في قبقبة: الذهب الذي غيّر مجرى السّيول

في خريف العام الماضي 2024، تضرّرت البنية التحتية لمدينة أبوحمد في ولاية نهر النيل، بفعل مُعدّلات هطول الأمطار العالية واندفاع السيول، رغم تحذيرات وحدة الإنذار المبكر بوحدة الأرصاد الجوية السودانية التي وصفت درجة الخطورة بالقصوى. وقد أحصت منظمات محلية 24,104 منازل و150 مرفقاً خدمياً، انهارت جميعها. لم يكن ذلك بفعل الطبيعة وحدها؛ فقد عمت المنطقةَ آثارُ التعدين التي بدورها غيرت من اتجاهات مجاري الأودية والسيول وطبوغرافيا المنطقة.
إلى الشمال من مدينة أبوحمد، تقع منطقة وادي قبقبة، وتبعد عنها حوالي 85 كيلومتراً، وهي أراضٍ صحراوية سهلية، تتخلَّلُها سلاسل من الجبال والتلال. ورغم وعورتها إلا أنها غنية بمعدن الذهب، ما جعلها مركزاً لتعدينه وإنتاجه منذ حقبة الحضارة المرَوية حتى يومنا هذا، وتقع ضمن «فالق كيراف» الممتد حتى الحدود مع دولة مصر.
وتعد قبقبة إحدى أكبر مناطق التعدين عن الذهب في السودان حالياً، وواحدة من أغنى المناطق بالمعدن النفيس. ولا يقتصر نشاط التعدين في المنطقة على الشركات، بل يشمل التعدين الأهلي «التقليدي»، الذي بدأ في 2008 وارتفعت معدّلاته منذ استقلال جنوب السودان في 2011 وفقدان البلاد ما يفوق الـ 90% من ناتج النفط، والضائقة الاقتصادية التي تبعت ذلك واستمرّت منذئذ. وبسبب انهيار قيمة العملة المحلية المتلاحق أمام العملات الأجنبية، ثم لاحقاً بسبب الحرب وانعدام الأمان في مناطق كثيرة من السودان، شهدت المنطقة وفود هجرات عدّة من مختلف مناطق السودان، بحثاً عن المعدن النفيس.
ومنذ العام 1999 وحتى 2001، كانت قد استمرت بحوث أجراها برنامج إقليمي لمكتب البحوث الجيولوجية والتعدين الفرنسي بالتعاون مع هيئة الأبحاث الجيولوجية السودانية، نتج عنها الكشف عن رواسب المعدن النفيس في مناطق مختلفة بالبلاد.
ما وراء البريق
في العام 2008، وقّعت شركة مناجم المغربية وشريكتها نورينغ مايننغ الصينية، اتفاقاً مع الحكومة السودانية، مُمثّلة في وزارة المعادن، مُنحت الشركة على إثره امتياز الاستكشاف في السودان بمساحة تقارب 14 ألف كيلومتر مربع في ولاية نهر النيل، ومن ثمَّ بدأت عمليات استكشاف مُكثّفة ومستمرّة، نتج عنها الكشف عن رواسب الذهب. أنشأت شركة مناجم في العام 2012 وحدة إنتاجية تديرها شركة مانوب الفرعية التابعة لها، وقد أدى نجاح الأداء التشغيلي والاكتشافات المتتالية لاحتياطات الذهب، لإنشاء مصنع معالجة حديث وفق المعايير الدولية بحسب الشركة، إذ تلتزم الشركة في ديباجتها المُعلنة بالتحسين المستمر للنهج الاجتماعي والبيئي، وميثاق الرعاية المسؤولة.
وأعلنت مناجم في العام 2021 الاستحواذ على 65% من مشاريع توسعة منجم قبقبة، بعد إتمامها صفقة مع شركة وانباو الصينية. توقعت الشركة أن تبلغ تكلفة التوسعة 250 مليون دولار، ما يرفع القدرة الإنتاجية للمنجم إلى نحو 200 ألف أونصة ذهب سنوياً (الأونصة تعادل 28.35 غرام).
