كيف يتجنب السودان مخطط تحطيم صناعته النفطية؟

الأحداث – عبدالباسط إدريس

تواجه الصناعة النفطية في السودان شبح الإنهيار الكامل وتوقف المنشآت عبر مخطط وإن بدت مظاهره ونتائجه تظهر للعيان مع حرب أبريل إلا أنه بوجهة نظر البعض ظل هدفاً مركزياً لمخطط خارجي ظل يعمل لسنوات لتدمير الصناعات النفطية.

معدلات نمو :

وبفضل الإنتاج النفطي وامتلاك السودان لبنيات تحتية قوية، تمثلت في امتلاكه مصفيين للتكرير وخطوط نقل وإمداد وموقع ساحلي مميز تمكن من تحقيق أعلى معدل نمو له بمقدار 10% متجاوزاً توقعات البنك الدولي.

وفي عام 2008، قال البنك الدولي في تقرير إن السودان ارتقى للمرتبة 64 عالمياً والثامن عربياً من حيث تحقيق معدلات نمو عالية وفقاً لاستعراض الخبير الاقتصادي د. محمد الناير للتقرير.

 

ارتباط بالجنوب:

ويرتبط مشروع النفط السوداني بدولة جنوب السودان، حتى بعد انفصال الجنوب واستئثاره باكثر من 70% من إنتاج النفط، لكن حرب 15 أبريل، دفعت مليشيا الدعم السريع للاحتماء بالمنشآت النفطية وإحالتها لثكنات عسكرية ومراكز لوجستية للتزود بالأسلحة والوقود وغرف للقيادة لإدارة عملياتها العسكرية في حربها على الدولة السودانية بجانب ذلك أحدثت المليشيا تخريباً ممنهجاً لخطوط نقل النفط، أدى لتوقف تصدير نفط دولة جنوب السودان الذى يصدر بطبيعة الحال، عبر السودان، ووفقاً لوزير المالية في حكومة جوبا فإن توقف تصدير النفط أفقد جنوب السودان مبلغ 100 مليون دولار شهرياً، كما تسبب في عدم صرف مرتبات موظفي حكومة بلاده لأكثر من 6 أشهر.

 

خط أحمر :

والأيام الماضية احتضنت بورتسودان محادثات بين مستشار رئيس جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك، مع وزير الطاقة والنفط السوداني محي الدين نعيم سعد عملية إعادة تصدير نفط الجنوب، وذكر تعميم صحفي صادر عن الوزارة، أن الوزير محي الدين، وصف العلاقات بين السودان وجنوب السودان بالاستراتيجية، لاسيما في مجال القطاع النفطي، مشدداً على أن مصالح البلدين في هذا القطاع “خط أحمر”، وكشف عن توجيهات رئيس مجلس السيادة بالتعاون والتنسيق بين البلدين حتى يكتمل العمل في استئناف صادرات بترول جنوب السودان.

 

الأزمة فى جوبا:

ولاتبدو إشارة وزير النفط السوداني التي تستبطن التحذير من التناول الإعلامي السالب لعلاقات الخرطوم وجوبا أو التنبيه لعدم المساس بمصالح السودان الاستراتيجية خاصة النفطية منها التي وصفها “بالخط الأحمر” لاتبدو أكثر اتساقاً مع حقائق الأشياء، فالواقع يقول إن تخريب المنشآت النفطية الوطنية السودانية وتوقف تصدير بترول الجنوب، تتم بمشاركة مرتزقة من جنوب السودان يقاتلون في صفوف المليشيا، وذلك بشهادة تقرير لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة، ورغم أن التقرير نفسه استبعد علم حكومة جوبا بتواجد أولئك المرتزقة، إلا أن حكومة جوبا مطالبة بلعب دور إيجابي للحد من مظاهر الدفع بالملايش الجنوبية لمشاركة مليشيا حميدتي قتل السودانيين وتدمير مرافق البلاد الاقتصادية الحيوية، ليس لما يجمع البلدين والشعبين من جوار ومصالح وحسب، ولكن بموجب التزامات حكومة جوبا بأهمية الحفاظ على السلام الإقليمي واتفاقيات القضاء على القوة السالبة ومكافحة الإرهاب.

ومع ذلك يبدو الأمر الأكثر أهمية لحكومة جوبا، إدراكها أن اتفاقيات التعاون ال(9) التي تم التوصل إليها بين السودانيين، بما في ذلك اتفاقيتي الأمن والنفط، كافية لصيانة علاقات البلدين وأدعى لاستكمال تنفيذها والالتزام بها.

 

الانتقالية.. مدخل التدمير:

داخلياً أسهمت الخطة الخارجية عبر السلطة الانتقالية بقيادة د.عبدالله حمدوك في استهداف صناعة النفط السودانية، وعمدت حكومة حمدوك على عدم الاكتراث بتمويل صيانة المنشآت وتوفير الأمن بمواقع الإنتاج المحلية وبإحداث عملية تجريف واسعة بمؤسسات الطاقة استهدفت تشريد وفصل الكفاءات الوظيفية الفنية العاملة بالقطاع، ومحاولة تصفيته عبر لجنة التمكين، الأمر الذي انعكس على انخفاض معدلات إنتاج النفط إلى أقل من 60 ألف برميل يومياً عما كان عليه قبل بداية الفترة الانتقالية حيث ظل يتراوح الإنتاج بين 75-80 ألف برميل يومياً.

 

استهداف الشركات:

وكانت ثلاثة شركات عالمية كبرى عاملة في استخراج وصناعة النفط في السودان قد أنذرت حكومة حمدوك، بمغادرة البلاد والتوقف عن العمل في الحقول النفطية السودانية التي لم تعد واعدة لتلك الشركات التي دخلت إلى البلاد وفق معادلات تجارية قائمة على تحقيق الفوائد المالية التي بقرائن الأحوال لم تعد ممكنة في ظل ما وصفته تلك الشركات بتلكؤ الشريك وانفصال الجنوب وتراجع الإنتاج النفطي بمعدلات متسارعة، ليفتح هذا الإنسحاب الذي وصفه حينها وزير النفط في الحكومة الانتقالية، بأنه مفاجئ أسئلة أخرى حائرة من شاكلة الجهة التي ستكون مسؤولة عن التكلفة التشغيلية للحقول المنتجة والبدائل المتاحة للتعامل مع الواقع الجديد بالنسبة لتكلفة الاستكشاف النفطي في ظل تأكيدات عديدة بانتهاء التعاقدات الرسمية المنظمة لعملية إنتاج النفط وتقاسم عائداته بين الحكومة السودانية السابقة والشركات النفطية في هذا العام.

في وقت يشهد فيه السودان أزمة اقتصادية متفاقمة، وعجز في توفر الوقود ومشتقاته وحاجة متجددة في ظل دخول ملايين السيارات الجديدة للبلاد خلال الأعوام السابقة والتوسع في الأنشطة الزراعية والكهرباء.

يقول مصدر مطلع بوزارة النفط إن ما أعلن عنه وزير النفط الجديد من أنه فوجئ بانسحاب ثلاثة شركات، أجنبية عاملة في مجال النفط، أمر ليس جديد، مؤكداً أنه الإنذار الثالث الذي ظلت تصدره تلك الشركات، التي ستنتهي عقوداتها الرسمية التي أبرمت مع الحكومة السابقة في هذا العام، وكشف عن مطالبة تلك الشركات للسودان بمبلغ ثلاثة مليارات دولار، وقال إن الحكومة السابقة لم تتعامل مع ديون الشركات بشكل جدي وعوضاً عن الاتفاق على كيفية سداد تلك المبالغ طالب المفاوض الحكومي تلك الشركات بضخ مزيد من الأموال لاستكشافات نفطية جديدة وتطوير الحقول القائمة، وأشار إلى ان الحكومة السابقة كانت تراهن على علاقتها السياسية الجيدة مع الدول التي تتبع لها تلك الشركات، حيث أتضح أن الشركات العاملة في مجال النفط وإن كانت أغلب أسهمها ملك لتلك الحكومات، إلا أنها تعمل على أساس تجاري أكثر من أي إعتبارات أخرى.

 

فصل من الشراكة:

حتى عام 2011، تاريخ إنفصال الجنوب ظلت شركات سي إن بي سي الصينية وبتروناس الماليزية، أو إن بي سي الهندية، تعمل ضمن تجمع تجاري كبير وبشراكة مع حكومة الرئيس السابق عمر البشير، في صناعة النفط الذي وصل أعلى سقوفه الإنتاجية محققاً مايزيد عن نصف مليون برميل يومياً، شهد خلالها السودان إزدهار إقتصادي حقق بموجبه قدر من التنمية، ولكن عقب انفصال الجنوب الذي بموجبه آلت الحقول الرئيسية المنتجة للدولة الوليدة بموجب إتفاقيات الترتيبات المالية الإنتقالية وتقاسم الأصول بين البلدين، تراجع النفط المنتج ليصل نحو 240 ألف برميل يومياً قبل الحرب الجنوبية الجنوبية، أما السودان الذي آلت إليه منشآت النفط من خطوط ناقلة ومصفاة، فضلاً عن امتلاكه مينائي تصدير في سواكن وبورتسودان شرقي البلاد، فما يزال يعمل مع هذه الشركات في الإنتاج.

وعقب تدهور الأوضاع الاقتصادية والتعقيدات الفنية المرتبطة بعمل المصفاة الذي يتطلب نحو 110 ألف برميل يومياً، اتجهت الحكومة السابقة، للاستدانة من نفط الشركات لتشغيل المصفاة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لتقليص العجز في ميزانها التجاري، وكانت الحكومة حتى نهاية عام 2013 تقوم بسداد 50 مليون دولار شهرياً لتلك الشركات، ووفقاً لوزير مالية سابق –رفض ذكر اسمه- قال إن عملية الاستدانة كانت تتم وفق اتفاقية تقاسم عائدات النفط بين الحكومة والشركات الأجنبية العاملة والتي تنص على أنه في حالة الحاجة القصوى للسودان يحق للحكومة الاقتراض من نصيب نفط الشركات شريطة سداده بالسعر العالمي وعبر العملة الأجنبية. لكن الوزير قال إن تدهور الأوضاع بعد ذلك أدى لعجز الحكومة عن الالتزام بسداد استحقاقات الشركات التي وصلت لثلاثة مليارات دولار، مؤكداً أن واحدة من أسباب تعقيد القضية إحالة ملف الشركات من وزارة النفط لوزارة المالية، التي لم تكن تملك إجابة غير عدم توفر مبالغ لسداد ديون الشركات، خاصة بعد أن تعقدت المفاوضات عقب مطالب الشركات بنسبة 15% من خطوط نقل البترول البالغ طولها 110 كيلومترات من داخل دولة جنوب السودان وحتى المصفاة وميناء الصادر.

 

خلفية تاريخية و(صفقة شفرون):

صفقة  شفرون

كثير من خبراء النفط يرون أن هذه الشركات وإن عملت على جلب التكنلوجيا، والعمل في تأسيس المنشآت النفطية، إلا أنها وجدت نفطاً مكتشفاً ولم تتجه للعمل على استكشافات جديدة، وهنا يقول وزير سابق في حكومة البشير، أشرف على التفاوض مع شركة شفرون الأمريكية، في إفادات سابقة ل(الأحداث) إن الشركات العاملة في البلاد لم تضخ أموالاً للاستكشافات إذ أنها عملت مباشرة على الحقول التي تم إكتشافها بواسطة شركة شفرون الأمريكية، أشار إلى أنه عندما تفاوض معهم للعودة، خلال بداية التسعينيات رفضوا العودة بحجة أن لديهم عقودات نفطية في دول الاتحاد السوفيتي بقيمة عشرون مليار دولار، مؤكداً أن التفاوض انتهى بينهم لبيع شفرون عدد 144 بئر خاصة بها في السودان، بعد اشتراطها بعدم بيعها للحكومة السودانية وأضاف المسؤول “شفرون قالت إنها أنفقت مليار دولار في استكشافات السودان وقمنا بشراء آبارها عبر وسيط بمبلغ 18 مليون دولار فقط”.

 

تبديد أموال

وأثارت أموال النفط وماتزال جدلاً واسعاً بالأوساط السياسية والاقتصادية وخلال الفترة الانتقالية، واتهم نائب رئيس الوزراء السابق ووزير الاستثمار في حكومة البشير مبارك الفاضل حكومة المعزول  بتبديد 70 مليار دولار تحصل عليها نظام البشير من عائدات النفط في الفترة من عام 2001 وحتى عام 2011، وقال الفاضل الذي يقود حزب الأمة وكان جزء من إئتلاف سياسي مشارك في الحكومة حتى سقوطها إن النفط كان يشكل أكثر من نصف إيرادات الخزينة العامة و80 بالمائة من دخل العملات الحرة لكن الحكومة السابقة أهملت إعادة هيكلة الاقتصاد ما أدى لحدوث فجوة مزدوجة في شكل عجز للموازنة وميزان المدفوعات.

Exit mobile version