سيدهشكم السودان

م/منجد إبراهيم يوسف
ألهمتنى المرافعه القويه التي قدمها الدكتور وجدي ميرغني رئيس اتحاد المصدرين و خبير الزراعه السوداني، في الحادي عشر من نوفمبر من هذا العام في بورسودان في مؤتمر حول مستقبل وتنميه الصادرات السودانيه مابعد الحرب، لكتابه هذا المقال والذي توقع فيها رئيس اتحاد المصدرين، وصول صادرات السودان إلى 16 مليار دولار في غضون خمس سنوات، ونحن هنا لنحلل تلك المرافعة القوية وندعمها، بل نقول إن رقم صادرات 16 مليار دولار هو رقم متواضع على بلد موارده الطبيعية ضخمة مثل السودان.
مقدمه:
يمر السودان بمرحلة دقيقة في تاريخه المعاصر، حيث تقترب آلة الحرب من التوقف، ويُفتح المجال أمام مرحلة جديدة من التعافي الوطني وإعادة البناء. إنّ التعافي بعد النزاعات ليس مهمة سهلة، لكنه أيضًا ليس مستحيلاً على بلد مثل السودان وشعب مثل الشعب السوداني القوى الصلب الذي مر بمحن كثيرة وخرج منها قوياً معافى ، خاصة إذا ما توفرت الإرادة السياسية لهذا التعافى ، والتخطيط الاقتصادي السليم، والدعم الشعبي والدولي، ووضوح رؤية مابعد الحرب والأهم من هذا كله، فرص السلام الاجتماعي وعدم التخوين وقبول الآخر في بوتقه واحدة تصنعها الوطنية السودانية.
أولاً: طبيعة الحرب وآثارها
ألحقت الحرب السودانية التي اندلعت في 2023 أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية، وشردت ملايين المواطنين، وأثّرت على الاستقرار الاجتماعي، وأضعفت المؤسسات الاقتصادية والمالية. ومع ذلك، لم تفقد البلاد مقوماتها الأساسية، بل يجب أن نقول إن الاقتصاد السوداني فقد حوالي 50 % من قوته وتدهورت العملة المحلية إلى أقل من النصف، ومع ذلك ونتيجه شكل وطبيعة الاقتصاد السوداني ومرونته، لم تُهدر كل إمكانيات الاقتصاد . بل إن السودان لا يزال يملك عناصر قوية تجعله قادرًا على التعافي في فترة قصيرة نسبيًا، إذا ما تم توظيف هذه الموارد بشكل علمي وشفاف.
ثانيًا: الفرص الاقتصادية المتاحة
لابد أن نعلم جيدا أن الاقتصاد السوداني مرن ومتنوع وهو اقتصاد شعبي وليس حكومي وليس اقتصاد مركزي، إذ مازال المكون الشعبي هو المؤثر في الاقتصاد وليس المكون الحكومي، كذلك يتنوع الاقتصاد السوداني مابين اقتصاد (زراعي – إنتاج حيواني – تعديني – تصنيعي)
ويجب أن نعلم أيضا أن العجز في الميزان التجاري في السودان في التجارة الخارجية في أسوء السنوات كان في حدود 6 مليار دولار وهذا رقم صغير في عجز الموازنات ويمكن تدبير أكثر منه من تحويلات السودانيين العاملين بالخارج.
هذا ليس معناه أنه ليس هناك مشكلة في الاقتصاد السوداني بسبب تأثير الحرب، إنها موجودة بالفعل ولكن فرص التعافي في اقتصاديات مثل الاقتصاد السوداني سهلة وفترات التعافي قصيرة على عكس كل التكهنات التي تشير إلى احتياج الاقتصاد السودانى إلى عشر سنوات، هذا غير صحيح وفعلا سيفاجئكم الاقتصاد السودانى بأنه سيستعيد عافيته بإذن الله في ثلاث سنوات وليس أكثر من ذلك وذلك للأسباب التالية :
1- تنوع الموارد الطبيعية:
السودان يتمتع بثروة هائلة من الأراضي الزراعية الخصبة، تصل إلى نحو 200 مليون فدان، لكنه لا يستغل منها سوى نسبة محدودة ( لاتتجاوز 25 % من المساحة) وانتاجها الفعلى هو انتاج 10 % من المساحة ( أي أن الإنتاج الفعلي الزراعي الحالي للسودان لايتجاوز إنتاج 10 مليون فدان من انتاج دول الجوار ) . كذلك يمتلك السودان موارد مائية كبيرة بفضل نهر النيل وفروعه، إلى جانب أمطار موسمية وفيرة في عدة مناطق تصل موارد السودان من المياه إلى مايتجاوز 400 مليار متر مكعب من المياه هي كفيلة بزراعة 100 مليون فدان على الأقل ( بخلاف حوض النوبة الجوفى الأكبر في العالم ).
2- الثروة الحيوانية:
تقدّر الثروة الحيوانية بأكثر من 100 مليون رأس، متنوعه مابين الأبقار والابل والضأن، مما يجعل السودان من كبار المصدّرين المحتملين للحوم (لمصر ودول الخليج في الأضاحي) والجلود ومشتقات الألبان، وخاصة مع ازدياد الطلب العالمي على اللحوم الحلال.
