تقارير
تصدّع التحالف الغربي بين وهم القوة ومنطق الضعف

مقدمة
تأتي محاضرة البروفيسور جون ميرشايمر تحت عنوان «جُدر التحالف الغربي تتصدّع» في لحظة دولية شديدة الحساسية، تتقاطع فيها أزمات كبرى: حرب أوكرانيا، التوترات في البحر الكاريبي، العقوبات على فنزويلا، التصعيد في مناطق النفوذ التقليدي للولايات المتحدة، وتفجّر حروب منسية مثل السودان.
ويقدّم ميرشايمر، أحد أبرز منظّري المدرسة الواقعية الهجومية في العلاقات الدولية، قراءة قاتمة لكنها متماسكة لمسار النظام العالمي، محذرًا من أن العالم لا يشهد فائض قوة أمريكية، بل سوء إدارة لتراجعها.
أولًا: السلوك الأمريكي… قوة متخيَّلة أم ضعف مُقنّع؟
يرفض ميرشايمر التفسير السائد الذي يرى في السياسات الأمريكية الصدامية دليلًا على الهيمنة، مؤكدًا أن:
•القوة الحقيقية لا تحتاج إلى استعراض دائم.
•الدول الواثقة من موقعها الاستراتيجي تميل إلى الاستقرار وبناء التوافقات، لا إلى الصدمات المتكررة.
ويعتبر أن سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة خارج الإطار الأوروبي، تعكس قلقًا استراتيجيًا عميقًا، ومحاولات لتعويض التراجع النسبي في النفوذ العالمي عبر أفعال رمزية وعسكرية محدودة الأثر.
ثانيًا: الكاريبي وفنزويلا… رسائل قسرية بلا نتائج
يتوقف التقرير عند الضربات الأمريكية في البحر الكاريبي والتشدد غير المسبوق تجاه فنزويلا، حيث يرى ميرشايمر أن:
•هذه السياسات لم تُسقط النظام الفنزويلي،
•ولم تُغيّر موازين القوى الإقليمية،
•لكنها أسهمت في إضعاف صورة الولايات المتحدة كقوة عقلانية قائدة.
ويشير إلى أن أمريكا باتت تتصرف في “باحتها الخلفية” بمنطق الدفاع عن الهيبة لا عن المصالح بعيدة المدى، ما يعكس تحوّلًا خطيرًا في السلوك الإمبراطوري.
ثالثًا: غرينلاند… السياسة كعرض إعلامي
محاولة شراء غرينلاند من الدنمارك تُقدَّم في المحاضرة بوصفها نقطة مفصلية في تفكك الثقة داخل التحالف الغربي.
يرى ميرشايمر أن هذه الخطوة:
•لم تكن مجرد زلة دبلوماسية،
•بل تعبير عن تعامل تجاري فجّ مع الحلفاء،
•وأظهرت استخفافًا بالبُعد الرمزي والسيادي الذي يقوم عليه التحالف الغربي.
رابعًا: أوكرانيا والانقسام الغربي الصامت
يؤكد التقرير أن حرب أوكرانيا لم تُوحّد الغرب كما يُشاع، بل كشفت:
•اختلافًا جوهريًا بين الرؤية الأمريكية والأوروبية،
•تباينًا في تقدير الكلفة والاستمرارية والنهايات الممكنة للصراع.
ويرى ميرشايمر أن هذا الانقسام، إذا لم يُعالج سياسيًا، قد يحوّل أوكرانيا من ساحة ردع إلى بؤرة انفجار أوسع داخل نظام دولي هش.
خامسًا: تصدّع التحالف الغربي… خلل بنيوي لا خلاف عابر
بحسب المحاضرة، فإن التحالف الغربي:
•لم يعد كتلة صلبة،
•بل شبكة متآكلة من المصالح المتناقضة،
•تفتقر إلى قيادة مركزية منضبطة.
ويحذر ميرشايمر من أن هذا التصدّع يفتح المجال أمام:
•توسّع النفوذ الروسي والصيني،
•ارتفاع احتمالات سوء التقدير الاستراتيجي،
•وزيادة فرص الانزلاق إلى صراعات كبرى.
سادسًا: شبح الحرب العالمية الثالثة
من أخطر ما ورد في المحاضرة تحذير ميرشايمر من أن:
•تراكم الأزمات،
•وغياب آليات الاحتواء،
•وتراجع الانضباط داخل التحالف الغربي،
يجعل اندلاع حرب عالمية ثالثة احتمالًا واقعيًا، وليس مجرد سيناريو نظري، خصوصًا في عالم متعدد بؤر التوتر.
سابعًا: السودان… الإدانة الأخلاقية والسياسية (الدقيقة 26)
في أحد أكثر مقاطع المحاضرة حساسية، يتناول ميرشايمر الحرب في السودان، ويصف ما يجري بأنه:
•استخدام لأسلحة حديثة فتاكة،
•يؤدي إلى إبادة جماعية وتقتيل منظم،
•وليس مجرد نزاع داخلي.
ويشير بوضوح إلى:
•دور دولة الإمارات في تزويد أحد أطراف الصراع بأسلحة متقدمة،
•معتبرًا أن هذا الدعم يُضاعف حجم الكارثة الإنسانية ويطيل أمد الحرب.
الأخطر – بحسب ميرشايمر – هو:
•أن الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي للإمارات، تمتلك القدرة الكاملة على وقف تدفق السلاح،
•لكنها تختار الصمت وعدم التدخل.
ويرى أن هذا الموقف:
•ينسف أي خطاب غربي عن حقوق الإنسان،
•ويُظهر ازدواجية صارخة في تطبيق القانون الدولي،
•ويقوّض شرعية النظام الدولي نفسه.
ثامنًا: الخلاصة الاستراتيجية
يخلص التقرير إلى أن العالم لا يعيش لحظة انتقال سلس، بل:
•مرحلة فوضى متعددة الأقطاب،
•تقودها قوى كبرى تُسيء إدارة صعودها أو تراجعها.
ويحذّر ميرشايمر من أن:
•تجاهل المآسي الإنسانية مثل السودان،
•والتعامل الانتقائي مع الحروب والأزمات،
•سيجعل النظام الدولي أكثر هشاشة، وأكثر قابلية للانفجار.
خاتمة
تقدّم محاضرة ميرشايمر تشخيصًا صادمًا لكنه متماسك:
الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في صعود قوى جديدة، بل في فشل القوة المهيمنة في إدارة أفولها بمسؤولية.
وفي هذا السياق، تصبح السودان وأوكرانيا وفنزويلا ليست أزمات منفصلة، بل أعراضًا لخلل بنيوي أعمق في النظام العالمي.