تَواصَلَ مراسل «أتَـر» مع مصادر ميدانية بالمنطقة، أكّدت أنّ الشركة الأكبر وصاحبة الامتياز بمنجم قبقبة هي شركة مانوب (الاسم التشغيلي لشركة مناجم)، وهو ما يتفق مع مشاهدات مراسل «أتَـر» الميدانية. تملك مانوب مصنعين لمعالجة الخام، وتعمل تحتها عدة شركات، منها شركة دال للتعدين، وتتولّى عمليات المناولة من المناجم. كذلك تعمل شركة دال في شرق وادي قبقبة، وفي الغرب تعمل شركة ساندرا، والعديد من شركات معالجة مخلفات التعدين؛ ومعظمها تضع سواتر ترابية ناتجة عن الحفر حول نطاق عملها، ما يغيّر في شكل الأودية والطبوغرافيا. على سبيل المثال، أحاطت شركة مناجم المغربية للتعدين مربع امتيازها بسواتر ترابية جرى حفرها حول المناجم ومقرات شركات المناولة، وأجريت آخر توسعة لمنطقة عمل الشركة في العام 2021.
إثر تلك التوسعة، اندلعت في أكتوبر 2021 (قبل انقلاب 25 أكتوبر) احتجاجات كبيرة في سوق الطواحين بقبقبة شمال أبوحمد. تجمّع نحو ثلاثة آلاف معدّن تقليدي، وأقدموا على إحراق مكتب إداري وخيمة تحصيل، وحاولوا اقتحام مقر شركة مناجم المغربية في مدينة أبوحمد. تدخّلت قوات الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع وبإطلاق أعيرة نارية في الهواء لتفريق المحتجّين، وأسفرت الأحداث عن إصابة ستة أشخاص نُقلوا إلى مستشفيات عطبرة وأبوحمد، وحُوّل أحدهم إلى الخرطوم. عقب ذلك، أعلنت وزارة الداخلية الدفع بقوات مشتركة من الشرطة والقوات المسلحة والدعم السريع وجهاز المخابرات لتأمين المنطقة واحتواء التوتر.
بالتزامن مع توسّع شركة مانوب وشركات المناولة التي تعمل معها في المنطقة، شهد التعدين الأهلي «التقليدي» بدَوره مزيداً من التوسّع، بعد نشأته في قبقبة عام 2008، ثمّ توسّعه الأوّل في 2011، لتحتلّ منطقة قبقبة صدارة المواقع التي ينشط فيها التعدين الأهلي في السودان. وقد أشارت دراسة أجريت في وادي العمار شمال الباوقة، إلى أنّ مساحات التعدين الأهلي حول نهر النيل زادت من 50 هكتاراً عام 2016، إلى 125 هكتاراً عام 2024. ورغم غياب الإحصاءات أو أي بيانات رسمية توضح عدد المعدنين بالمنطقة، إلا أنّ سوق قبقبة، الذي يقع بجوار معسكر الشركات، توسّع منذ نشأته سوقاً صغيراً في العام 2008، لتتفرع منه عدة أسواق تبعاً لتمدد التعدين التقليدي. ولغياب الرقابة على قطاع التعدين التقليدي، تُوضّح عدد من المصادر التي تحدّثت لـ«أتَـر»، أن المعدّنين التقليديين في سبيل بحثهم عن الذهب يحفرون بالأدوات التقليدية وبالآليات ويُجرون عمليات تفجير باستخدام الديناميت المُهرّب. ورغم أن الجهة الوحيدة التي يحقّ لها منح المتفجّرات في السودان هي شركة مملوكة لمنظومة الصناعات الدفاعية (شركة تارقت) التابعة للقوات المسلحة السودانية، ولها عقود مع الشركات صاحبة الامتيازات، لكن هذه المتفجرات تُهرّب لتصل إلى المعدّنين الأهليين.
تظهران مساحة المدينة في 2020)
أرضٌ يَباب
في خريف عام 2024، تفاقمت الأوضاع الصحية والبيئية في قبقبة وأبوحمد بسبب الأمطار والسيول، إذ واجه السكّان والمعدّنون تلوّثاً واسعاً في التربة والمياه، بسبب استخدام الزئبق والسيانيد في التعدين، مع ضعف الخدمات الصحية؛ كما أُبلغ عن انتشار أمراض مرتبطة بأنشطة التعدين وتأثيرات سلبية على الثروة الحيوانية والزراعة. وقد سبقت ولحقت ذلك احتجاجات واعتصامات في عدة مناطق حول أبوحمد مثل فتوار والجول في 2020 والعبيدية والسليمانية في 2022 وحلة يونس في 2025، رفضاً لاستخدام المواد السامة في عمليات التعدين، إذ عبّر السكان عن استيائهم من التلوث البيئي وتداعياته على الزراعة والمياه والحياة اليومية، بينما أشارت تقارير حقوقية إلى صلة بعض الشركات العاملة بالمؤسسات العسكرية السودانية، ما زاد من حدة التوتر والرفض الشعبي.
