مليشيا الدعم السريع تشكل تهديدا حقيقيا لأمن السودان والإقليم

محمد عثمان أوكشة

قوات الدعم السريع والمعروفة محليًا باسم الجنجويد، هي ميليشيا قبلية شبه عسكرية نظمها وأسسها الرئيس المخلوع عمر البشير في عام 2004 لمواجهة وهزيمة الجماعات المتمردة في دارفور. إشتهرت هذه المليشيا تاريخيًا، بارتكاب الفظائع الوحشية ضد القبائل الأفريقية في دارفور. أدت جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبتها هذه الميليشيا ضد شعب دارفور إلى توجيه الاتهام إلى الرئيس المخلوع عمر البشير ومسؤولين حكوميين آخرين وقادة الميليشيا من قبل المحكمة الجنائية الدولية في عام 2009.

إن الحرب الداخلية الحالية في السودان هي استمرار مأساوي للصراع الطويل الذي ظل يعصف بالبلاد لعقود من الزمان. لقد شهد السودان سلسلة من الصراعات الداخلية، بما في ذلك الحروب الأهلية والتمردات الإقليمية، حيث ساهم كل منها في المشهد الحالي. إن الحرب المستمرة التي تشنها ميليشيا الدعم السريع ضد شعب السودان هي امتداد لهذه القضايا المزمنة حيث تستغل قوات الدعم السريع وحلفاؤها الإقليميون الفراغ الذي خلفته الفترة الانتقالية المنقسمة، لمحاولة السيطرة على البلاد من خلال انقلاب عسكري مخطط له جيدًا. وقد تفاقم هذا الدافع الذي تغذيه الطموحات غير المشروعة لزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، بسبب التأثيرات الخارجية والديناميكيات المعقدة داخل السودان. وقد تلاقت مصالح عدد من الدول في السودان مما جعلها تعمل معاً لإعادة تشكيل واقعه السياسي و الاجتماعي والديموغرافي لخدمة أجندتها الخاصة. ويمثل هذا المسعى نموذجًا مصغرًا للصراع الجيوسياسي الأوسع في المنطقة، وهو في جوهره تنافس على الموارد والتحالفات الاستراتيجية والهيمنة الإقليمية
ومن المؤسف أن هذه القوى الخارجية سعت إلى تحقيق أهدافها دون المراعاة لأثر حربها على شعب السودان أو المسارات المحتملة للحرب التي قد تعصف بأمن الإقليم. وقد أصدرت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة في يناير ٢٠٢٤ تقريراً أكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة
تنتهك قرار مجلس الأمن القاضي بحظر دخول السلاح لدارفور. وعلى نفس المنوال، أكدت العديد من التقارير الإعلامية الصادرة عن مؤسسات إعلامية مرموقة مثل بي بي سي، والغارديان، ونيويورك تايمز، وبلومبرج، وول ستريت جورنال نفس الرواية.
وشملت هذه المؤامرة تنسيق الإمارات مع بعض الدول المجاورة للسودان لتكون طريق عبور لشحنات الأسلحة الإماراتية إلى قوات الدعم السريع، ودول أخرى لتوفير غطاء سياسي لزعيم قوات الدعم السريع، والترويج له كقوة ديمقراطية في السودان، فضلاً عن تقويض الحكومة السودانية بين القادة الأفارقة وداخل الاتحاد الأفريقي، مما يزيد من عزلة الخرطوم.
ومع دخول الحرب عامها الثاني، أصبح الوضع على الأرض أكثر وضوحًا، مما يسمح بتوقع أكثر دقة للنتائج المحتملة. ويشير التحليل الرصين إلى عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل هذا الصراع داخل السودان. وبعض هذه السيناريوهات من شأنها أن تهدد استقرار السودان والمنطقة بأكملها

.١- انتصار عسكري حاسم

إن السيناريو الأكثر ترجيحًا، بالنظر إلى الوضع العسكري على الأرض هو انتصار حاسم لجانب واحد، والراجح هو انتصار القوات المسلحة السودانية. حيث أن القوات المسلحة السودانية تشدد قبضتها بشكل كبير على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، ومع مرور الوقت، قد تواجه قوات الدعم السريع نقصًا حادًا في الأسلحة والإمدادات اللوجستية. ومن غير المرجح أن يكون دعم الإمارات العربية المتحدة مستدامًا على الأمد البعيد بسبب القيود الخارجية والداخلية المختلفة. وعلى العكس من ذلك، تستفيد القوات المسلحة السودانية من سلسلة إمداد مستدامة من الأسلحة والإمدادات اللوجستية من الشركاء الاستراتيجيين وتدعمها الغالبية العظمى من السودانيين، الذين عانوا الأمرين على أيدي قوات الدعم السريع. وفي حين تسيطر قوات الدعم السريع حاليًا على أجزاء من وسط السودان، فإن بقائها على المدى الطويل هناك غير محتمل حيث يصعب أن يصلها إمداد عسكري ولوجستي في تلك المناطق. على العكس من ذلك فإن القوات المسلحة السودانية، أنشأت خطوط إمداد إضافة للدعم الذي تجده من السكان المحليين الكارهين للمليشيا. وعلاوة على ذلك، فإن جغرافية وطبوغرافية وسط السودان غير ملائمة لأسلوب حرب العصابات التي برع فيها الدعم السريع في دارفور. يضاف إلى ذلك فإن المكون الاجتماعي المعادي لقوات الدعم السريع نتيجة للانتهاكات التي مارستها ضد السكان المحليين لن يقبل بالتعايش مع مليشيا الدعم السريع. فقد أدت انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الدعم السريع، بما في ذلك عمليات القتل والتعذيب والعنف الجنسي، إلى نفور السكان المدنيين، مما جعل الميليشيا بغيضة بشكل متزايد لدى الشعب السوداني.
إن وضع قوات الدعم السريع كمرتزقة، مدفوعين في المقام الأول بالمكاسب الشخصية وليس أي قضية أيديولوجية أو وطنية، يقوض موقفها بشكل أكبر ويجعلها جنودها أكثر حرصا على تحقيق مكاسب مادية وليس انتصاراً عسكرياً. ونتيجة لذلك، فإن تحقيق نصر حاسم للقوات المسلحة السودانية أمر مرجح. وإذا تحقق هذا السيناريو، فسوف يضمن تعزيز السلام والأمن الذي سيمهد الطريق لفترة انتقالية مستقرة من شأنها أن تقود البلاد إلى انتخابات عادلة وحرة وتمنع المنطقة بأكملها من الوقوع في الفوضى

