رأي

مشروع القرن الأفريقي الجديد وموقع السودان فيه

محمود حسين سري

يتولى وزير الخارجية الجديد محي الدين سالم ملف علاقات السودان مع العالم في فترة حرجة جداً من تاريخ البلاد، وقد بدأ الوزير فترته بتصريحات صحفية تشير لفترة معقدة في المجتمع االاقليمى والدولى حيث قال عقب أدائه القسم إن السودان منفتح على الجميع إلا مَن أبى، ومَن يسعى للتآمر على سيادته ووحدته فهو الخاسر.

وقال الوزير إن العالم والإقليم يشهدان متغيرات كبيرة تتطلب تغيير طريقة ومنهج السودان بما يتناسب مع هذه المتغيرات. كما أضاف الوزير أن التغيير في سلوك السودان يجب أن يكون بفهم وعقل مفتوح حتی يصل إلى ما يحقق رغبات الشعب السوداني. مضيفاً أن وزارة الخارجية ستظل تدافع عن السودان في المحافل الإقليمية والدولية، مؤكداً أن التآمر على السودان لم يكن وليد هذه الحرب فقط بل ظل يتعرض للتأمر منذ سنوات. واختتم الوزير حديثه للصحافة والإعلام بأن السودان سينتصر مهما تكالبت عليه الأعداء.

والحقيقة أن حديث الوزير صحيح ودقيق ويدل على أن المؤسسات الأمنية والدبلوماسية والعسكرية في السودان على إدراك وقناعة بأن السودان دخل في دوامة مؤامرة دولية تهدف إلى تقسيمه وتحويله إلى دويلات في حال أنه لم يطوع ولم يخضع ولم ينقاد إلى الموافقة على ما يُخطط له من قبل مجلس إدارة النظام العالمي الجديد. وبالرغم من أن المؤسسات السودانية واعية ومدركة و منتبهة لما يُحاك للسودان و ما يحدث في المنطقة من تكالب عليها عبر وسطاء إقليميين إلا أن القوى السياسية والشعب السوداني والوعي العام لا يمتلك الصورة الواضحة والادراك الحقيقي لحجم هذا التآمر الدولي على السودان.

إن المؤمراة على السودان ظهرت واضحة في التسعينات من القرن الماضي بعزل السودان دوليا وفرض العقوبات الدولية عليه بسبب أخطاء حقيقية في النظام السابق في معاداة المجتمع الدولي بصورة واضحة وفجة ومكشوفة أدت في النهاية إلى تقسيم السودان إلى شمال وجنوب. هذا التقسيم أضعف السودان اقتصاديا بفقده لنفط جنوب السودان وتدهورت العملة السودانية والمركز المالي والاقتصادي للنظام، وأصبح النظام السياسي أكثر هشاشة بسبب الوضع الاقتصادي وتفشي الفساد السياسي والإداري والمالي، لتبتلعه موجة المظاهرات والاحتجاجات والفوضى الخلاقة والمعروفة بالربيع العربي.

بعد ذلك انتقل السودان إلى الحلقة الثانية من عملية التغيير والتآمر، فبعد انهيار النظام الإسلامي في السودان في الشمال و تقسيم السودان إلى دولتين وفقدان قوته الاقتصادية بانفصال الجنوب بنفطه بدأت مرحلة تغيير جديدة تستهدف طبيعة السودان السياسية والاجتماعية من خلال مشروع الاتفاق الاطاري الذي صاغه فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان وقدمه للقوى السياسية السودانية لتتبناه مجموعة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك و مجموعة قوى الحرية والتغيير من ناشطين وسياسيين ومؤسسات المجتمع المدني التي تبنته ظناً منها أنها ستقضي بذلك على ماتبقى من الحركة الاسلامية، وعندما فشل المخطط بتدخل المؤسسة العسكرية في 25 أكتوبر 2021 لايقاف انحدار السودان نحو المخطط بسرعة، انتقل السودان إلى الحلقة الثالثة من عملية التغيير وهو التغيير بالعنف من خلال إطلاق الحرب في يوم السبت 15 أبريل 2023 بانقلاب قوات الدعم السريع على الجيش السوداني لفرض الاتفاق الاطاري بالقوة وتطبيقه من خلال قوى سياسية تهدف إلى تنفيذه.

ويأتى مسلسل حلقات تغيير السودان كجزء من عملية إعادة تغيير لا تشمل السودان وحده بل كل المنطقة العربية والقرن الأفريقي والذى بدأ يتكشف يوما بعد يوم والذى تديره عدد من مراكز صنع القرار الأوروبية والأمريكية والذى يتم إدارته بتنسيق كبير من الدول الغربية حتى لو ظهر عكس ما يظهر.

فالمشروع والتكالب على المنطقة بدأ بخلق قوى إقليمية جديدة وصاعدة في دول الخليج والمنطقة تنافس القوى القديمة وتتصارع علي الموارد و على أن تنفذ الأجندة الدولية في المنطقة وفى حالة السودان تظهر الإمارات العربية المتحدة ودورها في تغذية الصراع في السودان، حيث يتجلى دورها في أنها أصبحت أداة لقوى أخرى خارج المنطقة تنفذ أوامرها ومخططاتها في ليبيا واليمن وسوريا والسودان.

ومشروع التغيير المهندس للمنطقة يتضمن أيضا الاعتراف والتطبيع والتعاون مع اسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية وهو ما ظهر جليا في حرب غزة و محاولة تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر وتصفية القضية الفلسطينية و فرض اتفاقات ابراهام والتي حاول المجتمع الدولى إضافة وجر اسم السودان إليها من خلال الزيارات المتبادلة التى تمت بين السودان وإسرائيل بعد سقوط النظام السابق.

ومشروع التغيير واحتكار المنطقة يتضمن أيضا الربيع العربي و عملية تغيير الأنظمة السياسية والاجتماعية وهو مشروع الهدف منه تحويل معاناة شعوب المنطقة وطلباتها المبررة وحقها في التظاهر والاحتجاج إلى فوضى خلاقة كاستراتيجية مكونة من لفظين متناقضين بين الهدم و اللاإستقرار، الابداع والخلق و إعادة البناء من جديد، و هذا من خلال طرح مخططات لتقسيم دول المنطقة إلى دويلات وكانتونات جديدة و هذا بهدف السيطرة على موارد المنطقة من البترول، المياه، و الأرصدة النقدية. وظهر جليا أن كل الدول التى ضربها زلزال الاحتجاجات والثورات والربيع العربي مثل سوريا وليبيا واليمن والسودان قد دخلت في مرحلة من الانشطار والتفكك والعنف لم ينج منه إلا تونس ومصر بسبب الوعى العام ووطنية القوات المسلحة و قوة وقدم المؤسسات الوطنية.

و يتضمن مشروع التغيير في المنطقة القرن الافريقي الجديد وهو موضوع هذا المقال حيث يعتبر القرن الأفريقي من المناطق الاستراتيجية المهمة التي تعاني منذ الإستقلال من صراعات ما بين قوى إقليمية وداخلية بالإضافة إلى تعدد الأدوار الدولية الناتجة عن تلك الصراعات مما يتطلب إعادة تنظيم ورسم المنطقة بشكل جديد. وأهم ملامح القرن الأفريقي الجديد يتجلى في ستة أشكال وهي: أولا: القضاء على القوى التقليدية والقديمة في المنطقة ويظهر ذلك في تقسيم السودان إلى شمال وجنوب وفصل التمدد العربي والإسلامي في المنطقة. وثانياً: في بناء سد النهضة لخلق توتر مستمر بين دول حوض النيل المنبع والمصب والتحكم والهيمنة ومحاصرة مصر والسودان. وثالثاً: بسيطرة دول الخليج وتنافسها على ممرات البحر الأحمر والمؤانىء فيه ورابعاً: بخلق قوى إقليمية جديدة في القرن الأفريقي تقود عملية التغيير بالوكالة مثل إثيوبيا والاتحاد الافريقي وجيبوتى ومنظمة الايغاد وكينيا التى تستضيف حجماً كبيراً من السفارات والمنظمات الغربية. وخامساً: خلق تنمية اقتصادية إقليمية بتمويل وسيطرة تمويلية كاملة من صندوق النقد والبنك الدوليين وإبعاد المنطقة عن دائرة النفوذ المالي الصيني والروسي والمنافس للمنظومة الغربية. وأخيراً يتضمن التحول في منطقة القرن الأفريقي بناء قوة عسكرية تهدد وتؤمن المصالح الغربية في شمال ووسط وجنوب أفريقيا وهنا يتطور مفهوم القرن الافريقي الصغير إلى القرن الأفريقي الكبير الذي يضم كل دول شمال وشرق أفريقيا وهو ما يعرف بالساحل الشرقي لأفريقيا ويبدأ من مصر وينتهى في جنوب أفريقيا.

