عمار عوض
تباينت التفسيرات والدعاوى لزيارة رئيس المجلس السيادي في السودان الفريق أول عبد الفتاح برهان الى مدينة جوبا وهي التي لم تكن معلنة مسبقا والتي قال المجلس السيادي بعدها انها تركزت على معالجة قضايا النفط ، فيما ذهبت تفسيرات الى أنها أتت في موعدها بعد اقتراب المعارك وتأثيرات الحرب الى حدود السودان مع دولة جنوب السودان ، ومن اتجه الى انها لم تعطي هذا الأمر حقه في ما اعلن من نتائج الزيارة ، ومن رأى أنها دخلت على الخط بعد حادثة إطلاق النار التي وقعت في جوبا والزيارة الإماراتية التي ترافقت مع الحادثة المرتبطة بمدير المخابرات الموقوف الفريق اكور ، وأحاديث شتى جعلت السؤال مشروعا “ما الذي هناك حقا”.
يجب التسليم والتأكيد اولا ان العلاقة بين السودان وجنوب السودان “سيامية: لا انفصال لها بها قضايا مازالت عالقة مثل “قضية أبيي” ويربط البلدين أطول خط أنابيب لنقل النفط في أفريقيا ما يجعلهما يتنفسان يختنقان سويا، كما يربطهم أطول خط حدود افريقي “2000 كلم” يجعل منهم وتداخلهم لا انفصام وليس هناك من قدرة لتجعلهم يتدابران او يتداخلا عسكريا فيما بينهم والخرطوم ترعى (سلام الجنوب) التي تتضمن هي الأخرى اتفاق (سلام جوبا ) الذي بموجبه تشكلت أوضاع دستورية في السودان.
وبالنظر الى اتفاق سلام جنوب السودان الذي ترعاه الخرطوم واستطاع تجاوز مواقيت الانتخابات والترتيبات الامنية والدستورية له، والتي سلم بها الجميع رغم السخط المكتوم، لكن نجد هناك قضية شائكة تلقي بظلالها وهي دعوة تنظيمات “سوا” الى اقالة النائب الرابع حسين عبد الباقي للرئيس سلفا كير – جنوب السودان به خمسة نواب بموجب اتفاق الخرطوم الذي انهى الحرب الدموية بين سلفا كير ومشار والاخرين عهد البشير- على الرغم من أنها رشحته اولا كما أنها ليست المرة الاولى حيث سبق لها ذلك في عهد رئاسة البرهان للدولة بعد الثورة/ التغيير وايلولة “رعاية سلام جنوب السودان” اليه ويومها ذهب الجنرال برهان الى جوبا واستطاع نزع فتيل الازمة واعيدت الثقة في النائب حسين عبد الباقي الذي استمر الى ان دعت التنظيمات مجددا وموحدة بطلب إقالته مجددا هذا الشهر .
يأتي ذلك في ظل توترات داخل بنية السلطة في جنوب السودان وتباينات غير معروفة التوجهات ، كما يمثل النائب حسين عبد الباقي اكول دينكا شمال بحر الغزال “دينكا أويل” وهي المتاخمة لدولة السودان في أكثر مناطقه التهابا في حزام التماس/ التمازج عند حيث امتدادات قبائل المسيرية وحركتهم الرعوية وتباينها في الحرب الدائرة الان واشكالات تهريب الاسلحة وحركة المقاتلين، كما معلوم بالضرورة ان ال السلطان عبد الباقي هم حلفاء قدامى للجيش السوداني في الحرب الأهلية التي انتهت بانفصال/ استقلال جنوب السودان .
لذا فإن قضية النفط وانسيابه تعتبر القضية الأكثر وضوحا من حيث المساحة الفعلية من زيارة رئيس السيادي السوداني فيما يتعلق بعلاقات المصالح الاستراتيجية في ظل حاجة فعلية للبلدين للبدء في تصدير النفط بعد توقف استمر لقرابة العامين الآن بفعل الحرب التي دمرت كثير من الخط الناقل للبترول ، والذي استوثقت من مصادر عدة من اكتمال تأهيله بشكل كامل وصار جاهزا لبدء عمليات التصدير وعندها ستعود الروح لكلا البلدين والشعبين.
وكان من المثير التصريحات التي سبقت زيارة البرهان وادلى بها النائب تعبان دينق قاي احد القيادات التاريخية للحركة الشعبية في الحكومة أو المعارضة في ولاية الوحدة المتاخمة للسودان وتتقاطع معه في كثير من الملفات على رأسها البترول والأمن على الحدود التي تؤثر وتتاثر بالسودان ، وقال تعبان في مؤتمر حكام الولايات في جوبا على طريقة 2*1 أ: “لا توجد حكومة في السودان غير شرعية ويجب على الحكومة في جوبا الاعتراف بنتيجة استفتاء أبيي (عقد من جانب واحد ووصل الى ضم أبيي للجنوب )” ما خلط الأوراق بين البلدين من جهة أنه التصريح الأول الذي يتناول قضية “الشرعية” بهذا الشكل، لذا كان مفهوما ان تقوم الرئاسة في جوبا باعلان ان هذا موقف لا يعبر عن الرئاسة ولا عن الحكومة ورأي المؤسسات السيادية.
في ظل وجود راي قائل بان تصريحات النائب تعبان قاي لا تتعلق بابداء التضامن والالتزام القوي لشعب أبيي الذي صار معلقا في ظل متغيرات حادة إن كان في السودان وجنوب السودان نفسه الذي يرون أنه يعيش هو الآخر صراعات مراكز القوى حول الرئاسة أن شغر مقعده على طريقة الفجاءة ، لافتين الى أن جملة احاديث وتفسيرات تشير الى هذا المنحى من بينها اقالة الفريق اكول كور صاحب السطوة في القطاع الامني، وتاخر الوصول لاتفاق سلام مع مجموعة باقان اموم ، وان القول بان لا حكومة في السودان ما هو إلا محاولة للطعن في حلفاء السودان في في الرئاسة الجنوبية في إطار الصراع الداخلي وليس في إطار تداعيات الحرب وقضايا “الشرعية ” للحكومة السودانية او الجنرال برهان باعتبار انها محسومة لذا أتى البيان سريعا من وزير شؤون الرئاسة الجنوب سودانية.
ومن هنا تتضح الوقائع التي قادت رئيس المجلس السيادي الى زيارة جوبا على هذا النحو الذي تشير الى تعقيدات وتقاطعات الملفات ما بين السودان وجنوب السودان والتي لا ينفع معها أي تعامل غير حكيم لأن البلدين اصلا يعيشان حربا وأي اهتزاز في ميزان القوى السائد فيهما سيقود الى كارثة حالة “اللادولة” من الشكل “المرعب” للاستقرار الافريقي والعالمي خاصة إذا أتى على طريقة “ليفل الوحش” السوداني.
وبعيدا عن الوحش وقريبا من اخبار متفرقة تبعث على التساؤل قبل الأمل في مناحي شتى و منها ما رشح عن زيارة مبعوث خاص للرئيس موسيفينى الى جوبا ولقائه مع الرئيس سلفا كير في نفس اليوم الذي كان فيه البرهان الى جوبا ، صحيح انه ليس هناك رابط بينهم بحسب أقوال رسمية من جوبا، لكن الصحيح ايضا ان الرئيس موسفيني كانت له مبادرة طرحها في إطار الإيقاد للجمع بين الرئيس برهان وقائد الدعم السريع / المليشيا في عنتيبي والتي رفضها السودان في ظل تقدم قواته المسلحة على الأرض ، كما معلوم بالضرورة ان قيادات تنسيقية “تقدم ” كانت تعقد اجتماعاتها في عنتيبي في نفس التوقيت والتي خلصت بعده الى منازعة (الشرعية) والدعوة ل(حكومة منفى) ، وكان آخر تصريح للبرهان يخصهم قوله ” من يوالي الدعم السريع مصيره مزبلة التاريخ وان باب التوبة مفتوح لمن أراد ” وأحاديث من هذا القبيل.
وصحيح ايضا ان السودان بعيدا عن هذا التفاصيل المبعثرة عينه على قضايا استراتيجية اخرى تربطه ليس مع يوغندا وحدها ولكن مع مجتمع شرق أفريقيا ودول حوض النيل الذي ترأسه جنوب السودان لهذه الدورة وهي التي وقعت أيضا في عنتيبي على قضايا رفضها السودان بشدة والمتعلقة بأنصبة المياه، وقضايا انتخابات الاتحاد الافريقي وعودة السودان إليه ، وصحيح ايضا ان الرئيس البرهان بعد عودته تلقى دعوة لزيارة الكويت من اميرها مشعل الصباح بعد عودته من حوبا بيومين في ظل أنباء وتحليلات تذهب الى ان الكويت القريبة (بعض الشئ) من الإمارات (ربما) تطرح أمرا يتعلق بالعلاقة المتوترة بين أبوظبي والخرطوم .
وهنا لا يمكن أن ننسى ما تم تداوله عن زيارة الشيخ شخبوط بن نهيان الى جوبا الأسبوع الماضي وقيل انها تتعلق باستثمارات أبوظبي في البنية التحتية النفط الجنوب السوداني ، وقيل ايضا انها تأتي في سياق إصرار جوبا بالمقابل على ضرورة ضمانة اماراتية فورية من قوات/مليشيا الدعم السريع لإخراج بنية النفط من دائرة الصراع في السودان لتأمين انسياب النفط، وهو ما جعل التكهنات تربط زيارة شخبوط مع انسياب النفط مع الدعوة الكويتية مع الإشارة الى بحث آفاق حوار سوداني – اماراتي مباشر إلى جانب سبب الدعوة الحقيقي وهو تعضيد أواصر التعاون بين الكويت والسودان.
من هنا تأتي الامال بان تكون قيادة البلدين في السودان وجنوب السودان قد اتجهت لمعاونة بعضها البعض على تعزيز النفوذ لضمان تعزيز سلطتهم القائمة ونزع الألغام من طريقها ما يساعد على نقلها بشكل يحفظ الاستقرار والتوازن وأن ليس بالنفط وحده يحفظ الاستقرار ، لذا دائما ما اردد واقول ان الوقت والفرصة سانحة ليس ل(تاسيس جديد للدولة السودانية ) من ركام الحرب وثمنا للدماء التي ازهقت بغير حق في “الخرطوم والجزيرة والجنينة” ولكن لتأسيس جديد بين السودان وجنوب السودان بعيدا عن تصنيفات وكبائن الماضي واستدعاء القضايا الاستراتيجية ” الشرعية، النفط، ابيي ” لطاولة التنازع والتكتيكات المرحلية، وإن أقصر الطرق لحلحلة المشاكل هو الخط المستقيم والحوار المباشر وتظل القاعدة الذهبية “الاتفاق على قضايا صغيرة مجزئة يقود الى اتفاق على قضايا كبيرة ” تفتح الروح ضلفتين ليس في بين السودان وجنوب السودان ولكن حتى في المدارات التي تدور فيها حروبهم الداخلية ،وبكرة دوما احلى اذا حسنت النوايا “والله العظيم”!