رسالة الي الفريق البرهان… حين يتوقف الزمن عند باب القيادة رسالة أمة لا تريد أن تُدفن مرتين

عبدالعزيز يعقوب- فلادليفيا
ayagoub@gmail.com
٦ نوفمبر ٢٠٢٥
الحرب ليست نزهة، وليست مشهدًا بطوليًا كما يتوهّم تجار الدم، ولا مسرحًا لإثبات الشعارات.
الحرب فعلٌ مكروه للنفس البشرية، جرحٌ مفتوح في ضمير البلاد، وكارثة تُسقط من إنسانية الإنسان أكثر مما تُسقط من خصمه.
وقد تجاوزت الحرب التي تطحن وطننا اليوم شكلها التقليدي، فحملت في طياتها كل الشرور، جرائم الحرب، والإبادة، واغتصاب النساء، وقتل الأسري وترويع الأطفال وقتلهم بدم بارد، حتى خرج من أنصاف الرجال والناقصين عقلًا ودينًا من يتفاخر بعدد الأسرى الذين قُتلوا، أو النساء اللواتي انتُهكن، أو الأطفال الذين رُوّعوا.
وهذا وحده يكفي ليُفهم أنّ ما يجري ليس حربًا، بل وحشية مستباحة.
ومع ذلك، يخرج بيننا من يرفع شعار «لا للحرب» كما رفع من قبل شعار «تسقط بس»، وكأن الأوطان تُدار بالهتاف، لا بالمؤسسات والقرارات.
هؤلاء لا يحسبون الربح والخسارة في السياسة وفي قيمة الأوطان ، ولا يعرفون استقراء المستقبل، ولا يقرأون التاريخ ولا خرائط المصالح.
فالشعارات إذا لم تُترجم إلى مشروع وطني، تصبح طريقًا مختصرًا نحو الخراب.
سيدي الرئيس
نعلم، ويعلم الشعب، أنّ القوات المسلحة تقاتل بذمّة السودان كله، وبشرف أهله، وأنها واجهت المليشيا وهي في موقف غير متكافئ عدّةً وتمويلًا.
ونعلم أن كثيرين يضعون على كتفيك مسؤولية تمدد مليشيا الدعم السريع المتمردة، ولكننا نعلم كذلك أن لحظات الاضطراب بعد الثورة لم تكن أرضًا صالحة للمواجهة، وأن الأحزاب كانت مضطربة بين طفولة سياسية، ومراهقة صاخبة، وشيخوخة فقدت القدرة على قراءة الواقع.
ومع كل ذلك، وبرغم كل الملاحظات على الأجهزة النظامية، يبقى الجيش هو عظم الظهر للبلاد، والجدار الأخير قبل هاوية التقسيم والضياع.
وبما أنّ الشعب السوداني، داخل الحدود وخارجها، وقف خلف قواته المسلحة كما لو أنّ التاريخ أُعيد إليه حق التصويت، فصوّت بدمه وحنينه وانحيازه للوطن، فإن هذه اللحظة تفرض على القيادة قراراتٍ لا تعرف الرماد ولا أنصاف الحلول.
ولأجل ذلك، ومن أجل أن تبقى الدولة، لا بد من خطوات حاسمة:
أولًا:
إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية في جميع البلاد، لأن الدولة حين تكون في الخطر لا تُدار بقوانين السلم.
ثانيًا :
إصدار مرسوم رئاسي عاجل بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت، يضم مجلس الوزراء والمجلس السيادي، وممثلين من كل ولاية من الأعيان والإدارات الأهلية، إضافةً إلى ممثل للشباب في كل ولاية، وممثل عن قطاعات الفئات والمرأة، ليكون هذا المجلس صوتًا للأقاليم، وصوتًا للمهنيين، وللناس جميعًا بلا استثناء.
ثالثًا:
لا يُعتمد أي ممثل دون تصديق أمني يثبت خلو سجله من الجرائم أو الارتباط بقوى خارجية أو المليشيا المتمردة، ويُقدّم إقرار ذمة مشفوعًا بالقسم.
رابعًا:
ضرب الفساد بلا حصانات ولا حماية سياسية. والنظافة تبدأ من الاعلي للقاعدة لان الدولة التي تخشى فاسديها لا تستحق أن تحكم شعبها.
خامسًا:
العمل الفوري مع قيادات القوات المشتركة والمستنفرين والقوات المساندة لعمليات الدمج والتسريح بحسب القانون والأعراف الدولية ، وإعداد برامج استيعاب في الخدمة المدنية، ومشاريع تعاونية للإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي تُنفَّذ بعد الحرب، حتى لا تتحول القوات المؤقتة إلى مليشيات مستقبلية. وان يكون احتكار استعمال القوة والسلاح للدولة وقواتها المسلحة حسب القوانين والأعراف الدولية.
سادسًا:
إكمال تشكيل الأجهزة العدلية والقضائية على المستوى الفيدرالي والولايات، لأن العدالة إذا غابت أصبح السلاح هو لغة الحكم.
سابعًا:
تظل وزارة الداخلية وزارة اتحادية، وتصبح الشرطة والسجون ولائية في إدارتها، بينما يبقى التدريب والتسليح اتحاديًا لضمان وحدة المعايير الأمنية ونقل الخبرات وترتيب الأولويات علي نسق اتحادي.
ثامنًا:
يدعو المجلس التشريعي فورًا إلى حوار سوداني–سوداني، بلا وسطاء، بلا وصاية خارجية، بلا مبادرات تحمل في ظاهرها السلام وفي باطنها تقسيم البلاد.
تاسعًا:
تكوين لجنة سودانية للعدالة الانتقالية والإنصاف، على غرار تجارب رواندا، وجنوب أفريقيا، والمغرب، ليُرد الحق لأهله، ويُغلق باب الانتقام، ويُداوى الجرح قبل أن يتعفّن.
عاشرًا:
توحيد الخطاب السياسي والإعلامي للدولة، لأن الرسائل المشوشة تربك المجتمع الدولي، وتفتح أبوابًا لمبادرات منحازة، لا تعيد للسودان حقّه ولا تحفظ سيادته ولا ترد كرامته.
اخيراً سيدي القائد العام،
ليس الشرف في أن ننتصر على خصمٍ يحمل السلاح فقط، بل في ألا نُهزم أمام التاريخ.
وليس المجد في عدد المواقع المحررة، بل في عدد الأرواح التي تُنقذ، والبيوت التي تعود لأصحابها، والأطفال الذين ينامون بلا خوف.
إن هذا الوطن، برغم الدم والخذلان، لا يزال يحب أبناءه أكثر مما يحبون أنفسهم.
شعبٌ لا يكره جيشه، وجيشٌ لا يخون شعبه، ودولةٌ إن سقطت لن يجد أبناؤها أرضًا أخرى تنادي باسمهم.
ولهذا فإن تأخر القرار خيانةٌ غير مقصودة، والتردد هزيمةٌ بلا معركة.
اتخذوا القرار الآن…
قبل أن يجفّ نبض المدن،
قبل أن تتحول الخرائط إلى مقابر،
قبل أن يكتب التاريخ أنّه لم يسقط وطنٌ في الحرب… بل سقط في الانتظار.
إنّ السودان لا يريد أن يُدفن مرّة أخرى.
فلنمنح هذا البلد ما يستحقه من
عدالة، وكرامة، ودولة لا تهتزّ في الريح، وشعبًا يعرف أنّ دماءه لم تذهب ثمناً للفراغ.
وحين يكتب التاريخ هذه اللحظة،
لتكن الجملة الأخيرة فيه
«هنا وقف السودان… وهنا هُزم الخراب»