وتأتى خطورة مشروع القرن الأفريقي الجديد في أنها تحولت فعلياً من مرحلة الفكرة والدراسات وورش العمل والتصريحات الإعلامية هنا وهناك إلى واقع، وانطلقت فيه مرحلة العمل من خلال انشاء دوائر في كل الدول الغربية حتى أصبح في كل دولة غربية إدارة للقرن الافريقي ومبعوث للقرن الأفريقي يقوم على تحقيق و تنفيذ وإنجاز والوصول إلى هذه الأهداف. إذاً هناك مشروع قائم ومستمر ويعمل وينفذ اسمه القرن الأفريقي الجديد.

إن وجود السودان في هذا الملف الخطير يتطلب من القوى السياسية السودانية والمؤسسات الوطنية السودانية أن لا تقع في فخ تنفيذ هذه المخططات المرسومة بدقة وأن يعمل السودان سريعاً عبر عدد من المحاور يمكن تلخيصها في سبع:

أولا: على إنهاء الحرب التي تستهدف وحدته والعمل على تقسيمه إلى دولتين عاصمتها في الخرطوم ونيالا ورفض كل المحاولات الإقليمية والدولية للابقاء على قوات الدعم السريع والمليشيات والقوى الأخرى الحاملة للسلاح عقب انتهاء الحرب، حتى لا تصبح مهدداً مستمراً للقوات المسلحة السودانية.

ثانياً: على السودان عدم الاعتراف بمبعوثي القرن الأفريقي والحذر من طلباتهم ومراقبة تحركاتهم ومشروعاتهم الإقليمية وتدخلاتهم في إعادة هيكلة الدولة السودانية والنظر إلى مبادراتهم بحذر ويقظة وانتباه.

ثالثاً: خروج السودان فوراً من عزلته الدولية والعقوبات التي تحاول الدول فرضها عليه وعدم الاعتراف بحكومته المدنية المؤقتة والانتقال باجراءات دستورية إلى انتخابات في أسرع فرصة بعد انتهاء الحرب.

رابعاً: على السودان التقارب مع مصر لايجاد حل سريع وقانوني بدعم من الدول العربية والافريقية والمجتمع الدولي لتجنب حرباً في المنطقة على المياه.

خامساً: على السودان تنويع خياراته العسكرية والاقتصادية وأن لا يدخل في أي محور من المحاور، وجلب قوى منافسة وندية وجديدة للقرن الأفريقي مثل الصين وروسيا والهند و تركيا والبرازيل و الدول المهادنة وغير المناوئة من الدول الغربية. سادساُ: عدم التعامل مع الدول الغربية ككتلة واحدة فبالرغم من مايظهره الغرب من اتحاد و اتفاق وتكتل إلا أن الانقسامات موجودة والشروخات والتصدعات والانشقاقات واردة إذا تم التركيز عليها، و خير مثال على ذلك الخلافات الغربية على الملف الاوكراني.

أخيراُ على السودان الحفاظ على هويته الخاصة كدولة جامعة و تربط وتصل الحضارات العربية بالافريقية بالاسلامية بالمسيحية وخلق نموذج سياسي قوى ومعتدل يدير الاختلاف والتنوع والتعدد لأن السودان القوى وموحد داخليا قادر على إحباط أي محاولات خارجية لتطويعه لخدمة أجندات ومشروعات إقليمية أو دولية أو أن يكون مهدداً لمحيطه وجيرانه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى