجة عن انهيار سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الاجنبية الاخرى.

أن استقرار وثبات الجنيه السودانى محليا يقتضي وضع استراتيجيه وسياسات واجراءات متكامله لتوفير العمله المعدنية والعملة الورقية التى يحتاجها الاقتصاد السودانى .وفى ذات الوقت متزامنه معها وضع استراتيجية وسياسات واجراءات لضمان استقرار وثبات الجنيه السودانى فى مقابل تبادله مع العملات الاجنبيه الاخرى. وفضلا عن ذلك لابد من تناسق وتكامل السياسات الاقتصادية الكلية.

ان تطبيق المقترحات قصيرة الاجل ومتوسطة الاجل فيما يختص باستقرار وثبات الجنيه السودانى داخليا وخارجيا أعلاه،لابد أن يتم الشروع فيها متزامنه في نفس الوقت مع بعض . وان يتم وضع مصفوفة للتنفيذ.. حيث أن اثارهما ونتائجهما مترابطة ومتداخلةeffects ) multiple).

الجدير بالذكر أن مفهوم استقرار وثبات الجنيه السودانى السائد (fact of life (كان استقراره وثباته مقابل العملات الأجنبية الاخرى . والحمد لله لأول مرة فى سياسات بنك السودان المركزى للعام ٢٠٢٥ م تمت الإشارة إلى التركيبة البنيوية لفئات العمله . ويشير ذلك إلى الاتجاه (في تقديري)بالاهتمام باستقرار وثبات الجنيه السودانى داخليا. ونسأل الله التوفيق والسداد فى العمل على استقرار وثبات الجنيه السوداني .

 

والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى