ما بين تحديات إيقاف الحرب عسكرياً وفرص إيقافها بالسياسة .. نصف رأي
أبوبكر محمد أحمد إبراهيم
لا أظن أن المتابعين للوقائع يختلفون حول وصف إيقاع هذه الحرب، بوتيرتها الحالية، بأنه يزيد من معاناة الناس من جهة ويعقد الحلول العسكرية والسياسية من جهة أخرى. وتفصيل ذلك أن في كل ساعة تمر هناك موت وفاقة متعاظمة ومرضى بلا علاج ونزوح، وفر من أماكن النزوح، وتهديد بمجاعة وفجوات غذائية في دولة تمتلك أرض هي من أخصب الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. والسبب، في كل ذلك، آلة القتل التي يمتلكها الأوباش بإمداد خارجي ممنهج ومنظم لا قبل للجيش بمثيله، وبسبب العجز السياسي -في الأساس- عن احتواء حالة الاحتقان الأمني والعسكري، وتغييب الحس الوطني، الذي أفضى بدوره لهذا التمرد الخبيث.
تشير الوقائع، بحسب رأي فني، إلى أن خيار الحسم العسكري يتطلب أن يَتَبِع الجيش طريقة العدو ومنهجه في المباغتة والهجوم السريع والخفة في الحركة، لكن ذلك يتطلب إمداد الجيش بنيران كثيفة ووسائل حركة سريعة وذخيرة كثيرة، وخبرة تسند الجنود بالتخطيط والمراقبة والإشراف. وهي مطلوبات وإن كانت لا تتوفر بعد لدى القيادة العسكرية الميدانية فإن المسؤولية الوطنية تفرض على المدنيين، فرض عين، الضغط إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً لصالح تعزيز علاقات المؤسسة العسكرية مع أطراف خارجية بحيث توفر لها هذا النوع من الإمداد العسكري وأن تمارس، تلك الجهات الخارجية بالتنسيق مع الجيش، نفوذها في المحافل الدولية لتمنع مساعي محاصرته بقرارات تحد من قدراته على التسليح بذريعة أنها حرب جنرالين أو ما شابه.
من السذاجة، بالطبع، أن يتوهم الناس أن يتوفر شيء من ذلك الإسناد الخارجي من غير تفاهمات حول مصالح مشتركة بين الجيش والطرف/الأطراف الخارجية. وإذا صح ذلك فإن مصلحة السودان العاجلة تتمثل في إنهاء هذه الحرب لصالح بقاء الدولة وتعافيها. غير أن هذه الحاجة الملحة يجب أن تكون في إطار رؤية استراتيجية، وهي رؤية تستوجب على الجيش أن ينفتح على نخبة منتقاة -بمعايير وطنية بحتة- من أهل الرأي والمشورة والخبرة، ليعاونوه في تطوير تلك الرؤية؛ ففي ذلك بناء للثقة بين الجيش والمدنيين، كما فيه شيء كثير من حماية المصالح الوطنية (في غياب البرلمان) التي قد تفوت على العسكريين بسبب ضغوط وقائع الحرب.
بالتوازي مع هذه الخطوة، وتعزيزاً لجهود إيقاف الحرب وإشاعة روح التسامح والسلام، يُنتظر من المدنيين الكف عن الاصطفاف المبني على الخوف من الخصوم السياسيين، فهو اصطفاف مبناه على الكراهية والرغبة في إفشال خطط الخصم السياسي. عليهم، في المقابل، أن يشرعوا في حوار وطني شجاع لخلق نوع مختلف من الاصطفاف حول القضايا الوطنية العاجلة، ذات الأولوية. وليست ثمة قضية عاجلة أكثر من الحاجة إلى إيقاف هذه الحرب وتدارك تداعياتها الإنسانية والاجتماعية والأمنية، فإيقاف الحرب بالسياسة أولى من الإصرار على حسمها عسكريًا بمنهجية خاطئة الأرجح أنها لن تثمر -بالضرورة- حلولاً مستدامة.
إنني أدعي أن ثمة حاجة ملحة إلى حوار سوداني سوداني شامل، تنهض للتأكيد عليه جملة من المبادرات والمناقشات التي تنتظم حالياً في أكثر من عاصمة في الإقليم وحول العالم، بين مجموعات من السودانيين، غير أن ثمرة مثل هذا الحوار المأمول، الذي تنشده تلك المناقشات، لن ترى النور إن ترك حل الأزمة لممتهني السياسة، ممن يتكسب بها. مع الإقرار بإن السياسة بلا أحزاب لا تكون، وأن السياسة والأحزاب بلا مجموعات تفكير نوع من الجنون حصدنا نتائجه المرة في هذه الحرب، والتي هي -في شكل من أشكالها- تعبير بالسنان والنيران عن بلوغ حالة الفشل عن حلحلة أزماتنا المتراكمة.
يا أهل الرأي، يا عقلاء السودان، اتحدوا وتقدموا الفعل السياسي وكفوا عن تحليل أفعال الفاشلين الذين أوقعوا البلاد في أسوأ أزماتها على الإطلاق. أقدموا ولا تتهيبوا اغتنام الفرصة، وطننا يستحق الأفضل؛ والله الموفق.