في تذكر صانع جمهور المسرح السوداني!؟
السر السيد
بعد أيام ستمر الذكرى ال 19، لرحيل فنان الشعب الأستاذ الفاضل سعيد 1937_10 يونيو 2005… الفنان الذي قدم مثالاً باهراً للمثقف، “الناقد” المهموم بقضايا شعبه، وللمسرحي “المستقل”.. نستعيد ذكراه هنا لإحتياج حقيقي للطريقة التي نظر بها إلى فن المسرح وللطريقة التي مارس بها هذا الفن، فمعه نقف على تخوم تجربة مسرحية، بل على مشروع مسرحي أهم ملامحه، التحول والتنوع والاستمرارية إذ أنه ومنذ بداياته في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي وحتى وفاته.. كانت رحلة مسرحية لمدينة
بورتسودان كان الهدف الأسمى له الحفر عميقاً في معالجة (العملية المسرحية)، بدأ من الموضوعات التي ناقشها هذا المشروع، مروراً بطرائق بناء العرض وانتهاء بصيغ إنتاج العرض وتسويقه.
في وقت مبكر جداً ابتدع الفاضل سعيد “الارتجال” كصيغة لصناعة العرض ليحدث ضمنياً تحولاً نوعياً في طريقة “عمل الممثل” وموقعه في العملية المسرحية وتحولاً نوعياً في “موقع الجمهور” وطرائق التلقي وهو بهذا الابتداع استحق الريادة عن جدارة ليس في السودان وحسب وإنما على المستوى العربي والأفريقى والدولي حيث أن هذه الصيغة وما يستتبعها من تحولات في بناء العرض قد شكلت لاحقاً رهاناً أساسياً وسؤالا مركزيا في التنظير للعرض المسرحي.
مع الفاضل سعيد يتبدى ذلك الوطن في اتساعه وأمنه وأمانه وتسامحه وتفتحه وانفتاحه فهو بلا منازع الرائد الذي تنقل بالمسرح من ساحة إلى ساحة، ومن قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة في كل جهات السودان وكان يجد الحفاوة أينما حل ونزل.
في مسرحياته الكثيرة نلمس ترصداً ناعماً وخشناً بكل ما يعيق النمو الإنساني من تمييز ومن استبداد سياسي، ومن ظلم وقهر، نلمسه من خلال أبطاله الثلاثة بحمولاتهم الدلالية المتنوعة “بت قضيم والعجب وكرتوب” فمن بعض ما عبرت عنه هذه المسرحيات وفي وقت مبكر جداً “الفساد في الخدمة المدنية” و” حق المرأة في العمل” و”الصراع بين القديم والجديد” و”هيمنة الثقافة الأبوية” وغير ذلك من القضايا والموضوعات.
لا يكتمل الحديث عن الفنان الفاضل سعيد دون الإشارة إلى الجماهيرية الكبيرة التي حظي بها مسرحه ودون الإشارة إلى استقلاليته عن المؤسسة الرسمية للمسرح التي جعلته وجعلت المسرح وبرغم ما يكابده من عنت واحدا من مصادر الدخل القومي ومكنته هو من التمتع بسلطة لم تتوفر لغيره من المسرحيين.
في الذكرى التاسعة عشرة لرحيله، يتجدد وجوده بيننا ويتأكد احتياجنا الملح له، فالفاضل سعيد معاصر لنا.
سلام عليه في الخالدين ورضوان من الله يتنزل عليه.