رأي

تحليل شامل للوضع السوداني الراهن وآفاق المستقبل

د. إبراهيم الأمين

يعيش السودان اليوم واحدة من أعقد مراحله التاريخية، حيث تواجه البلاد أزمة وجودية تمس كيان الدولة ذاتها، بعد أن انهارت مؤسساتها وتفككت منظومتها السياسية والأمنية والاجتماعية نتيجة لصراع طويل على السلطة والموارد.
لقد فشلت النخب السياسية والعسكرية في بناء دولة مؤسسات حديثة، إذ تحولت الأحزاب إلى أدوات للتمكين والولاء، وتكررت الانقلابات العسكرية التي أطاحت بأي محاولة للتحول الديمقراطي.

أولاً: القوات المسلحة ودورها في الدولة المدنية
القوات المسلحة مؤسسة قومية أساسية، ومهمتها حماية الوطن وصون وحدته وأمنه. وهي ليست بديلاً عن الدولة المدنية، بل ركيزة من ركائزها. فقيام دولة مدنية حديثة لا يعني إقصاء الجيش، بل وضعه في موضعه الطبيعي كحامٍ للدستور وسيادة الدولة، لا كفاعل سياسي أو اقتصادي.

ثانيًا: الحرب الحالية ونتائجها الكارثية
اندلاع المواجهة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع شكّل نقطة تحول مأساوية في تاريخ السودان الحديث. فقد أدت الحرب إلى دمار واسع في المدن والبنية التحتية، وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة، وتشريد الملايين من المواطنين، مما جعل السودان في مؤخرة دول المنطقة من حيث الاستقرار والتنمية.

ثالثًا: مستقبل قوات الدعم السريع بعد الانتهاكات الفظيعة
ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم مروعة ضد المدنيين، شملت القتل على الهوية، والاغتصاب، والنهب، وتدمير الممتلكات. هذه الجرائم تضعها أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية كبيرة، وتفتح الباب أمام المحاسبة الدولية.
مستقبل هذه القوة مرهون بإرادة العدالة والشفافية: فإما أن تُحل وتُحاسب قياداتها أمام القضاء العادل، أو تبقى جرحًا مفتوحًا يهدد أمن البلاد ووحدتها إن أفلتت من العقاب.

رابعًا: مجزرة فض الاعتصام — جريمة بلا عدالة
تُعدّ جريمة فض الاعتصام أمام القيادة العامة واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ السودان الحديث، حيث قُتل المئات من الشباب الذين خرجوا مطالبين بدولة الحرية والعدالة.
ورغم مرور أعوام، لم تتم محاسبة الجناة، بسبب تواطؤ بعض القوى السياسية والعسكرية، وضعف إرادة العدالة، وتداخل المصالح داخل أجهزة الدولة.
إن إفلات مرتكبي هذه الجريمة من العقاب يمثل خطراً وجودياً على مستقبل السودان، إذ لا يمكن لأي وطن أن يُبنى على الظلم والإفلات من العدالة. فالمصالحة الحقيقية لا تقوم إلا بعد المحاسبة والاعتراف بالذنب.

خامسًا: موارد السودان وأطماع الدول الخارجية
يمتلك السودان ثروات هائلة من الذهب، والنفط، والمعادن النادرة، والأراضي الزراعية الشاسعة، والمياه، ما يجعله هدفًا للأطماع الإقليمية والدولية.
وقد استغلت بعض القوى الخارجية ضعف الدولة وانقسامها الداخلي لتوسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري في البلاد.
هذه الأطماع لا يمكن صدّها إلا عبر بناء دولة قوية ذات سيادة، توظف مواردها لخدمة شعبها، وتستثمر في الإنسان السوداني كأهم ثروة وطنية.
فموارد السودان يجب أن تكون وسيلة للنهضة، لا لعنةً تجلب الحروب والصراعات.

إن الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب مشروعًا وطنيًا جامعًا يؤمن بالدولة المدنية، والمساءلة، والمساواة بين جميع المواطنين.
كما يحتاج السودان إلى قيادة رشيدة تمتلك الشجاعة لتجاوز الماضي، وتبني جسور الثقة بين مكونات المجتمع، وتعيد للوطن مكانته المستحقة بين الأمم.
فلا مستقبل للسودان إلا بوحدة أبنائه، وعدالة قضاياه، واستقلال قراره الوطني.
مركز 6 أبريل للدراسات الإستراتيجية والثقافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى