عكر …. الذي لا يعجبه العجب
كانوا ينادونه “عَكَر”، لا على سبيل المزاح، بل لأن حضوره وحده كان كافيا لتعكير صفو المجالس، وتكدير صفاء اللحظات. واكتفى الناس بمناداته بهذا اللقب الذي أصبح معبرا عن سلوكه ولم يعد أحد يتذكر اسمه الحقيقي..
لا يُعجبه العجب ولا حتى الصيام في رجب كما يقال… لا الضحك يستهويه، ولا الصمت يغريه. إذا ضحك الناس، هاج كأنهم شتموه، وإذا بكوا انبرى يفتش في صدق دموعهم. لا يُرضيه نجاح، ولا يُقنعه إنجاز، إذا رأى جدارا أشار إلى ميلان فيه، وإن سمع بمبادرة، سارع إلى تفكيك أهدافها. دائما يفتش في الماضي ويلتقط زلات الناس، ويُقيم محكمة لا تبرّئ أحداً. يبحث عن عثرات الناس القديمة ليعلقها على رقابهم كلما فكروا في أن يكونوا أفضل.
قال لي صديق، إن هذا الرجل بلغ به الأمر أنه ذات مرة وفي مراسم تشييع جنازة والناس يلفهم الحزن، وقف عند طرف المقبرة، وقال ببرود لا يليق بالمقام ” المرحوم الله يرحمه… لكن كان زول صعب وبخيل”.
تحوّل، بفعل هذه العادة السيئة ، إلى مرآة مُقعّرة ترى كل جميل، فيه شيءٌ من قبح، وكل إنسان مشروع شك وريبة. ومع الوقت، صار الحذر من لسانه سلوكا عاما ، وأصبح الناس يتفادونه، ويترددون في أي محاولة إصلاح، خشية أن ينبش لهم صحن العدس الذي تغدّوا به قبل عشرين عاما..
كثيرون في مجتمعنا مثل ( عكر ) يفسدون حياة الناس بكثرة انتقادهم وتشاؤمهم …وهؤلاء ضررهم لا يقتصر عليهم فقط، بل يُنهك الروح الجمعية للمجتمع ويُطفئ شموع الأمل، وينسحب الأمر على الوطن ككل مما يقعد به قعودا مهلكا… فالأوطان لا تنهض حين تتحول إلى محاكم مفتوحة، ولا تتقدّم إذا أصبحت كل مبادرة تهمة، وكل ناجح محل شبهة…
الوطن أكبر من خلافاتنا، أوسع من ملفاتنا الشخصية ، أعمق من ماضينا، وأسمى من أي مشاعر ضيقة تكبلنا… دعونا نعيد النظر في مرايانا المكسورة، قبل أن نحكم على وجوه الآخرين.



