في محبة الفنان سبت عثمان..
أنس العاقب: سبت لم يجرفه تيار التقليد والمشابهة
مخاوي: شارع بإسم سبت وقاعة قليل في حقه
الأحداث – ماجدة حسن
بعد انتشار شائعة وفاته، قد يبكي سبت بدموع الفرح بعد أن يقرأ مداد المحبة الذي ملأ الصفحات بسيرته المضيئة. ولعل أبرز ماكتب عنه ورصدته (الأحداث) ماتناوله المخرج التلفزيوني محمد مخاوي والموسيقار أنس العاقب، وبعد أن تأكد أن ما أثير عن وفاة سبت مجرد شائعة.
وقال مخاوي “كنت أود حذف المنشور بعد تيقني من أن الخبر إشاعة لكنني رأيت محبة الناس لسبت فقررت أن يبقى المنشور وتبقى محبة الناس فيه.. طيب الله أيام سبت وزادها ونفعنا بفنه.
علامة في الفن السوداني
وقال مخاوي “يعرف الناس قيمة البعض بعد موتهم وربما بعد وقت طويل من الموت وأظن أن سبت عثمان يدرك الذين يتابعون الفن السوداني إنه كان علامة فارقه، جاء ذلك الرجل في السبعينيات من القرن الماضي، جاء عازفاً للإيقاع في فرقة الفنون الشعبيه ممتلئ بإيقاعات تلك المنطقة الغامضة، جميلاً مثلها، بساما ضحاكا متجاوزا لقيود المجتمع في التفريق بين الناس، حفظ الإيقاعات خلف كبار الفنانين مثل أحمد المصطفى وعثمان حسين وحين يأوي الناس للراحة كان يجلس إلى ربابته فيجتمع الناس حوله يغني بالعربي وبلغته فيطرب الناس حتى إلتقطه الخبراء فكتب عبدالله أميقو عليه رحمة الله أغنياته وعرفت الإذاعه قيمة ما يغني فحفظته في مكتبتها”، وأضاف “في جلسة بإتحاد الفنانين كان سبت يمازح هذا ويضاحك ذاك فناداه أميقو، وقتها بدأت تظهر فكرة أغنيات الفيديو كلبس قال له إذهب إلى التلفزيون وطالبهم بحقك، رد سبت إنهم لايحفلون، عاجلنا خليل إسماعيل الذي كان يتابع الحوار هم يلقو زيك وين، ضحكنا جميعا، قال لي أميقو الزول دا وحواء رمضان خليتهم ليك في ذمتك.. إعتبرت الأمر شيئا عارضا حتى قابلت بعد أسبوعين عبدالله أميقو فسألني ولا أخفي حرجي قلت له كنت مسافرا وسأبدا في الأمر غدا. ولأن الله أراد لنا البداية جاء سبت في نفس اليوم.. جلست وحددنا 5 أغنيات سمعتها ورفعت تصوري للتلفزيون كنت في بداية حياتي مخرجا تلفزيونيا ولسوء حظي كان مدير البرامج وقتها لا يعرف كثير شئ عن سبت فقال لا يمكن أن أستغني عن عربة وكاميرا لمدى أسبوعين من أجل مخرج مبتدئ وفنان لا يعرفه أحد ويبدو إنه أكمل وصفا عنصريا ولأن الناس في السودان لا تعرف الصمت فقد بلغ الحديث سبت، جاءني وتكاد الدموع تطفر من عينيه قلت له كلمات هي حقه إذا لم ير الناس الشمس فليس العيب فيها، وذكرته بموقف الألمان حين قدم عرضا في كولون وكان معه فنانون على درجه عالية من الشهرة في السودان لكن مسؤولو كولون إختاروه هو وحافظ عبدالرحمن فقط لتسجيل أعمالها، وظللت أتحايل عليه حتى ضحك وإن ضحك سبت فذلك ضبط المصنع.. قلت له سأجد حلا. لم تكن خياراتي واسعة فإتكأت على صديق.. كانت لليسع شركة صغيرة ذهبت إليه وشرحت أمر سبت كاملا، سكت ثم قال أنا لا أستطيع دفع تكاليف رحلة للنيل الأزرق لكني لن أترك سبت وحده وسأنتج له أغنية حتي لو إشتراها التلفزيون بالخسارة وكنا معجبين بأغنية حليمة فقمنا بتسجيلها، وقتها كانت للتو ظهرت ماكينات المونتاج في التلفزيون عرضت الأمر على الصديق بابكر الحاج فتحمس له وحين إنتهي المونتاج جلسنا حول سبت، وحين انتهت الأغنيه إحتضننا سوياً وهو يبكي كطفل لم نك نعلم قيمة ما صنعنا حتى راجت الأغنية.. قال لي أميقو ضاحكا لمدة طويلة كان سبت نجم إتحاد الفنانين في أغنيات الكلبس كانوا يعلقون على مروره وهو يرد ضاحكا وهذا شأن سبت وفاء وأغنيه وضحكة جاءت من النيل الأزرق فعبق بها السودان كله وصار يغني حليمة”.
