ريما السالم، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في سياق النزاعات، قالت إن ما شاهدته خلال زيارتها الميدانية للسودان يمثل «وضعًا كارثيًا أسوأ بكثير مما تخيلته أو قرأته في أي تقارير»، مؤكدة أن العنف الجنسي يُمارس على نطاق واسع وبشكل ممنهج كأداة حرب لتدمير المجتمع السوداني وتقويض نسيجه الاجتماعي.
وجاءت تصريحات السالم خلال لقاء مع الجزيرة مباشر، حيث كشفت عن شهادات صادمة استمعت إليها من نساء وفتيات تعرضن لاغتصاب وحشي، شمل اغتصابًا جماعيًا واعتداءات وقعت أمام أفراد من عائلاتهن. وأوضحت أن آثار هذه الجرائم لا تقتصر على الأذى الجسدي، بل تخلّف صدمات نفسية عميقة تمتد أيضًا إلى الرجال الذين كانوا شهودًا على هذه الانتهاكات، في ظل شعور بالعجز وانكسار الكرامة الإنسانية.
وأضافت أن العنف الجنسي، إلى جانب أشكال أخرى من العنف، استُخدم كوسيلة متعمدة لتفكيك المجتمع السوداني وضرب تماسكه، مشيرة إلى أن كثيرًا من النساء يواجهن صعوبات كبيرة في الإبلاغ عن هذه الجرائم بسبب الوصمة الاجتماعية والخوف، ما يجعل الحجم الحقيقي للانتهاكات أكبر بكثير مما هو موثق رسميًا.
وأشارت السالم إلى أنها تحدثت مع نساء وفتيات قدمن من مناطق كانت خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، لا سيما من الفاشر وكردفان، ووصلن في أوضاع إنسانية بالغة القسوة بعد معاناة من الحصار والجوع، واضطرارهن لقطع رحلات طويلة وخطِرة استغرقت أيامًا. وقالت إن بعض القصص التي سمعتها خلال هذه الرحلات «لا يمكن تجاوزها بسهولة» لما تحمله من معاناة إنسانية قاسية.
وسلطت المسؤولة الأممية الضوء على الدور المحوري الذي لعبته المجتمعات المحلية التي بقيت خارج مناطق القتال، ووصفتها بأنها «خط الدفاع الأول» في مواجهة الكارثة الإنسانية، حيث فتحت منازلها وتقاسمت ما تملكه من القليل مع النازحين القادمين من دارفور وكردفان، إضافة إلى نازحين من الخرطوم وود مدني ومناطق الجزيرة، رغم أن هذه المجتمعات نفسها عانت من ويلات الحرب خلال فترات سيطرة الدعم السريع.
كما كشفت السالم عن عنف اقتصادي واسع النطاق، تمثل في نهب منظم للممتلكات، وتدمير المنازل، وسرقة المحاصيل والذهب والمدخرات البسيطة للأفراد، معتبرة أن هذه الممارسات تنطوي على قدر كبير من الإذلال المتعمد للسكان، فضلًا عن تدمير ممنهج للبنية التحتية. وشددت على أن ما يجري «ليس حوادث فردية أو تجاوزات معزولة، بل نمطًا متكررًا ومنظمًا من الانتهاكات الجسيمة».
وختمت المقررة الأممية حديثها بالتأكيد على أن حجم الجرائم المرتكبة في السودان يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لحماية المدنيين، وضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، ووقف استخدام العنف الجنسي والاقتصادي كسلاح حرب ضد الشعب السوداني.
