زين العابدين صالح عبد الرحمن
أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على ستة شخصيات سودانية منهم قيادات في الجيش وأخرى من مليشيا الدعم وسياسيين وهذه تعد المرة الثانية التي يفرض فيها الاتحاد الأوروبي عقوبات، حيث كان قد فرض عقوبات في يناير 2024م، وقال الاتحاد معللاً فرض عقوباته أن هؤلاء يعيقون عملية التحول الديمقراطي في البلاد واستقرارها. وإذا نظرنا إلى ممارسات الاتحاد الأوروبي قبل وبعد ثورة ديسمبر 2018م، نجد أن أنشطة الاتحاد الأوروبي ليس معوقة للعمل السياسي بل هي ساهمت في وصول البلاد إلى هذه الحرب.
قدم الاتحاد الأوروبي العديد من الإسهامات المادية، والتمويل المالي قبل الثورة إلى قيام ورش لعدد من المنظمات المدنية يهدف إلى التدريب في عدة مجالات تتعلق بعملية التحول الديمقراطي، خاصة التعريف بموجبات الديمقراطية وثقافتها إلى جانب إدارة الإزمات، وفتح حوارات في المجتمع، إلى جانب تأسيس عدد من منظمات المجتمع المدني في نشاطات متنوعة ومختلفة وخاصة بالجندر، وجميعها تحت شعار إنتاج ثقافة ديمقراطية ونشرها في المجتمع على أن تساعد الأجيال الجديدة في مسعاها الداعي لتحول ديمقراطي في البلاد.. وأيضاً قدمت الدولتان اللتان تعتبران العمود الفقرى للاتحاد الأوروبي “فرنسا وألمانيا” دعوات لعدد من القوى السياسية والحركات لقيام ورش في بلديهما تساعدان على عملية التحول الديمقراطي خاصة لمجموعة “نداء السودان” المكونة تحالفياً من عدد من الأحزاب والحركات المسلحة بقيادة الإمام الصادق المهدي.. وكل ذلك كان مفهوماً الهدف منه هو التحول الديمقراطي في السودان.. وقدم الاتحاد الأوروبي وعدد من دوله مساعدات مالية إلى عدد من المنظمات والمراكز الإعلامية لقيام ورش ونشاطات إعلامية..
بعد الثورة بدأ نشاط الاتحاد الأوروبي في السياسة يزداد وأغرب شيء أن الاتحاد الأوروبي قدم ميزانية مالية لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك عبارة عن مرتبات للعاملين في مكتبه وليس للحكومة السودانية.. ونسأل الاتحاد الأوروبي ووفقاً للمعايير الديمقراطية التي تؤسس على القوانين أليس كان الأفضل أن تقدم المساعدة للحكومة السودانية عبر مؤسساتها.. ووفقاً لتلك المعايير أيضاً يجب أن يحدثنا أي مسؤول في الاتحاد الأوروبي أو مسؤول في أي دولة من دول الاتحاد هل يمكن أن تقبل أن تدفع مرتبات حكومتها من دولة أو اتحاد خارجي.. وإذا كانت الإجابة لا لماذا لم يلفت الاتحاد نظر رئيس الحكومة أن هذا الدعم المقدم يجب أن يظهر في ميزانية الدولة.. الغريب أن رئيس الوزراء لم يصرح به وهل هي معلومات مسربة من المكتب.
إن قبول حمدوك دعما مغطى من الاتحاد الأوروبي دون أن يجعل الدعم يمر عبر وزارة المالية أصبح مثله مثل الجنرال فيليب بيتان مؤسس دولة فيشي في فرنسا، والذي تعاون مع النازيين الذين احتلوا بلاده ونصبوه رئيساً عليها، الغريب في الأمر كل الأحزاب السياسية والحاضنة السياسية لم تعلق على ذلك مطلقاً، كأنهم كانوا موافقين على ذلك بالسكوت. هل كانوا يتنبأون أن الحرب قادمة وسوف تشرد القيادات السياسية؟.. الملاحظ أن العديد من القيادات السياسية كانت تذهب وتشارك في الورش والندوات والمحاضرات التي يقيمها الاتحاد الأوروبي والدول التابعة له، ويعلمون أن الاتحاد الأوروبي لا يقدم ذلك لسواد أعين السودانيين، ودلالة على ذلك لم يتم التنبيه لرئيس الوزراء أن من أهم القواعد الجوهرية التي تؤسس عليها الديمقراطية احترام القوانين والشفافية والنزاهة.
إن الاتحاد الأوروبي وكل أجهزة مخابرات دوله وسفارات دوله كانوا على علم أن هناك عملية انقلابية جاري الإعداد لها، وأن هناك قوى سياسية مشاركة وضالعة في ذلك، حتى البعث الأممية بقيادة فولكر كانت جزء من العملية… لذلك سارعت الدول الأوروبية وأمريكا بالموافقة على سحب البعثة على شرط أن لا يتم مناقشة بنود الصرف المالي الذي قامت به البعثة الأممية.. إن الاتحاد الأوروبي كان على علم بكل مجريات التخطيط للعملية الانقلابية في ذلك الوقت لم يكن يعلم الاتحاد الأوروبي أن الانقلاب سوف لن يقود إلى الديمقراطية، وأنه سوف يقوض عملية الاستقرار في البلاد وربما يؤدي إلى حرب.. هل كان الاتحاد الأوروبي متيقن أن الانقلاب كان سوف ينجز بنجاح و لا داع للتساؤلات.
هل الاتحاد الأوروبي الذي يفرض عقوبات على قيادات في البلاد بسبب الحرب التي يعتقد أنها تؤذي المواطنين وتقوض الاستقرار لا يعلم أن وراء الحرب دول داعمة للمليشيا وخاصة دولة الإمارات وعدد من دول جوار السودان التي فتحت حدودها لتمرير المرتزقة والدعم العسكري والتشوين.. إن الاستقرار السياسي في البلاد يتم بإتفاق أبناء الوطن، وأي دعم لمجموعة من قبل الاتحاد الأوروبي أو أمريكا وحلفائهم لن يخلق استقراراً في البلاد، وأي حوار خارج البلاد لن يؤدي إلى الحل.. على المسؤولين في الاتحاد الأوروبي أن يفيقوا أن زمن فرض الحلول على الشعوب انتهى…
نسأل الله حسن البصير