عادل الباز يكتب: إنهاء الحرب سلماً.. الممكن والمستحيل (1)

فيما أرى

1
أربعة تطورات خلال الأسبوع الماضي أربكت المحللين وناشطي الأسافير المستعجلين لاتخاذ المواقف والتعبير عن آرائهم وأحاسيسهم في التو واللحظة، وذلك ليس غريباً عليهم، ولكني تحيرت كثيراً في مواقف بعض الكتاب والمحللين السياسيين، الذين سارعوا إلى تقديم تحليلات فطيرة قبل أن يتثبتوا من معلوماتهم من مصادر موثوقة، إذا كانت هناك استحالة أن تعدل الأسافير من مزاجها النزق فأرجو من المحللين السياسيين أن يتريثوا قليلاً في قراءة الأحداث والتطورات، قبل أن يدلقوا آراءهم بهذه العجلة، عليهم ذلك، عليهم ان يفعلوا ذلك لكي لا يزيدوا المشهد السياسي إرباكاً ورهقاً، وهو ما ناقص.
2
نسأل أولاً: ما التطورات الأربعة التي أربكت الساحة السياسية؟
الأول ظهور المحكمة الجنائية على مسرح الأحداث، والثاني الكمين الذي تعرضت له قوة الجيش التي قدمت من معسكر حطاب في اتجاه سلاح الإشارة، والثالث الإعلان عن عودة مفاوضي الجيش إلى جدة لمواصلة المفاوضات مع الدعم السريع، والرابع (وهو الأهم) وموضوع هذا المقال؛ التصريحات التي أدلى بها الفريق أول شمس الدين الكباشي للجزيرة قبل يومين حول الانفتاح على أي مبادرات تحفظ للسودان سيادته.
الخيط الناظم لتلك التطورات كلها هو الحرب.. إذن دعونا نبدأ بفك شفراتها لنرى على ضوئها كل تلك التطورات داخل إطار واحد.
3
الحرب كما أسماها صديقي فوزي بشرى (حرب الضرورة)، شنتها قوات الدعم السريع الطامعة في السلطة، وهي حرب مفروضة لم يستعد لها الجيش بدليل أنه حين اندلعت كانت نسبة استعداده 30‎%‎ وقوته داخل العاصمة لم تتعدَ ستة آلاف مقاتل مقابل 70 ألف مقاتل من الدعم السريع مدججين بالسلاح.. كنت أقول لبعض أصدقائي القحاتة الذين يتبنون شعار (لا للحرب) يجب أن لا تتوقفوا هنا.. فكلنا سنهتف معكم (لا للحرب) ولابد أن تقولوا لنا على أي أساس . ؟ فكيف يمكن تبني شعار يسعى لإيقاف الحرب قبل أن ندين المعتدىن، وقبل أن ننهي استيلاءهم على بيوت الناس والمستشفيات والأعيان المدنية ومراكز الخدمات ويتوقفوا عن اغتصاب نسائنا وإخواتنا؟ كيف نقول (لا للحرب) والعدو يفعل بنا تلك الأفاعيل؟ وكنت أضرب لهم مثلاً قاسياً.. وأقول لو وجدت والدتك وشقيقاتك يتعرضن للاغتصاب، فهل بوسعك أن تقول للمغتصب (لا للاغتصاب) قبل أن يكف يده عنهن؟ نطرح السؤال ولا نجد له إجابة لديهم.. أقول لهم نحن معكم لإنهاء الحرب ولكن بشروط.. ولكنهم لا يريدون ذلك.. يريدون أن تتوقف الحرب هكذا وفوراً (لحسابات أخرى).. يريدون لها أن تتوقف ومنازلنا ومستشفياتنا ومراكز خدماتنا تحت الاحتلال ونساؤنا يغتصبن ويصرخن ويستغثن ويُطردن من بيوتهم ليصبحن لاجئات ونازحات.. أي عدالة وأي رجولة تلك؟ مش حقو تختشوا شوية وتعتذروا لعل هذا الشعب يغفر لكم ذات يومٍ صمتكم المهين على إهانته وذله؟

4
ثم.. ما هدف الحرب؟
هدف الحرب التي شنها الجنجويد قتل الرئيس البرهان وقادة الجيش والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، هذا المشروع الجنجويدي الغاشم انكسر منذ اليوم الأول، ولكن إصرار القوات المتمردة على تحقيق أهدافها بسبب سوء تقديرها لقوة الجيش وثقتها في حسن استعدادها للحرب، ثم الرهان على الدعم الخارجي السياسي والمادي أطالت كلها أمد الحرب، ولكن مع مرور الوقت تأكد لهم أن هذين الهدفين مجرد أضغاث أحلام وأوهام، إذ اتضح للمتمردين ومسانديهم استحالة الاستيلاء على السلطة بالقوة.. وأن المخطط الآثم انهار وفشل.

6
ما أهداف الجيش بعد اندلاع حرب فرضت عليه فرضاً؟
كان هدف القوات المسلحة بعد اندلاع الحرب إحباط مؤامرة ومغامرة الاستيلاء على السلطة والدولة بالقوة وقد حدث ذلك.
الهدف الثاني كان إنهاء تعدد الجيوش بالدولة والمحافظة على هيبة الدولة وسلامة مؤسساتها، ومن ثم التقدم باتجاه العملية السياسية.. تلك هي أهداف الجيش التي أعلن عنها قائده ونائبه الفريق أول الكباشي ومساعده الفريق أول ياسر العطا منذ الأيام الأولى.
أهداف الحرب.. ذاك هو الإطار الصحيح الذي بإمكاننا داخله قراءة تصريحات الكباشي التي ضجت بها الأسافير وكأنها جديدة لنج.. والسبب في هذا الضجيج أن كلا الطرفين المتشاكسين لم ينظرا إلى أهداف الحرب وطرائق تحقيقها.
تحقيق أهداف الحرب بالسلاح أصبحت في حكم الاستحالة بالنسبة للجنجويد، وما تزال في إطار الممكن بالنسبة للجيش سلماً أو حرباً كما تدل كل المؤشرات.
6
ماهى شروط الجيش لتحقيق أهدافه من الحرب سلماً؟
هي ذات شروطه لتحقيقها حرباً.. الحفاظ على سيادة البلد بمنع التدخلات الخارجية، سواء في إطار الإمداد الخارجي المادي الهادف لإطالة أمد الحرب، أو بالدعم السياسي والإعلامي الذي نراه في الشاشات الملونة بألوان وأعلام الجنجويد وتصريحاتهم.. وهذا ما ورد في تصريح الفريق أول الكباشي مثار الضجة (أي مبادرة تراعي السيادة).
هناك ثلاثة شروط أخرى أعلن عنها الفريق أول البرهان يوم أمس الأول وهي إخراج القوات المتمردة من بيوت الناس والمستشفيات والأعيان الحكومية.. أي بعد أن أفشل الجيش الخطة الأساسية للتمرد، قدم شروطه لإنهاء الحرب في بداية مفاوضات جدة، مع إنهاء قوات الدعم السريع نفسها كقوات موازية للجيش.
إذا ما تحققت تلك الأهداف سلمياً فلماذا يحارب الجيش؟ ومن يريد الموت ومن يسعى لتخريب البلاد؟
أكيد ليس الجيش.. إذن علينا دعم الجيش لتحقيق هذه الأهداف سلماً عبر مفاوضات جدة فإذا استطاع خيراً وبركة، وكفى الله المؤمنين القتال، وإذا استحال عليه تحقيقها قسراً، فالحرب مستمرة ولن يوقفها تصريح..
ولنا ان نسال ما سبب المخاوف التي تصاعدت بعد تصريحات الكباشي؟ من أي شيء يخاف الناس؟
يخافون أن تتخلى قيادة الجيش تحت وطأة الضغوط الخارجية عن شروطها وتقدم تنازلات لا تحقق الأهداف والشروط المعلن عنها، فتعيد تموضع قوات الدعم السريع وقياداته في الساحة مجدداً، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً!!
تلك تخوفات لها ما يسندها، إذ كثيراً ما تستجيب قيادة الجيش للضغوط، مثل استجابتها للهدن المتعددة والتي تضرر منها الشعب، واستفاد منها التمرد، إذن هناك سوابق تبرر تلك المخاوف.. ولكن وفي تقديري الان غير متاح لقيادة الجيش تقديم تنازلات جوهرية هذه المرة، وذلك لأسباب تتعلق بالبيئة الداخلية للبلاد والرأي العام للشعب الذي يطالب القادة بدحر التمرد، والرأي العام داخل الجيش نفسه، علاوةً على تطورات أخرى تتعلق بالبيئة الخارجية، ثم ما يجري داخل قوات الدعم السريع من تطورات، وتلك الأسباب والتطورات بحاجة لإلقاء الضوء عليها و سأفصلها في المقال القادم بإذن الله..
نواصل

Exit mobile version