ثقافة وفنون

من ضوء المنشور: أسرار البوح، ينابيع الطفولة… تأملات في تجربة الفنان جمال حسن سعيد الشعرية (3-4)

عبد اللطيف مجتبى يكتب..

 

وأنت في طريقك نحو البدايات الجديدة والاختلاف، لابدّ لك من خيال جامح، وذاكرة حبلى بالمفارقات واللامنطق، بل لا بدّ لك من براءة تحمل جناحيك كفراشة تهوى إلى نارها في محبة ووداعة مفرطة، دون تفكير في المآلات، ذلكم هو زاد  الولوج لعوالم الكتابة ومطالع القصيد عند الشاعر  جمال حسن سعيد الذي (يرضع من ثدي الأسرار البوح)، في لغة تترسل من عوالم الطفولة وتحقن من معين زاخر بالرؤى الناضجة والثقافة والمعرفة والعرفان والفلسفة  فلنتابع التأملات في تجربة الفنان الشاعر جمال حسن سعيد في هذا الجزء الثالث:

 

النص ما بعد التلقي:

من كل هذه المقتطفات من عوالم جمال ومناخاته الشعرية الشاسعة تكتشف أنها ملأى بالفخاخ، و(المغارز) فلا تكاد تسلم – كلما تدخل إليها – من لعبة لغوية تقودك إلى فضاءات من الفلسفة والأسئلة الوجودية وتقاطعات معرفية تشير إلى المصادر المؤسِّسة لذاكرة الشاعر وتجربته التي اختار لها البراءة والطفولة مدخلاً ليتعاطى بها مع كيان مثل الشعر بكل تاريخه المهيب والراسخ في التجربة الإنسانية، والحافل بالكثير من التجارب العظيمة في كل لغاتها الأم وترجماتها. واختار لها أيضاً أن تمثل موقفه الكامل من الوجود كشاعر.

فسكب فيها عصارة ما رأى من مرائي وأحاسيس إنسانية.

 

الاتجاهات المدرسية:

من الصعب تصنيف تجربة الشاعر جمال حسن سعيد من خلال الموضوعات التي تناولها  بأنها رومانسية أو غنائية أو عاطفية أو حتى عامية – بالرغم من قالبها اللغوي العامي الواضح الملامح  – لما لها من خصوصية وأثر عميق تتركه بعد زوال عملية التلقي ولحظة التذوق الطازجة للنصوص؛ حيث تبقى الصور والعوالم والأحوال والمقامات الجمالية بعد زوال أثر علاقات النص ولغته وذرائعه وحيله الفنية التي توسل بها ليصل بنا إلى تلك التخوم والتماسات الخبراتية حيث عوالم ما وراء النص من رؤى فلسفية وحوارات فكرية عميقة وأسئلة يحملها القارئ أو المستمع بعد انتهائه من مرحلة التلقي واللذة الاندهاش والانتقال إلى مرحلة الوعي والخبرة التي تتعالق بدورها مع ما رسخ من معارف وخبرات حياتية أخرى حتى لا يكاد يستطيع المستجيب  إعادتها إلى مظان النص الأصلية أو مصدر الأفكار التي قرت في الوعي الذاتي له من قبل تعاطيه مع النص في عوالم الشاعر جمال فتجد أن مفردات/مصطلحات  فكرية وفلسفية حاضرة في نصوص الشاعر بكثافة على سبيل المثال مفردة الكون، المطلق، العدم، والموت والحرية

– شفت كمان الشجرة بتقبل في الفاس

والكون بصافح في المطلق

وعادي…

وحوارات وجودية كذلك تتجلى في عموم خطابه الشعري.

– اتهمتك بالعدم أو بالتناهي

بل عرفتك وإنت ماهي

يا معاي يلا ألفتي انتباهي

وكذلك

– اتهمتك انتي دفَّقْتِي الطفولة

– وعَبيتي الفتايل بالهُموم

– وسبتي عز الفجرِ واعدتي السموم

كذلك تلك القصيدة الذائعة الصيت

تعرفي يا مافي ومالية الفِجَّة

والكثير من ملامح الخطاب الفلسفي المشغول بأسئلة الوجود والعدم والمطلق والمحدود والزمكان وأسئلة التاريخ في بعدها الكوني.

وثمة مقولات شعرية – حسب يمنى العيد على سبيل المثال – يمكن أن يتم تناولها كمكرسات أو أقوال سائدة. فنجد بعض التعريفات والحكم والمقولات:

– الموت الأعماق في ظني :

ثعبان في خيالك إتْلَفَّ

– زي ما رسمنا على الرمال اسم الهوى

بتجي الرياح وبتمحي.

– شرشرت تيبان السكات

على أرض رويانة وخريف.

– دقيت باب الأسلاف

ما لقيت غير سيف ومصدي

ونخيل يابس

وجَدِي راقد في الصحراء ومتمدي .

يتبع ….

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى