عادل الباز يكتب: التسوية العمياء

في ما أرى

“عميان بوسعهم أن يروا ولكن لا يرون”.

جوزيه ساراماغو، الحائز على جائزة نوبل 1998.

1
لماذا هى عمياء؟… لأنها لا تحفل براهنها ولا مستقبلها… الآن يحتل الرئيس البرهان موقع العدو لكل القوى الثورية القابعة فى الشارع الذي يرفض التسوية معه، وهذا الشارع لم تعد تتحكم فيه ثلاثة طويلة وهذا ما تثبته تقارير كل الأجهزة الأمنية ويراه الناس رأي العين… ستمنح التسوية العمياء سلطة حكم البلد لمن لا يستحقها، 3 طويلة (بعد رفض حزب البعث الصعود لقطار التسوية).. وهى مجموهة ضئيلة لا وزن لها فى الشارع، تتمركز بمربع أوزون ماعدا حزب الأمة التائه فى بحور الصراعات والتناقضات. السيد الرئيس لا يعرف ولا يرى ذلك… سبحان الله.
2
(ثلاثة طويلة) نفسها تتربص بالرئيس البرهان، فبعد أن يسلمها مقاليد السلطة ستتعرض لضغوط رهيبة من الشارع فى ملفات عديدة متعلقة بالجرائم المرتكبة فى حق المدنيين، ابتداء من فض الاعتصام إلى آخر شهيد بعد 25 أكتوبر. معلوم أن كوادرها الآن بالخارج تعد فى ملفات لتقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية… وسيبدأ الصراع معها حول سلطات رئيس الوزراء الذي ستعينه هى وحول الأجهزة الأمنية ومصادر أموالها… الأجهزة الأمنية بحسب التسوية ودستورها تتبع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة؟….. لن يقبل الجيش بذلك ولا الأجهزة الأمنية كلها….وخاصة أن تلك التسوية تلقى رعاية الرباعية والدعم السريع الذى يتمدد فى مساحات واسعة من مساحات ظلت لعشرات السنوات محتكرة للقوات المسلحة. إذن سيكون الرئيس بين فك الأجهزة الأمنية الغاضبة وفك 3 طويلة المتربصة. ده شوف عين.
3
الدعم السريع هل سيتحول لجيش القصر متحالفاً مع ثلاثة طويلة فى مقابل جيش السودان الذى سيصبح تحت إمرة البرهان. فيصبح لدينا جيشين فى دولة واحدة، الأول يخص القصر والثانى يخص القوات المسلحة؟. تسوية كهذه لا ترى هذه المخاطر وتنزع لعداء الأجهزة الأمنية لا بد أن تكون عمياء؟. قد تشرعن التسوية الدعم السريع كجيش موزاي، وعلى البرهان وقتها أن يتحسب لكل شيء….من ضمنها أنه أسس لحفتر جديد فى السودان.!!.
الرباعية، إضافة لفوكر متعهد قحت…معلوم ان فولكر بيرتس يملك تفويضاً أممياً لإعادة هيكلة القوات المسلحة وكل الأجهزة الأمنية (تقرأ تفكيكها)… معسكر التفكيك هذا مقابل معسكر آخر تتزعمه مصر يرفض التفكيك ويعلن رفضه للمليشيات. بمعنى إذا استلمت (ثلاثة طويلة) السلطة ومن وراءها الرباعية سيجد السيد الرئيس البرهان، رئيس المجلس الأعلى نفسه ملكاً متوجاً على أنقاض مملكة الخراب المفككة ولن يكون بوسعه فعل شيء بعد أن دخل عش الدبابير برجليه. يعنى كل ذلك أن السيد الرئيس بكامل وعيه سلم السلطة لأعدائه متدثرين بدستور لجنة المحامين التسييرية بغطاء رباعية أشد تربصاً به!!. لا بد أنه يرى ذلك كذلك.!!
4
ماذا بشأن المعسكر الداعم للرئيس البرهان…أول هؤلاء التوافق الوطني ومن ضمنهم الذين وقعوا مع الحكومة اتفاق جوبا… ثم الإسلاميين، ثم مجموع القوى الأخرى…….هؤلاء مؤكد سيتحولون إلى أعداء للتسوية العمياء وقد أعلنوا كلهم مواقفهم منها. أصحاب اتفاق جوبا لا يثقون فى سلطة تتولى زمامها (3 طويلة) فلقد خبروهم وأدركوا تربصهم باتفاق جوبا ولذا لن تغريهم أية وعود داخلية أو خارجية تعدهم بالمن والسلوى، وهكذا فإن السيد الرئيس برهان سيفقد مباشرة حلفاءه فى اتفاق جوبا، وبالغاء اتفاق جوبا أو التآمر عليه بـ(اللولوة) والوعود قد تعود الحرب سريعاً لدارفور المتوترة أصلاً.
5
أما الإسلاميين فلن يستسلموا لمذابح ثلاثة طويلة هذه المرة……والرئيس البرهان أكثر من يعرف فى الشدة بأسهم في معارضة الأنظمة كما يعرف أكثر من غيره المفاتيح التي بأيديهم … سيكون خيارهم عدمياً، فإذا كانوا سيذبحون فى المقاصل فالأكرم لهم أن يستشهدوا واقفين. الرئيس يعرف أكثر ولا داعى للتفصيل. على السيد الرئيس أن يصغي جيداً لصمت الإسلاميين … ففي صمتهم الآن ما يسمع جهراً.
ما بالك بتسوية عمياء تنتج سلطة ضعيفة ويعارضها الإسلاميون والشيوعيون ولجان المقاومة وعشرات الكيانات المهدرة حقوقها والمغدورة شرقاً وغرباً وشمالاً، وتحاربها الحركات المسلحة وستنهض الاقاليم تطالب بحقوقها لأن التشويه الفوقي لا يمثلها والتحفظ لها حقا، سينهض الشرق من جديد وكذلك يفعل الغرب المتوتر والشمال المظلوم دائما، لن يسكت احد في ظل تسويه تمنح كل شيء لمن لا يستحق. يحدث ذلك في ظل وضع إقليمي منقسم حول التسوية إلى جانب تداعيات وضع اقتصادى مأزوم .!. أي سلطة تلك التي تستطيع الصمود في وجه تلك العواصف ؟؟

Exit mobile version