وفقاً لشهادات سكّان محليين تحدثوا لمراسل «أتَـر»، فإن جلّ الاحتجاجات تركزت في التأثير البيئي الذي بات يتجلى لهم في تفشي الأمراض، خاصةً زيادة نسبة الهيموغولبين في الدم، وتشوّهات الأجنة وإجهاض الحوامل، ونفوق الحيوانات، وازدياد نسبة الفشل الكلوي بين العاملين في أنشطة التعدين. ويعزو السكان ذلك لطبيعة المواد المستخدمة في هذه الأنشطة، رغم توقيع السودان على اتفاقية ميناماتا لحظر استخدام الزئبق. كما أكدوا التغيّر الذي حدث في مجاري السيول خلال السنوات الأخيرة، وأضراره على البنية التحتية والممتلكات، في ظلّ صمت الجهات الرسمية والرقابية. وقد حاول المراسل التواصل مع المدير التنفيذي لمحلية أبوحمد، وإدارة التعاقد والمشاريع بوزارة المعادن والإدارة العامة للأرصاد الجوية، وإدارات البيئة والسلامة بعدد من شركات التعدين وسؤالهم عن هذه الآثار والتغيّرات، لكنه لم يتلقّ رداً حتى لحظة نشر التقرير.
ووفقاً لتقرير نشرته «أتَـر» بعد سيول 2024 في أبوحمد، فإن مناطق التعدين تقع في مستويات أعلى من خطوط توزيع المياه في المدينة، وما يجري من عمليات حفر وتنقيب فيها يؤثّر على شكل المجاري ونقاط توجهها، ويغيّر المجاري الرئيسة القديمة، إضافة إلى أنّ نشوء مواقع حاجزة لحركة المياه، مثل الطواحين، والأحياء الجديدة في المدينة، دفع المياه التي كانت تصبّ في النهر إلى تغيير مجراها، وصار بعضها يُختزن في عدة مناطق.
تعدين في المجاري
في حديثه لـ«أتر»، يشرح الجغرافي والمختصّ في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار من بُعد، حيدر فضل الله، أن الذهب يوجد رسوبيّاً في الخيران والوديان، أو كامناً في الصخور أو متناثراً منها بفعل العوامل الطبيعية أو نتيجة عمليات بشرية؛ ويؤكّد أن أنشطة التعدين في وادي قبقبة تؤثر على نحو مباشر وغير مباشر على مجاري السيول، ومن أهمّ أشكال هذا التأثير تعرية التربة بالحفر والخنادق وردميات التعدين، ويؤدي هذا لتغيير قابلية التربة للجرف. والتربة المُنجرفة تترسّب في مجاري الأنهار والأودية، ما يرفع القاع (يردمه)، ويُقلّل القدرة الاستيعابية لمجرى السيل، ونتيجة لذلك تفيض المياه بسهولة. كما أن الأنشطة التعدينية تسهم أيضاً في إزالة الغطاء النباتي، وزيادة اضطراب التربة، وانسداد قنوات التصريف، وترفع بالتالي مخاطر شدة الفيضان الذي تترتب عليه أخطارٌ بيئية واجتماعية واقتصادية، تشمل تهديد المجتمعات المُحيطة وزرعها وممتلكاتها، وقد تمتد لنزاع بين السكان وممارسي الأنشطة. وتعتمد احتمالية زيادة أنشطة التعدين لخطر الفيضان، على سرعة اندفاعه وحجمه، وتغيّر أنماطه المكانية.
