حكومة الأمل في مأزق.. أين الرؤية؟ وأين الطريق؟

عمرو خان

*في الوقت الذي تتصاعد فيه آمال السودانيين نحو استعادة دولتهم وبناء مؤسسات قوية تعبّر عن إرادتهم، تترنح حكومة الأمل السودانية في مشهد ضبابي مرتبك، حيث المحاولات لإعادة ترتيب المشهد الحكومي لا تزال تدور في حلقة مفرغة من التجريب والتردد، دون تقديم مؤشرات واضحة على أن شيئًا فعليًا قد تغير، أو أن الوزارات قد بدأت تنطلق في اتجاه رؤى واضحة المعالم.
*فمنذ الإعلان عن تشكيل حكومة الأمل، بدأ وكأن الشعب أمام خطوة جديدة نحو التحول المؤسسي والتنمية، لكن سرعان ما تلاشت هذه التوقعات في خضم واقع معقّد، عنوانه الأبرز: حقيبة وزارية تأتي ولا تعلم لماذا أتت, كثير من الوزارات تم تسليمها لأشخاص لا يحملون مشروعًا حقيقيًا في حقولهم، ولا تظهر في أدائهم أي نية لإعادة ترتيب أو تطوير أو حتى معالجة القضايا التي جاؤوا من أجلها.
*ما يجري الآن لا يبدو كعملية إصلاح، بقدر ما هو مشهد سياسي مرتبك يتكوّن تحت ضغط الظرف الاستثنائي، وبفقر حاد في الكفاءات، وانعدام شبه كامل في البدائل الجادة. كأنما الحكومة تواجه لوحة شطرنج لا تملك فيها إلا البيادق، بينما تجلس القوى الفاعلة تنتظر (كش ملك) قادمة من المجهول.
*مما يزيد الطين بلة أن التواصل مع الشارع غائب، لا أحد يشرح، لا أحد يبرر، لا أحد يتفاعل, بينما تتراكم الملفات وتتعقد الأزمات، ويشعر المواطن أن هذه الحكومة مجرد عنوان بلا مضمون، اسم بلا خطة، وهيكل بلا روح.
*الأمل لم يكن يومًا مجرد شعار، بل هو مسؤولية ومسار وخطة قابلة للتنفيذ. وإن لم تنتقل حكومة الأمل من طور المجاز السياسي إلى طور الفعل الحقيقي، فإن ما تبقى من ثقة الناس قد يذوب كما ذابت من قبل ثقة شعوب كثيرة في حكومات رفعت ذات الشعارات ثم سقطت في ذات الفخاخ.
*المطلوب اليوم هو المكاشفة والمصارحة, المطلوب وزراء يمتلكون الإرادة لا المقاعد، والرؤية لا المكاتب وإلا فإن حكومة الأمل ستصبح مجرد (نسخة منقحة) من حكومات الإحباط السابقة, وزارات تتخبط.. لا رؤية ولا نتيجة.
*إذا ألقينا نظرة على أداء بعض الحقائب الوزارية في حكومة الأمل، فسنجد صورة مشوشة أقرب إلى الاجتهاد الإداري دون بوصلة سياسية، مما يجعل الفجوة تتسع بين الدولة والمجتمع.
وزارة الاقتصاد والتخطيط:
*رغم التصريحات المتكررة حول (خطة إنقاذ اقتصادي)، إلا أن الواقع لا يعكس أي انطلاق فعلي نحو رؤية اقتصادية متكاملة. لم تُطرح حتى الآن أي سياسات نقدية أو مالية واضحة تتعامل مع التضخم، الفقر، وهروب الاستثمارات, ماذا تفعل الوزارة سوى انتظار المساعدات؟.
* وزارة الصحة ما تزال تعاني من فوضى في إدارة الملفات الحرجة مثل نقص الأدوية والمستلزمات، وتدهور البنية التحتية للمستشفيات, لم تقدّم الوزارة حتى الآن خطة وطنية للإصلاح الصحي في ظل أزمات النزوح واللاجئين، وكأنّها وزارة طوارئ مؤقتة لا مشروع لها.
*وزارة التعليم: في الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون التعليم حجر الأساس في مشروع الأمل، تكتفي الوزارة بإجراءات شكلية لا تتعدى المناهج. لا استراتيجية لبناء كفاءات، ولا خارطة لإعادة إعمار التعليم في المناطق المنكوبة، ولا حتى معالجة للفاقد التربوي بعد سنوات الحرب.
*وزارة الإعلام: ربما الأضعف تأثيرًا، حيث فشلت حتى الآن في توضيح رؤية الحكومة أو خلق خطاب وطني جامع. تركت الساحة للمنصات غير الرسمية، وباتت تكتفي بردود الفعل، بدل أن تصنع السردية الوطنية.
خارطة طريق لإنقاذ حكومة الأمل:
*إذا كانت الحكومة جادة في اسمها (الأمل)، فعليها أن تعيد ترتيب أولوياتها فورًا، وإلا ستُستهلك شعبيًا قبل أن تنطلق فعليًا, وهنا بعض المقترحات:
*إعادة تقييم شاملة للوزراء:
ليكن واضحًا أن المرحلة لا تتحمل المجاملة، ويجب أن تُربط بقاء كل وزير بتقييم فعلي لأدائه خلال أول 100 يوم.
* خطط الـ6 أشهر لكل وزارة:
ليس من المقبول أن تعمل الحكومة في الظل، يجب أن تُنشر خطط قصيرة الأجل قابلة للقياس والمساءلة، مع مؤشرات
(KPIs) شفافة ومعلنة
*مجلس طوارئ وطني مستقل للمراجعة:
يتكوّن من خبراء غير حزبيين لمراقبة تنفيذ برامج الوزارات واقتراح التعديلات.
*إطلاق حملة تواصل مجتمعي وطني
تشرح فيها الحكومة للناس أولوياتها، وتستمع منهم، وتصحح المسار بناءً على التغذية الراجعة.
*إعادة هيكلة وزارة الإعلام كوزارة استراتيجية, لتكون مسؤولة عن الخطاب العام وبناء الثقة، وليس فقط تكرار نشرات إخبارية.
*والآن, الرهان الآن ليس فقط على النوايا، بل على قدرة حكومة الأمل على تحويل الشعارات إلى إصلاحات، والمناصب إلى مسؤوليات، والوزارات إلى أدوات بناء حقيقي، فهل من يسمع؟ أم أن الأمل مجرد واجهة أخرى في مسلسل الانتظار الطويل؟.
نقلا عن “أصداء سودانية”

Exit mobile version