سمسرة وضرب وقتل .. سودانيون أمام مفوضية اللاجئين بالقاهرة.. صورة عن قرب
الأحداث – عبدالباسط إدريس
لم تكن حادثة إطلاق النار على سيدة خمسينية ووفاتها في الحال إلا نتيجة طبيعية لمعاناة السودانيين في الوصول إلى محطة طلب اللجوء التي يصلها الناس بشق الأنفس ومن لم يحالفه الحظ يفترش الرصيف لانتظار محاولة أخرى قد تستمر لأيام وفي بعض الحالات لأشهر عديدة.
آخر حدث:
شكل مقتل سيدة خمسينية على أعتاب المفوضية إثر اشتباك معتاد صدمة كبيرة خاصة للذين يتابعون مثل هذا الحدث عن بعد.. لقد أطلق رجل النار على السيدة وأرداها قتيلة ثم ولى هارباً قبل وصول الشرطة المصرية إلى مقر الحادث لمباشرة إجراءاتها القانونية.
من الواقع :
هنا في مدينة (6) أكتوبر حيث مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يحتشد المكان بتفاصيل مأساوية، الآلاف يقفون في صفوف تبدأ ولاتنتهى رجال ونساء، عجزة وأطفال يفترشون الأرض، ثم تبدأ عمليات إدخال المجموعات بواقع عشرة أشخاص من كل صف، تتراوح أعداد الذين يكملون إجراءاتهم يومياً مابين 70 إلى 300 شخص كرقم قياسي، حيث تبدأ المفوضية عملها يومياً من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة عصراً ماعدا يوم الخميس حيث تبدأ عملها من الثامنة وحتى الثانية عشر بعض الظهر، وتبدو آليات عمل المفوضية أقل بكثير عن حجم وكثافة الوافدين لإجراءات طلب اللجوء، فالمفوضية لا تتعامل فقط مع من يحملون الجنسية السودانية وإن كانوا الأغلبية الذين تتعامل معهم في هذه الأيام ولكنها تستقبل أيضاً مواطنين من بلدان أخرى يقولون إنهم كانوا يقيمون في السودان وأجبرتهم الحرب بالفرار إلى مصر.
عمل المفوضية:
تقول المفوضية إنها قامت بتسجيل أكثر من 400 ألف سوداني في مصر منذ اندلاع الحرب في السودان، لكن في الواقع فإن هناك أضعاف هذا العدد من الذين ينتظرون الموعد المحدد للتسجيل أو الذين يرغبون في تسجيل بياناتهم أو تجديد بطاقاتهم.
تمنح المفوضية الشخص الذي يتقدم بطلب اللجوء بمجرد إبراز إثبات موثق عن هويته ورقة بيضاء تفيد بتقييده ثم يمنح موعداً لمقابلة المفوضية للنظر في حالته، ينطبق ذلك على الذين يقومون بالتسجيل عبر الهاتف حيث يتلقون رسالة بتحديد موعد المقابلة مع تأكيد إضافي عبر رسالة أو اتصال من قبل المفوضية قبل الموعد للحضور إلى مقرها لإجراء المقابلة والتقرير بمنح الحالة بطاقة الإقامة الصفراء وهي صالحة لستة أشهر قابلة للتجديد بالحصول على موعد آخر مسبق أو بالحصول على إقامة لمدة ثلاث سنوات بحسب مقتضى حالته. ولإنشغال هاتف المفوضية الذي هو قليل الاستجابة يضطر السودانيون للوصول إلى مقر المفوضية في القاهرة وخصصت المفوضية مساحة لذوي الاحتياجات الخاصة من المرضى والمعاقين وكبار السن الذين تحرص عناصر الشرطة المصرية إدخالهم بسلاسة ورفق عبر مسار خاص إلى مقر المفوضية بعد الاطلاع على أوراقهم وحالاتهم.
سماسرة وصفوف:
تشدد المفوضية على أن جميع خدماتها تقدم مجاناً، وتؤكد أنها لا توكل مهمتها تجاه اللاجئين إلى أي طرف آخر، وتناشد كل من يطلب منه مبلغ مالي نظير أي خدمة التبليغ الفوري عن الشخص لدى الشرطة، ومع ذلك رصدت (الأحداث) واقع مختلف تماماً حيث ينشط أمام بوابة المفوضية مجموعة من السماسرة رجال ونساء جميعهم سودانيون يقومون ببيع الصفوف بمبلغ يتراوح مابين ألف إلى الفي جنيه مصري، وتبدأ عملية الزحام وإخراج الناس من الصفوف لإدخال آخرين كانوا قد دفعوا مسبقاً للسماسرة، وتؤدى هذه الممارسات يومياً إلى ضرب واشتباكات وألفاظ وشتائم متبادلة بين السودانيين، تقول سيدة تمارس السمسرة ل(الأحداث) إنها لاترى فيما تقوم به عيباً لأن هذه الوسيلة هي مصدر أكل عيش لأبنائها، وتشرح أنها تقوم بهذا العمل بإشراك أولادها وأحفادها حيث تقوم بإيقاف بعضهم في الصفوف لساعات طويلة يومياً، وتوضح أنها تنافس سودانيات أخريات فى هذا المجال من خلال تقديم عرض أفضل للزبون مع تقديم خدمات المياه والأكل والقهوة والسجائر له ومنحه موقع يضمن دخوله إلى مقر المفوضية نظير دفعه مبلغ متفق عليه.
هذا فيما يلي جانب النساء، أما جانب الرجال فهو الأسوأ من حيث الاشتباكات واستخدام الأسلحة البيضاء من مطاوي وسكاكين وعراك وضرب وشتائم بين الذين يقفون لأيام كثيرة وبين السماسرة الذين يدفعون بهم خارج الصفوف لإدخال آخرين، يقول سمسار سوداني ل(الأحداث) إنه يقوم بعمله لا أكثر في تقديم خدمة لمن يطلبها، نافياً قيامهم بابتزاز أو إخراج آخرين وحرمانهم من حقهم في الوصول لداخل مقر المفوضية بطريقة منتظمة.
يحكون معاناتهم :
تقول السودانية س، ع، ل(الأحداث) “ظللت أحضر مع أطفالي الثلاثة لأكثر من ثلاثة أشهر بواقع مرتين في الأسبوع ولم أتمكن من الدخول للمفوضية.. نساء سمسارات يخرجنني وأخريات من الصفوف بالدفع والضرب والشتائم ويدخلن أخريات لمجرد دفعهن المال دون مراعاة لحالتنا، وتمضي قائلة: “حملت كرت تقريري الطبي وذهبت به إلى صف ذوي الاحتياجات الخاصة، دخلت وتم استقبالي من قبل موظفي المفوضية بصورة ممتازة وأكملت إجراءات تسجيلي في وقت وجيز”.
أما أ ،ط، فلم يخفى خيبة أمله في المفوضية، ويؤكد أنه ظل لشهر كامل يحاول التسجيل دون جدوى، منتقداً إهمال المفوضية والسلطات المصرية لما يحدث من فوضى وابتزاز وسمسرة وعدم تنظيم، وقال: “ينتابني شعور بفقدان الأمل تماماً في الدخول إلى المفوضية”.
جهود واتصالات :
ويشكل تزايد أعداد السودانيين في مصر تحديات كبيرة للحكومة في ظل مايعيشه مواطنو هذه البلاد من تحديات اقتصادية كبيرة ومع كل انتهاء مدة تحددها السلطات المصرية لتوفيق أوضاع اللاجئين، ظل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يمدد الفترة للسودانيين بشكل خاص، ومؤخراً شرعت السفارة السودانية بتنسيق مع مكتب الجالية في حوارات متصلة مع السلطات المصرية ومفوضية اللاجئين بشأن أوضاع السودانيين لم تعلن نتائجها حتى الآن.
تأسيس المفوضية:
تأسست المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في ديسمبر 1950 بميزانية تقدر بثلاثة آلاف دولار لترتفع فى ااعام 2009 إلى ملياري دولار، وطبقاً للموقع الرسمي للمفوضية على الفيسبوك فإنها تتعامل اليوم مع 34.4 مليون شخص مشمولين باختصاصها، منهم 14.4 مليون نازح داخليا و10.5 مليون لاجئ ومليونا عائد و6.6 ملايين شخص عديم الجنسية واكثر من 800 الف شخص طالب لجوء.
وتقول المفوضية إن ولايتها ابتداءا كانت محددة بثلاث سنوات لمعالجة نازحي أوروبا في الحرب العالمية الثانية.