وفاء بالوعد
ويضيف مخاوي “ثم اختلفت الدروب وإنشغلت إلى أن هاتفني مرة قال لي عندكم ولد شاب داير يشتغل معاي رأيك شنو قلت له لا تتردد خذ حقك وحين عرفت أن الطيب صديق سيقوم بالإخراج هناك في النيل الأزرق فرحت جداً وكان عملا جميلا قادني إلى فكرة أن تقوم النيل الأزرق بتكريم سبت عثمان، اتصلت بالوزير عيسى وبجامعة النيل الأزرق فوافقت الجامعة على إطلاق إسمه على إحدى القاعات وأن يسمي شارعا في الدمازين بإسمه، ووعد اتحاد المزارعين بقيادة عبدالحليم بتقديم دعم له، ووعد الوزير الشاعر بأن تقيم الولاية تكريما يليق به وتنتج كل أغنياته في اجمل مناطق النيل الأزرق واتفقنا أن نلتقي على خريف 2023 فقامت الحرب، وأنا أنشر ذلك الإتفاق أعلم أن أهل النيل الازرق لا ينكثون عهودهم فشارع بإسم سبت وقاعة قليل في حق رجل شال النيل الأزرق على كتفه لأكثر من نصف قرن كان حاديها وأجمل ممثليها.. سبت مسيرة مليئة بالفن والأخلاق والتجاوز، فسبت مثل عوض دكام وأبوداؤود ومحمد جبريل كانوا جسورا عبر بها مجتمعنا من الأمراض إلى الصحة والتفهم.
إبداع وتطور
يقول الموسيقار أنس العاقب
إن سبت عثمان القادم من تخوم ولاية النيل الأزرق منذ أن استقر به المطاف في ام درمان قاد قدميه إلى حيث موقع اتحاد الفنانين، ولاستكمال تسجيل العضوية واستخراج بطاقاتها وأذكر أن الممثل عثمان جمال الدين رحمه الله كان هو الذي يقوم بهذه المهمة في النهار وقد سلمني بطاقة العضوية بعد أن وقع عليها، وهناك التقيت بالصبي سبت عثمان الذي لم يتعدى العشرين، وتصادفت لقاءاتي به نهارا في اتحاد الممثلين ومساء في اتحاد الفنانين، وقد لوحظ شغف الصبي سبت بالغناء والموسيقى ومواظبته الحضور وتبرعه ومبادرته القيام بأعمال بسيطة، وما يكلفه بها أعضاء الاتحاد، ومن شدة كلفه بالموسيقي وبحكم ما نشأ بيننا من إلفة أراني أول ٱله موسيقية من صنعه وهي عبارة عن خشبة مستطيلة مثبت على مسامير 4 أوتار من السلك مشدودة بالطول الى 4 مسامير وشدها بحيث تصدر أصواتاً مختلفة، وكان برغم عدم توافقها يمارس الغناء عليها باسلوب عزف يشبه عزف الطمبور، وهكذا كانت بدايات الصبي سبت الذي لم تهدأ تجاربه في تصنيع الآلة التي تتوق لها موهبته المتشبعة بتراث أهله وعشيرته ثم تمكن بعد جهد جهيد من شراء ٱلة العود، وأضاف العاقب: “أعتقد أن سبت تلقى أولى مبادئ العزف ممن كانوا يجمعون بين عطفهم وحبهم لسبت عثمان ذلك لانه تمتع بأخلاق طيبة، وكان أمينا صبورا تجاوز بالصفح عن الذين لم يلتفتوا لموهبته التي كانت تنتظر أن تنطلق كغيره من الفنانين الواعدين الذين تصفق لهم الأقلام قبل الانطلاق فلم يجد سبت غير أن يصاحب الفنانين كعازف إيقاع على الأقل ليثبت الوجود بالقرب ثم ليكسب عيشه ولكن سبت ظل يطور نفسه فأجاد العزف على العود واخضعه لمقامات وإيقاعات الإقليم الذي ينتمي إليه وأعلم جيداً أن الفنان سبت عثمان وبحسب معرفتي به لم يجرفه تيار التقليد والمشابهه بل لم يفكر في مجاراة أساليب الغناء الشمال وسطي السائد المسيطر، فظل الفنان سبت عثمان موالياً ومستمسكا بهويته الفنية السودانية الاصيلة ولم نحفل به كثيراً”.