3- المعادن والذهب:
يمتلك السودان احتياطات ضخمة من الذهب (يُعد من أكبر 3 منتجين أفريقيًا)، وينتج سنويا انتاج رسمي في حدود 65 طن وفعلى يتجاوز 100 طن سنويا قيمتها الفعليه أكثر من 10 مليار دولار بجانب معادن أخرى مثل الكروم، الحديد، النحاس، المنجنيز واليورانيوم، وهو ما يوفر مصدر دخل مهمًا إذا ما تم تنظيم عمليات التنقيب والتصدير وتوفر السلم والأمان في المجتمع.
4- الموقع الجغرافي:
يشكل السودان حلقة وصل بين شمال إفريقيا ووسطها، بل يعتبر البوابه الحقيقية لصادرات دول شمال أفريقيا وعلى وجه الخصوص مصر الى الدول الأفريقية خاصة الدول الحبيسة، في الوقت الذى تستعد فيه مصر إلى زيادة صادراتها إلى أفريقيا فإن السودان ستكون البوابة الفعلية لتلك الصادرات، مما يؤهله ليكون مركزًا لوجستيًا وتجاريا محوريا يخدم التجارة الإقليمية والدولية.
ثالثًا: فرص التعافي السريع
– إعادة هيكلة الاقتصاد:
يمكن للسودان أن يبدأ من جديد بتحديث هيكل الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على العوائد الريعية، وتبني سياسات تنموية تعتمد على الزراعة والصناعة التحويلية للمحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني.
أيضا يحتاج الاقتصاد السوداني إلى مجموعة من الإصلاحات الهيكلية والتي تسبب تشوهات في الاقتصاد السوداني مثل مراجعة منظومة الدعم وبحث توصيل الدعم الى مستحقيه بالإضافة إلى مجموعة من الإصلاحات في قوانين الاستثمار والتي من شأنها جذب الاستثمارات الأجنبية وتقديم حوافز تطمينية وجاذبة لتلك الاستثمارات
– جذب الاستثمارات الإقليمية والدولية:
مع توفر الأرض، والمياه، والأيدي العاملة، فإن السودان وجهة واعدة للاستثمار في القطاعات الإنتاجية، في بلد تقريبا 50 % من إجمالي مساحته صالحة للزراعة، ويمكن تفعيل شراكات مع دول الخليج ومصر وتركيا وقطر وغيرها، بهذا الخصوص.
وبالفعل يحتاج السودان إلى استثمارات في حدود 200 مليار دولار على مدى عشر سنوات على الأكثر لتنميه البلاد واستثمار مواردها ، مع العلم أيضا بأن العائد على الاستثمار في السودان من أعلى البلدان
– التكامل الاقتصادي مع دول الجوار:
يشكل التعاون مع دول الجوار (تشاد، إثيوبيا، جنوب السودان) وعلى وجه الخصوص منها مصر فرصاً كبيرة لإنشاء مشاريع مشتركة تعزز الاستقرار والتنمية.
ان التكامل الاقتصادي مع مصر سيتيح للسودان الاستفادة الكبيرة من توفر الطاقة والبنية التحتية الضخمة والفرص اللوجستية والطرق والموانىء التي تتمتع بها مصر في صادراتها مع أوروبا والخليج وغيرها وكذلك توفر المواد الخام والقاعدة الصناعية الكبرى والأيدي العاملة المدربة في مصر
كل ذلك سيكون فرصا واعدة للاقتصاد السودانى في حالة التكامل مع الاقتصاد المصرى
رابعًا: التحديات المحلية والدولية
– الحاجة إلى استقرار سياسي شامل .
– الحاجة إلى سلام إجتماعي شامل يعم البلاد وحالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهى العوامل الأهم في جذب الاستثمارات الأجنبية
– إصلاح مؤسسات الدولة، وتوفير ضمانات حقيقية للاستثمارات والمستثمرين
-تقديم حوافز استثمار للمستثمر المحلي أيضا فنحن نؤمن بأن إعمار السودان سوف يبدأ ويكون الجزء الأكبر منه على عاتق رجال الاعمال السودانيين أنفسهم .
– معالجة آثار الحرب: عودة النازحين، إعادة الإعمار، دعم الصحة والتعليم.
– مكافحة الفساد وضمان الشفافية في استخدام الموارد.
– إعادة الثقة مع المجتمع الدولي والمؤسسات التمويلية.
خاتمة:
السودان اليوم يقف على عتبة مرحلة جديدة، يحمل في داخله الجراح والخراب، لكنه أيضًا يحمل بذور النهوض. ويحمل بين طياته وفى داخل جوف أرضه الخيرات لشعبه ولشعوب المنطقة من خيرات متعددة ومختلفة لم تكتشف بعد.
إن امتلاك السودان لاقتصاد متنوع وقوي الإمكانيات واقتصاد شعبي لم يسمح للبلد بالانهيار الكامل مع تلك الحرب اللعينة، يمنحه القدرة على التعافي السريع والمستدام، بشرط أن يتم البناء على أسس وطنية شاملة، وتحقيق توافق حقيقي بين القوى الفاعلة.
فما بعد الحرب ليس نهاية، بل هو بداية واعدة إذا ما أُحسن التعامل مع الفرص المتاحة وتجاوز المعوقات.
ولذلك سيفاجئكم السودان بسرعه التعافي في أقل من ثلاث سنوات بعد توقف الحرب