٢- إطالة أمد الصراع.

قد تستمر الحرب، مما يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار والأزمات الإنسانية، مع زيادة أعداد اللاجئين والنازحين داخليا. ومن المرجح أن تواجه الدول المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر ضغوطا متزايدة من تدفقات اللاجئين، مما يجهد مواردها واستقرارها. كما يمكن أن يكون لعدم الاستقرار في السودان تداعيات إقليمية كبيرة، حيث قد يمتد إلى الدول المجاورة ويؤدي إلى تفاقم الصراعات والتوترات القائمة أصلاً. ومن الناحية الاقتصادية، من شأن الحرب طويلة الأمد أن تعطل طرق التجارة والأنشطة الاقتصادية، وخاصة تلك المرتبطة بالبحر الأحمر. وعدم الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية، بما في ذلك الموانئ الرئيسية مثل بورتسودان، من شأنه أن يعيق التجارة البحرية ويؤثر سلبا على الاقتصادات الإقليمية. ومن منظور أمني، يمكن أن توفر الفوضى في السودان أرضا خصبة للجماعات المتطرفة، مما يشكل تهديدا ليس فقط للسودان ولكن للمنطقة بشكل كامل بما في ذلك الممرات المائية في البحر الأحمر، وهو أمر بالغ الأهمية لحركة التجارة الدولية وإمدادات الطاقة. وعلى الصعيد الجيوسياسي، يهدد الصراع الدائر أمن الطرق البحرية للتجارة العالمية، بما في ذلك شحنات النفط، مما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التأمين على الشحن واضطرابات في سلاسل التوريد العالمية. وبالتالي، فإن الحرب طويلة الأمد في السودان قد يكون لها آثار بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الإقليمي، والظروف الاقتصادية، والأوضاع الإنسانية، والديناميكيات الجيوسياسية.

٣:تفتت السودان

هناك سيناريو محتمل آخر يتمثل في تفتيت السودان إلى مناطق شبه مستقلة أو حتى دول منفصلة، ​​وخاصة في دارفور. وإذا تحقق هذا السيناريو، فمن المرجح أن تقاوم الجماعات المسلحة الأخرى في دارفور، مثل حركة جيش تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، والحركة الشعبية لتحرير السودان، سيطرة قوات الدعم السريع. بالإضافة إلى ذلك، من غير المعقول أن تقبل المكونات الاجتماعية في دارفور حكم قوات الدعم السريع، نظراً للتاريخ الدموي للميليشيا في المنطقة. ويُنظر إلى قوات الدعم السريع على نطاق واسع في دارفور على أنها مرادفة للقتل والاغتصاب والتخريب والنهب. وقد يؤدي هذا السيناريو أيضاً إلى زعزعة استقرار تشاد، نظراً لقربها من دارفور والصلات القبلية بين المنطقتين، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة في تشاد وليبيا. وبشكل عام، من غير المرجح أن يتكرر سيناريو حكم الجنرال حفتر في ليبيا في دارفور، حيث أن النسيج الاجتماعي و العداءات التاريخية بين الجماعات المسلحة في دارفور وقوات الدعم السريع تجعل مثل هذه النتيجة غير محتملة

.
٤- نجاح المفاوضات

هناك أيضًا احتمال أن تؤدي الجهود الدولية وجهود الوساطة إلى تسوية تفاوضية بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع. وفي حين أن هذا هو السيناريو المثالي لإنهاء الحرب، فإن الوضع الراهن الحالي يشير إلى أن المفاوضات من غير المرجح أن تنجح دون ضغوط كبيرة على الإمارات العربية المتحدة، التي تواصل تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة والتمويل.

الخلاصة

كما هو واضح، فإن جميع السيناريوهات المحتملة باستثناء السيناريو الأول، لن تخدم مصالح القوى الغربية ولا الدول الإقليمية. بل على العكس من ذلك، فإن لكل منها تداعيات بعيدة المدى يمكن أن تؤثر سلبًا على مصالحها. وينبغي للولايات المتحدة والوسطاء الآخرين إعادة النظر في موقفهم من الحرب، وزيادة مشاركتهم في مفاوضات السلام، وزيادة الضغوط على الإمارات العربية المتحدة، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في محادثات جدة، ومعالجة القضايا السياسية والاقتصادية الأساسية التي تغذي الصراع. و لإنهاء هذا الصراع، يتعين على المجتمع الدولي، وخاصة القوى العظمى، تطبيق عقوبات على قادة قوات الدعم السريع وشبكاتها المالية والشركات المرتبطة بها، والعمل على عزل الميليشيا دبلوماسيا من خلال تصنيفها كمنظمة إرهابية تهدد السلام والأمن في المنطقة بأسرها.

Exit mobile version