ويُوضّح الباحث والمهتم بقضايا التعدين محمد صلاح عبد الرحمن، في حديثه لـ«أتر»، أن المنطقة بين البحر الأحمر ونهر النيل، هي منطقة مشهورة بأنشطة التعدين منذ العهد الفرعوني، وتتنوّع طبيعة التعدين فيها بين سطحي وعميق، وتشهد توسّعاً ضخماً، إذ إنها أعلى مناطق السودان إنتاجاً للذهب، كما أنها تستوعب أكبر قوة بشرية عاملة وأكبر عدد من الشركات، سواءٌ أكانت مُنتِجة أم مُعالِجة للمخلفات. ويقول صلاح إن التغيّر الطبوغرافي يحدث بسبب وجود أنشطة في مجاري السيول، ومراكمة المخلفات بكميات كبيرة، مع كثافة وجود الآليات، والخنادق التي تُحفر حول مواقع الشركات، إضافة إلى نمط الغرابيل المُستخدَم في التعدين التقليدي منذ 2015، إذ يَستهدف هذا النمط الذهب السطحي الموجود في مجاري السيول والأودية، وهناك الآلاف من هذه الغرابيل في مجاري السيول، وتُحدث تخريباً يَزيد من حدَّة جريان السيول، ويمكن أن تتسبّب في حدوث سيول في مناطق لم تحدث فيها من قبل.
إن ازدياد عمليات الحفر وتكديس الكتل الترابية والمخلفات، كما أكّدت تقارير عدّة، قد غيَّر مجاري السيول في منطقة وادي قبقبة، إذ اعتمد النظام السابق على الذهب عنصراً رئيساً في ميزانية حكومته ما قبل ثورة ديسمبر، وتعتمد عليه القوات المُتقاتلة الآن في سياق الحرب.
يقول الباحث البيئي والكاتب ساري نقد، إنّ المنطقة قد شهدت خلال العقد الأخير توسّعاً هائلاً في عمليات تنقيب الذهب، ويَجري القدر الأكبر منها بطرق عشوائية تنتج عنها مئات الأطنان من التربة المُختلِطة بالمخلفات الكيميائية؛ فضلاً عن أنّ الحفر للتنقيب دون ردم هذه الحفر سيُسهم بالضرورة في تغيير مجاري السيول، إذ لا تؤدّي الجهات الرقابية المنوط بها متابعة هذه التغيرات دورها.
دراسات مُلزمة لكن لا تنفذ
تحدّث مراسل «أتَـر» مع مصدر بالشركة السودانية للموارد المعدنية، أوضح أنّ للشركة مُراقباً في مواقع شركات الإنتاج والمعالجة، لا تقتصر مهمته على حصائل الإنتاج فقط، إنما يُجري دراسة تتبّع الأثر البيئي الناتج عن أنشطة شركات التعدين. وأضاف أن كل شركة تُمنح امتياز العمل مُلزَمة بإجراء دراسات الأثر البيئي قبل بدء العملية الإنتاجية، وسابقاً كانت الشركات تَعهد بهذه المهمة لمراكز بحوث ومعاهد عالمية، لكن ومنذ 2022 دخلت جهات سودانية في هذا الأمر. وتُلزَمُ الشركات بإجازة الدراسة في المجلس الأعلى للبيئة أو وزارة البيئة، وتُمنح شهادة بذلك. يقول: «في هذه الدراسة يُحدَّد المخزن النهائي للنفايات والمخلفات «الكرتة» قبل بدء الإنتاج، كما يُخصم جزء من حصائل الإنتاج لردم الحفر وإرجاعها إلى حالتها السابقة، أو إنشاء غابات ومساحات خضراء باستخدام النفايات بعد تخليصها من السمّية إنْ وُجدت، وتطهير الأراضي الملوثة، وذلك وفقاً لاتفاقيات عالمية وقّع السودان عليها، مثل اتفاقية ميناماتا، لكن للأسف لم تلتزم أي شركة بذلك حتى الآن. كما يجب أن تكون هناك مراقبة دورية لأنشطة البيئة والسلامة في كل موقع، بتقارير شهرية، ويجب أن تصحبها زيارات ميدانية من وزارة البيئة لمُراقبة التغيير ومدى التزام الشركات بالتراخيص الممنوحة». ويضيف المصدر أن الشركة السودانية للموارد المعدنية قد أنشأت عدة شركات مُختصّة بمُعالجة مخلفات التعدين التقليدي الملوثة بالزئبق، من أجل فصله حتى لا يؤثر على البيئة المحيطة.
