عام على الحرب.. من يقاتل الجيش؟
الأحداث ـ عبد الباسط إدريس
في 15 أبريل من العام الماضي حشدت مليشيا الدعم السريع نحو 120 ألف مقاتل وعشرات الآلاف من الأسلحة والمركبات القتالية والمدرعة للسيطرة على المقار العسكرية للجيش والعاصمة والولايات، تمهيداً للاستيلاء على السلطة، بعد قتل أو أسر قائد الجيش، لكن الجيش أحبط المخطط وتمكن من تدمير تلك القوة، فما هي الجهات التي مايزال يقاتلها الجيش؟
حشود ومرتزقة:
رغم اندلاع التمرد في العمق الاستراتيجي للبلاد، حيث العاصمة الخرطوم، إلا أن الآلاف من عناصر المليشيا قد قتلوا على بوابات المقار الرئيسية للجيش حيث القيادة العامة وسلاحي المهندسين والمدرعات، لكن المليشيا لجأت لاستجلاب مرتزقة أجانب للقتال في صفها، وبحسب مصادر أمنية أوكلت مهمة استجلاب المرتزقة للقتال في السودان لعدد من السماسرة وأمراء الحرب، وكانت تشاد بما تحتويه من أوضاع داخلية معقدة ومرحلة انتقالية هشة مرتعاً خصباً لقادة المليشيا الذين وجدوا في بعض الحركات العربية ضآلتهم من أجل الفزع والنجدة على أمل اتساع الأماني بالسلطة والمال وبسط السيطرة والنفوذ، وكان أبرز الذين اتفق معهم من السماسرة عمر حمدان اقيم مدير المستشفى الصيني التشادي، بجانب التشادي الأصل، أفريقيا الوسطى الجنسية محمد قمر السليك الذي يعتبر من الأصدقاء المقربين من قائد ثاني المليشيا عبدالرحيم دقلو، وتمكن هؤلاء السماسرة من جلب عشرات الآلاف من المرتزقة الأفارقة وترحيل عدد من جنود الحركات المسلحة التشادية ومن بينها (حركة الفوند منتال) و(العدالة للإصلاح والتغيير) و(حركة الوفاق الوطني الشامل)، ومن بين اولئك المشاركون من قتل في ميادين المعركة مثل رئيس تنسيقية المعارضة التشادية محمد أبوبكر عبدو.
وطبقاً لمصادر أمنية تحدثت لـ(الأحداث) فإن معظم المقاتلين المرتزقة من التشاديين كانوا من الذين عملوا بالقوات النظامية التشادية منهم (أحمد حمدان جبر – ضابط جيش) و(المكاى برمة المكاى -ضابط شرطة).
وتفيد المصادر أن عبدالرحيم دقلو وبتسهيل من خليفة حفتر وجماعته استطاع إبرام عدد من الاتفاقيات لتزويد المليشيا بالسلاح والوقود وقطع الغيار، فضلاً عن إدخال محاميد ليبيا وعدد من المرتزقة إلى السودان للعمل كقناصة وقتلة محترفين.
فيما شكلت مجموعات من المرتزقة في جنوب السودان وأثيوبيا قوة قتالية واستخبارية إضافية، وشاركت في الهجوم مع قوات مليشيا الدعم السريع على مقر سلاح المدرعات وودمدني وقرى الجزيرة ومناطق النفط في غرب كردفان.
دول ضالعة:
كشف تقرير لجنة فريق الخبراء المعني بدارفور والتابع للأمم المتحدة، عن تورط دول الإمارات وتشاد وليبيا بشكل مباشر في حرب السودان من خلال إدخال السلاح إلى دارفور لدعم مليشيا الدعم السريع.
وقال التقرير إن طائرات إماراتية ظلت عبر رحلات أسبوعية منتظمة تحمل شحنات الأسلحة إلى تشاد ودارفور، وكشف التقرير عن تسبب تلك الأسلحة في ارتكاب مليشيا الدعم السريع لإبادة جماعية وجرائم حرب بحق 15 ألف شخص من قبيلة المساليت في مدينة الجنينة وما حولها بولاية غرب دارفور بجانب ارتكابها جريمة مقتل والي الولاية اللواء خميس أبكر الذي يتبع للحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا.
وشدد تقرير لجنة الخبراء الصادر في يناير الماضي على ضرورة التزام الجهات والدول التي تسهل نقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى دارفور بواجباتها بموجب إجراءات حظر الأسلحة وفقاً لنصوص القرار.
وأفادت اللجنة أنه يجوز إخضاع مخالفي حظر الأسلحة لإجراءات محددة وفقاً للقرار 1591 لعام 2005.
صمت إقليمي ودولي:
لم يجد تقرير لجنة الخبراء أي إدانة دولية برغم اتهام السودان رسمياً لدولتي الإمارات وتشاد بدعم المليشيا التي تقاتل الجيش الوطني وتعرف العالم على حجم الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية والاغتصاب والتهجير القسري التي تقوم بها مليشيا الدعم السريع التي قدمها السودان مطالباً بتصنيف المليشيا منظمة إرهابية.
وامتداد للصمت العالمي تغيبت المنظومات المعنية بالسياسة والأمن عربياً وأفريقياً، وقد حدث ذلك برغم الانعكاسات السالبة لحرب السودان على حالة الأمن والاستقرار الإقليمي وهنا يقول المحلل السياسي أبو عبيدة عوض لـ(الأحداث) إن غياب منظومات مثل الجامعة العربية ومنظمة أجهزة المخابرات الأفريقية واستقبال دول وتجمعات أفريقية لشخص متمرد على بلاده ويحارب جيشا نظاميا أمر بستوجب بحثه ودراسته في سياق الإصلاحات المفاهيمية والوظيفية لهذه المنظمات، واعتبر عوض أن مفهوم القوى السالبة ومكافحة الإرهاب والتوجه الجماعي افريقياً وعربياً صوب الأهداف قد تضعضع من خلال وقوف هذه الدول والكيانات موقف يراه عوض غير صحيحاً من حرب السودان.
حيل والتفاف:
ولم تكتف الإمارات ودول أفريقية أخرى، بدعم مليشيا الدعم السريع، التي كشف عنها تقرير فريق الخبراء الأممي ووثقتها السلطات السودانية عبر شكوى رسمية ضد الإمارات قدمها السودان لدى مجلس الأمن، ولكنها ما تزال تعمل على فتح قنوات إمداد بديلة بعيدة عن دارفور بعد الفضائح التي تعرضت لها، حيث عملت على نقل الحرب إلى الجزيرة وسنار والقضارف.
وهنا يقول مصدر عسكري بالجيش السوداني: “يعملون على فتح خطوط إمداد قريبة تجنباً لقرار حظر إدخال السلاح لدارفور ولبعد المسافة عن الخرطوم ولتدمير الجيش لمعظم تلك الإمدادات خلال رحلاتها الطويلة من الشمال والغرب إلى وسط السودان، ويعتبر المصدر أن معارك سنار والجزيرة وغرب كردفان وتعكير العلاقات مع جنوب السودان أحد أهدافهم لإطالة مدة الحرب وإجبار الجيش على المفاوضات.
معركة مفتوحة:
والناظر للحرب يجد أن الجيش يخوض معركة مفتوحة مع جهات ظاهرة ومستترة لكنه يلحظ أيضاً أنها حرب تهدف إلى تحطيم السودان الدولة والإنسان، وليس أدل على ذلك من وجود أياد وعناصر تتخفى خلف المليشيا حيث التخريب المتعمد للمتحف القومي ونهبه وكذا الحال في قطاعات النفط والكهرباء والسجل المدني ودار الوثائق القومية والمتحف العسكري للجيش ومقر جهاز المخابرات العامة، ثم تدمير مركز البحوث الزراعية في ولاية الجزيرة ومركز البذور والتقاوي المحسنة الذي يقدم خدماته لمشروع الجزيرة البالغ مساحته مليونان ومئتي ألف فدان وحرمان مزارعيه من زراعته من خلال التهجير القسري والهجوم على القرى.