فيما أرى
عادل الباز
1
أربك خطاب الجنجويدي أمس حسابات كثيرة في الساحة السياسية، ونقل ملعب الصراع نقلة نوعية وسّع فيها دائرة عداوته وأحبط حلفاءه بخطابه المتناقض، وتركهم يعانون داء (هاء السكت) منذ الأمس، إذ لم ترحب أو تدن (تقدم)، بل لم تعلق على ما جاء في الخطاب.
الخطاب الذي شن فيه هجومًا غير مسبوق على المجتمع الدولي واتهمه بتدمير السودان، ثم أعلن الحرب على مصر والإسلاميين والشايقية، وذكر سبع دول قال إنها داعمة للجيش. أما الجيش نفسه فقال إنه تم دحره منذ زمن، وأنه الآن يقاتل كتائب الإسلاميين!!
الحقيقة أنني لم أصدق أن حميتي مات إلا بالأمس؛ فقد مات فعلاً حين مات ضميره الذي رضي وبرر كل الجرائم. مات حين فاض خطابه بالأكاذيب وتعامى عن الحقائق المجردة التي يراها الجميع. مثل هذا الجنجويدى باطن الأرض أفضل له وللبشرية من ظاهرها.
2
أهم ما جاء في الخطاب الذي احتوى على كل الإحباطات هو ما أسماه الخطة (ب) حين قال: “سننتقل في معركتنا مع مليشيا وفلول البرهان إلى الخطة (ب)”، ما هي تلك الخطة الجديدة التي سينتقل إليها هذا الجنجويدي؟
يمكننا أن نرى مؤشرات تلك الخطة في عدد من الإشارات التي وردت في الخطاب. فقد أعلن الجنجويدي أمس حالة الطوارئ والاستنفار العام لكل الجنود، ودعاهم للتبليغ فورًا إلى أقرب وحدة. وهذا النداء يشير إلى أمرين: الأول، أن المليشيا تعاني نقصًا هائلًا في الكوادر البشرية والمقاتلين في ساحات المعارك الآن. الثاني، أن هذا النداء يأتي في إطار حشد لتنفيذ مهام الخطة (ب)، وهي الخطة التي قال أمس إنه يحشد لها الآن مليون مقاتل!!
3
في الخطاب، ركز الجنجويدي كثيرًا على قضية الحواضن،فقال: “لماذا لا يقصف الطيران الحربي مواقع انتشار قواتنا في حجر العسل والبسابير بولاية نهر النيل؟”. وهذا يعني أن الحواضن التي تستهدفها الخطة (ب) تقع في مناطقة محددة، مما يشير إلى رغبته في الرد باستهداف الحواضن التي ينتمي إليها (الفلول والشايقية)يعنى نقل الحرب إلى مناطق الشمالية وشندي تحديدا ويعني ايضا أن الخطة (ب) التي يحشد لها مليون مقاتل تستهدف مدن الشمال وليس مناطق بغرب السودان.
ما يؤكد ذلك هو الفيديو الذي انتشر قبل أيام في الوسائط، والذي أظهر مئات العربات المدججة بالسلاح والمقاتلين، والذين تعالت هتافاتهم ـ “كل القوة شندي جوه”. الحديث عن حواضن (الشايقية ) لا يخلو من تحريض لحواضن التمرد بغرب السودان لتدفع أبناءها مجددًا إلى محرقة الحرب، وهنا تأتي خطورة الخطة (ب) التي تسعى فيما يبدو إلى جر الصراع إلى ميدان الحرب الأهلية والقبلية
4.
الإشارات المهمة في خطاب حميدتي التي لها علاقة وثيقة بالخطة (ب) هي خلو الخطاب من أي حديث عن المفاوضات، ثم هجومه على المجتمع الدولي الذى اتهمه بالخداع والرغبة في عودة “الكيزان”، متسائلًا: “أنتو عاوزين تدمروا السودان؟”. الهجوم على المجتمع الدولي ينطوي على هجوم خفي على حلفائه في (تقدم)، باعتبار أن دورهم في هذه الحرب هو دفع المجتمع الدولي إلى جانب المليشيا والدفاع عنها ، يعني ذلك أن الخطة (ب) لن تأبه لنداءات المجتمع الدولي بعدم توسيع رقعة الحرب، ولن تكترث لما يقوله أو يفعله المجتمع الدولي المخادع. (هل كانت تكترث أصلًا حتى للقرارات الأممية التي دعته لعدم مهاجمة الفاشر)؟
5
من ملامح الخطة (ب) أيضًا أن هذه الخطة تبدو أنها الخطة النهائية التي ستحدد مستقبل الدعم السريع، إذ لن تكون بعدها أي خطة أخرى. فإما أن تنجح الخطة (ب) في تحقيق غاياتها أو تفشل، ويندثر معها التمرد نهائيًا.
خطة المليون مقاتل، الخطة (ب)، هي الخطة التي يقودها حميدتي بنفسه ولا أحد سواه، وبدأها بدعوة للاستنفار بنفسه وبلهجة حادة: “الماعايزين يبلغوا يقعدوا مع أخواتهم”. هناك تسريب نشره موقع “سودان تربيون” قبل يومين، يفيد بأن حميدتي وصل إلى الخرطوم قبل شهرين. وإذا صح هذا الخبر، فهذا يعني أنه قرر قيادة المعارك النهائية عبر الخطة (ب) بنفسه. ما يعزز احتمال صحة الخبر هو الهجوم على مصر، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يفعله حميدتي وهو في الإمارات، إذ سيخلق ذلك إشكالات كبيرة في العلاقات بين البلدين
6
إذن، تقوم الخطة (ب) على حشد مليون مقاتل،وتعبئة وتحريض القبائل في حواضن التمرد في غرب السودان ،كما تهدف إلى تحويل طبيعة الحرب الجارية إلى حرب أهلية. وهي خطة لا تأبه للمجتمع الدولي، يقودها الجنجويدي بنفسه في الميدان. ما مصير تلك الخطة؟ سنرى في الحلقة القادمة.