يواصل المصدر شرحه بأن المناجم في منطقة وادي قبقبة نوعان: «مناجم تحت الأرض (underground) ومناجم الحفر المفتوحة (open pit mine)، وعمليات التفجير بالديناميت في مناجم الشركات تجري على نحو علمي ومدروس؛ لكن ومنذ عهد حكومة الإنقاذ ونسبةً للسيولة الأمنية، انتشرت المتفجرات في أيدي المعدّنين الأهليين، ونسعى لأن تكون هناك قرارات سيادية بهذا الصدد، فالتعدين التقليدي وفقاً للإحصاءات يبلغ 5 ملايين معدن في السودان، ولا أرى سبيلاً لكبحه نظراً للضائقة الاقتصادية الماثلة، وقد تزايد عدد المعدّنين الأهليين بوادي قبقبة بعد الحرب، وتُهرّب المتفجرات لهم من خارج البلاد أو من أفراد بالجيش».
ويضيف المصدر أنه منذ عامين وقبل بدء موسم الخريف، تُرسِل الشركة السودانية للموارد المعدنية، منشورات وتنبيهات للشركات، بضرورة اتخاذ إجراءات احترازية لمُجابهة الأمطار والسيول والتغير المناخي، كما تُلزم مُراقبين المواقع بتسليم تقارير شاملة وتحليل كامل لجميع الأيام التي تهطل فيها الأمطار ويحدث جريان سطحي، وعلى ضوئها تُرفع تقارير للإدارات العليا لاتخاذ القرارات المناسبة.
لكن ساري نقد، ينبه إلى أن غياب مركز استجابة وطوارئ فاعل في السودان، وتحديداً بالمناطق التي تشهد عمليات تعدين ضخمة كأبوحمد، من شأنه أن يعمّق الكوارث التي يمكن أن تَحدث مستقبلاً ويتضرّر منها السكان والبنية التحتية، كما حدث في مواسم الخريف السابقة.
اتهامات للتعدين الأهلي!
أما عن السيول التي حدثت في العام السابق والحالي، بمناطق أبوحمد وما جاورها، فيقول المصدر إنها بعيدة عن مواقع الشركات، ويُلقي بالمسؤولية عنها على أنشطة التعدين الأهلي، قائلاً: «أظهر تحليل الـ GIS أن موقع شركة مانوب مثلاً مرتفع، وتنحدر مياه الأمطار منه شمالاً نحو الحدود المصرية». ويضيف المصدر أن الآبار الكثيرة التي يَحفرها المعدّنون الأهليون في وادي قبقبة وحول أبوحمد، ومع تزايد معدلات الأمطار، تتسبب في حدوث انهيارات أرضية تُغيّر مجاري السيول.
يشرح محمد المهدي، الذي يعمل معدّناً أهلياً في منطقة قبقبة، أن المعدّنين يتنوّعون بين من يستخدم آليات بدائية صغيرة وأخرى حديثة وكبيرة لأغراض الحفر والتنقيب، ويعملون في مناجم الشركات وبالقرب منها، إذ لا يملكون الحرفة ولا الدراية الكافية بالاستكشاف، فهو عملية علمية معقدة، لذا يعتمدون على نتائج الشركات وإطار عملها. ولا توجد رقابة أو احترازات سلامة بيئية في نطاق التعدين التقليدي، إذ تكتفي الشركة السودانية للموارد المعدنية بجني الحصائل والضرائب من الإنتاج في بوابة بمدينة أبوحمد. ويضيف محمد أنه في فصل الخريف وعند حدوث السيول تُغمر الآبار الضخمة بالمياه، وقد يصدف أن يوجد بداخلها ما يقارب الألف معدّن.
توضح البيانات والشهادات أنّ عمليات التعدين في قبقبة ليست محض نشاط اقتصادي، إنما هي قضية بيئية ومجتمعية تستدعي المعالجة العاجلة. وتتفاقم المشكلة مع التغيّر المناخي وزيادة معدلات الأمطار، ما يفرض ضرورة وضع سياسات جادة لحماية المجتمعات المحلية وضمان الاستخدام المستدام للموارد.
نقلا عن اتر



