كيف استعدت مصر لمواجهة تحديات سد النهضة؟

منذ أن بدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة، كان واضحًا أن مصر تتعامل مع القضية باعتبارها مسألة حياة أو موت. فالنيل بالنسبة للمصريين ليس مجرد نهر، بل هو عمود الحياة وسبب الاستقرار منذ آلاف السنين. ومن هنا لم تكتف القاهرة بالمسار الدبلوماسي وحده، بل اتجهت إلى الداخل، وبذلت جهدًا واسعًا في مشروعات كبرى تجعلها قادرة على مواجهة أي طارئ.
فعلى صعيد البنية التحتية، برزت بحيرة ناصر كسد استراتيجي ضخم قادر على امتصاص الصدمات، وأعيد تفعيل مفيض توشكى ليستوعب الفوائض المائية. كما دشّنت مصر قناطر أسيوط الجديدة وقناطر ديروط لرفع كفاءة توزيع المياه، وأقامت سحارة سرابيوم لتوصيل المياه إلى سيناء في إطار خطة أوسع للتنمية الزراعية هناك.
أما في جانب إدارة الموارد، فقد دخلت مصر في سباق مع الزمن لتقليل الفواقد، فأطلقت مشروع تبطين الترع، وأقامت محطات معالجة عملاقة مثل بحر البقر والمحسمة، لتعيد استخدام المياه وتضيف مليارات الأمتار المكعبة إلى رصيدها. وفي نفس الوقت، توسعت الدولة في مشروعات توشكي والدلتا الجديدة لتعمير الصحراء الغربية وزيادة الرقعة الزراعية، في خطوة تؤكد أن التنمية الزراعية جزء لا يتجزأ من استراتيجية الأمن المائي.
اللافت أن هذه الإجراءات لم تكن مجرد رد فعل آني، بل جاءت في إطار رؤية شاملة تهدف إلى تقليل المخاطر وتعظيم الفوائد. وعندما نسلط الضوء على التجربة المصرية، فإن الغرض ليس المقارنة أو المفاضلة، وإنما البحث عن أفضل الممارسات (Best Practices) التي يمكن الاستفادة منها، خاصة وأن السودان يواجه تحديات مشابهة.
السودان، عاش خلال الفترة ذاتها حالة من عدم الاستقرار السياسي، انتهت بحرب مدمرة أرهقت مؤسسات الدولة وعطلت استعدادها لمثل هذه الملفات. ومع ذلك، يبقى المثل المعروف حاضرًا: “ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه”. فسد النهضة أصبح واقعًا لا مفر منه، والواجب أن نتعامل معه بعقلية جديدة وخطط واضحة تقلل المخاطر وتفتح الباب أمام الاستفادة من أي فرصة ممكنة.
التجربة المصرية تحمل درساً مهمًا: أن مواجهة التحديات الكبرى تحتاج إلى تخطيط مبكر واستثمار في البنية التحتية. ومن يتأخر، يجد نفسه في موقف أصعب. في النهاية، يظل نهر النيل قدرًا مشتركًا بين شعوب المنطقة، ولا سبيل للحفاظ عليه إلا بالتعاون والتفكير الاستراتيجي بعيد المدى.

Exit mobile version