رأي

عبد الله علي إبراهيم: قطاع الشمال وهجليج (2012): دي آخرتها؟

(متاعبي مع القوى التي تشكلت أخيراً في قوى الحرية والتغيير قديمة. فعلى محبتهم للسودان لحد الاستشهاد عند قضيتهم حياله إلا أنه حب “مجبر” على استنقاذه مما هو فيه بمشروع لا يخر ماء مثل الاشتراكية أو السودان الجديد أو المدنية، أو الحداثة، أو الاستنارة إلخ. وجعلهم هذا وطنيين من الدرجة الأولى لكن غاب عنهم، في شقائهم بمشروعاتهم الغراء لإسعاف الوطن، حب الوطن (PATRIOTISM) بغير قيد أو شرط. وحب الوطن هو تعريب رفاعة رافع الطهطاوي للعبارة في فرنسيتها. وسترى بالأمس منهم، كما ترى اليوم، أن خصومتهم المشروعة للكيزان بالذات تعميهم عن فروض حب الوطن وتطرشهم. فتستبد بهم الوطنية لأن حب الوطن مما بالوسع تداركه. وفي هذا المقال الراجع إلى 2012 وجدت الحركة الشعبية قطاع الشمال انحازت لجنوب السودان وهو يحتل هجليج في مارس 2012 بحجج خلت من حب الوطن بغير قيد وشرط كما ستراها).

صدر أمس الأول بيان الحركة الشعبية قطاع الشمال بتوقيع ياسر عرمان عن الأحداث في هجليج. ويؤسفني أنه كان بياناً “كرازاييا” في معنى الإرادة المسلوبة. وقد رأيت المصطلح مستخدماً بين المناصير. فأهل الخيار المحلي وصفوا من قبلوا بتهجير الحكومة بـ”الكرازايات”. كنت أنتظر من قطاع الشمال، كحركة سياسية “في دولة السودان” كما قال، بياناً أكثر اشتغالاً بالأمر وأعقد. فلم يكتب أيي من معارضي الإنقاذ في الداخل بيانه عن هجليج بغير معاناة عظمى في استخلاص الوطن ناقص الأطراف (الذي فرضته علينا الحركة الشعبية ضمن آخرين) من مظالمنا من المؤتمر الوطني. ولم ألمس في بيان ياسر هذه المكابدة في الزعازع بين الوطن، الديمقراطية، السودان التاريخي، التغيير. فالبيان عبارة عن “تنوير” من توجيه معنوي للجيش الشعبي لدولة جنوب السودان.
زعم البيان أن ما يحدث في هجليج هو حالة حرب تنتاب، وانتابت، المؤتمر الوطني دائماً وأبداً. فلا جديد في هجليج. وكان هذا القول جائزاً حتى قيام دولة الجنوب لأن المؤتمر الوطني كان عاهتنا الوطنية معاً. أما وقد صار الجنوب دولة أجنبية فليدافع عن نفسه، متى أعتدى المؤتمر عليه، بالأصول الدولية المتعارفة والتي يطالبه المجتمع الدولي حالياً بمراعاتها. ربما كان السودان ما يزال واحداً في فكر ياسر حتى لو “طار” كما تجري الطرفة. وهذا وهم إيدلوجي يدنيه من حزب التحرير الإسلامي الذي يعتقد في الخلافة الإسلامية ما يزال. وسيحتاج الإنسان إلى ذاكرة من صخر لكي يواصل الاعتقاد في السودان الجديد بعد ما حدث. فالسودان وطن جديد. وهذا يجعل حركة ياسر “قطرية” على أقل تقدير عليها استصحاب بلدها وشعبها مهما يكن.

عاد بيان ياسر إلى سيرة البحر. فهجليج كما قال ليست أول قطعة سُلخت من السودان. خذ عندك: حلايب والفشقة. واستنكر البيان أن يتباكى المؤتمر (السودان) على هجليج بكاء لم يذرفه على تلك المناطق. وهذا كلام طير. فكون أن المؤتمر الوطني لم يبك عليهما لا يعني أننا لم نبك. فهذا الشعب يبكي ويطوي البرش إلى حين. ولم نسمع، من الجهة الأخرى، بكاء ولا تباكياً من الحركة على حلايب ولا الفشقة وهي في سدة الحكم لخمسة أعوام. ولا حمل برنامج ياسر الرئاسي ظلامتهما. وبوسعنا بالطبع القول لماذا بكى جنوب السودان عند هجليج ولم يبك عند مثلث الليني على حدوده مع كينيا. يحتار المرء للنهايات القصوى التي سنبلغها متى سادت فينا فكرة أن هجليج هينة ألحقوا حلايب والفشقة. بعبارة بسيطة: سنقيم يوماً مفتوحاً على السودان. فهلموا يا جيران وغير الجيران انقصوا السودان من أطرافه حتى يسترد الفشقة وحلايب. نعم التعليم!

أما ثالثة الأثافي فهي منطق ياسر في تثويرنا معشر السودانيين لننتفض ونقضي على الإنقاذ. فالمؤتمر الوطني برأيه لا يبكي على هجليج، بل على بترولها الذي يستخدمه في الاستهلاك المحلي وجلب النقد الأجنبي. وزاد بأن الجبهة الثورية (المرة الوحيدة التي ذكرها في البيان) ستقضي على ما تبقى للمؤتمر “من بترول حتى يتمكن الشعب السوداني من إسقاط النظام ويتم إصلاح العلاقات مع كل دول الجوار وإصلاح علاقات الشمال –الشمال أولا وبناء وطن يسع الجميع”. دي آخرتها يا ياسر؟ هل قنعت في خير منا نثور به طلباً للحرية والحق، والجمال؟ وأردت “تركعينا ديس” نطلب التغيير مذلولين مهانين ضيقاً بصفوف البنزين والخبز؟ وهل سيسعنا وطن ياسر الموعود كمواطنين حين نأتيه كرعايا مفرغين من المعنى كسيري الخاطر؟ وكم أخلف ياسر عهده بذلك الوطن المنشود؟ وهل هذا التركيع شرط من شروط الانتفاضة حسب لينين؟

ياسر: هل تريد حكومة تكرهها أم وطناً تحبه؟ أنظر كيف ساقك كره النظام لتروج لثورة كالأشغال الشاقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى