تحقيق يكشف معلومات مثيرة عن دمار المنشآت الصناعية بالسودان

 

تحقيق – علوية مختار 

آلاف المصانع دُمرت بشكل كامل أو جزئي وبعضها تحول إلى خراب بعد أن تساوت مبانيها بالتراب، وتوقفت معها عجله الإنتاج في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات التي شهدت عمليات عسكرية، بينما تأرجحت عجلة الإنتاج الصناعي في الولايات الآمنة وذلك عقب اندلاع الحرب في الخرطوم منتصف أبريل من العام الماضي.

دفع التدمير الذي تضرر منه نحو 90% من المنشآت الصناعية، وفقاً لتقديرات وزارة الصناعة، ووقف الملايين من العاملين في هذا القطاع على حافة الفقر.

ويعد محمد كامل واحداً من هؤلاء، حيث أفقدته الحرب وظيفته المرموقة بواحدة من المصانع الكبيرة التي كانت عاملة في الخرطوم، ليفقد بذلك مصدر دخله الوحيد هو وعائلته ويضطر إلى التسول خجلاً في أيام الحرب الأولى، قبل أن يتمكن أخيراً من إيجاد مصدر دخل مؤقت عبر بيع “الرصيد” بمحطة المواصلات بدنقلا التي نزح إليها وسكن بواحدة من دور الإيواء هناك، حاله حال كثيرين ممن أفقدتهم الحرب وظائفهم وباتوا لا يملكون قوت يومهم بعد أن كانو في وضع معيشي يحسدون عليه.

خطة طموحة

وزارة الصناعة الاتحادية، أكدت أنها وضعت خططا طموحة للنهوض بالقطاع الصناعي بما يصب في مصلحة الاقتصاد القومي.

وقالت وزيرة الصناعة محاسن يعقوب لـ(السوداني)، إنّ الوزارة تبنت خطة بعد الحرب، بتوزيع المنشآت على الولايات حسب الميزة النسبية لكل ولاية، وأشارت لوجود تنسيق متكامل مع الولايات لاستيعاب كل المصانع التي تخطط لإنشاء فروع لها بالولايات الآمنة عبر تقديم كافة التسهيلات اللازمة.

وأكدت محاسن أن نسبة الدمار الذي لحق بالمصانع بلغ 90% بجميع الولايات التي تأثرت بالحرب، واصفةً إياه بالدمار الشامل، وأشارت لخروج كل المناطق الصناعية في ولاية الخرطوم والجزيرة وجزء من ولاية سنار والنيل الأبيض وتعرُّضها للدمار وتلف المنتجات والمواد الخام، بجانب تشريد العاملين.

وقالت: “بلغ عدد المصانع الصغيرة والمتوسطة التي تضرّرت بولاية الخرطوم (3193) مصنعاً في مختلف القطاعات، بجانب (126) منشأة صناعية كبيرة بولاية الجزيرة، (3131) مصنعا صغيرا، وأكدت اهتمام الوزارة وعملها على استغلال الطاقة الصناعية المتاحة في الولايات الآمنة لتعويض الطاقة الإنتاجية التي أصبحت خارج دائرة الإنتاج، وأضافت: “وهذا ساعد في إحلال الكثير من الواردات حيث تم رفع استغلال نحو 43 معصرة بعدد من الولايات لتغطية نحو 70% من الاستهلاك المحلي للزيوت، بجانب استغلال نحو 13 مطحنا بالولايات لتغطية حوالي 77% من الاستهلاك المحلي اليومي من الدقيق.

وأكدت ان هناك مطاحن أخرى قيد الإنشاء لتغطية كل الاستهلاك المحلي من الدقيق حال تشغيلها والاستغناء عن الاستيراد، وزادت: “كذلك تم استئناف الإنتاج بعددٍ من القطاعات الغذائية وقطاعات الحديد والبلاستيك والأسمنت والبوهيات، بجانب اتخاذ المعالجات والإجراءات لضمان إنتاج مصانع الأسمنت والمنتجات الأخرى لضمان الإنتاج والمساهمة في مرحلة الإعمار”.

قبيل اندلاع الحرب، حددت وزارة الصناعة مساهمة القطاع الصناعي في إجمالي الناتج المحلي بنحو 17%.

فبرغم تراجع القطاع في السنوات الأخيرة، وتوقف 40% من المصانع بالبلاد بينها صناعة النسيج بسبب عدة عوامل، إلا أن القطاع مثل إحدى ركائز الاقتصاد الوطني.

فمع امتداد رقعة الدمار الذي لحق بالقطاع، باتت البلاد تعتمد على استيراد احتياجاتها من السلع، ما شكّل ضغطاً على احتياطي الدولة من العملات الأجنبية وأسهم في تدهور الجنيه السوداني مقابل العملات الصعبة.

ركام

الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية السوداني السابق أشرف صلاح نور الدين، أكد أن الدمار في القطاع الصناعي تعدى مناطق العمليات إلى المنشآت الصناعية في الولايات الآمنة التي تضررت إما بتوقف الإنتاج أو تراجعه بنسبة كبيرة بسبب الاضطراب في سلسلة إمدادها بالمواد الخام بجانب التسويق.

وقال لـ(السوداني): “للأسف جهود عشرات السنين من الإنشاء والتعمير والتطوير وبيوتات تجارية وشركات صناعية فاقت أعمارها السبعين عاماً تحولت إلى ركام بفعل الحرب”، وتوقع أن تتفاوت تقديرات الخسائر في القطاع بين عشرة إلى خمس عشرة مليار دولار موزعة بين والوحدات الصناعية من مبانٍ وماكينات وبنى تحتية. ورأى ان نقطة إعمار القطاع الصناعي تبدأ بإعمار القطاع الاقتصادي الكلي، وأكّد أنّ الخطوة ليست بالسهلة وتستلزم أموالا ضخمة، واشار إلى ان الدولة يقع عليها عبء توفير الموارد من خلال النظام المصرفي أو إيجاد صيغ جديدة.

وأوضح: “أعتقد انها بحاجة إلى إسهام المجتمع الدولي والإقليمي”، وأكد أن إعادة إحياء الصناعة في الخرطوم حال إنهاء الحرب تعد نقطة البداية لإعمار قطاع الصناعة باعتبارها تمثل أكبر كتلة سكانية، واستبعد هروب رؤوس الأموال المحلية وأقر بهروب رؤس الأموال الأجنبية على قلتها، وذكر أن الدولة بحاجة للدفع بإجراءات تشجيعية وتحفيزية لجذب رؤوس الأموال الهاربة وإعادتها.

حال بائس

ورسم نور الدين، صورة قاتمة لأصحاب المصانع، وأكد انهم توزعوا بين نازح ولاجئ، وآخر صامد يعيش المسغبة في ظل الحرب، واكد ان معظهم فقد رؤوس أموالهم، وأشار إلى أن ذلك سيخلق تحديا في مقدرة الدولة واستعدادها لتوفير مقومات إعمار الصناعة من جديد عبر التمويل وتوفير البنى التحتية، وقال: “دور الدولة أصبح مركزيا بعد انتهاء الحرب”.

إجراءات تشجيعية

ويرى الخبير الاقتصادي محمد الناير أن التدمير الذي أصاب القطاع الصناعي يعتبر الأكبر مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، وعزا ذلك لتمركز المنشآت الصناعية في العاصمة الخرطوم، وقال الناير لـ(السوداني): آخر إحصاء سكاني تم قبل عشرة أعوام؛ وضح أن أكبر قاعدة صناعية في الخرطوم تليها مدينة نيالا، وأشار إلى مراعاة عدم الوقوع في الأخطاء الاستراتيجية بتمركز الصناعة في العاصمة، مؤكداً أن ذلك يتطلب من الحكومة توفير البنى التحتية، لا سيّما الطاقة بكل الولايات لتمكين القطاع الخاص السوداني والأجنبي من إعادة بناء المصانع ولتفادي أخطاء الماضي.

وقطع الناير بإمكانية جذب الاستثمارات في ظل الحرب الدائرة الآن بالتركيز على الولايات الآمنة ومخاطبة الدول التي لديها الرغبة في ذلك.

وجزم بعودة جميع رؤوس الأموال التي هربت أثناء الحرب، وأشار لضرورة أن تعمل الدولة على تشجيع الاستثمار في القطاع لإعادته بشكل أفضل وأكثر تطوراً ومواكبة.

ضربة البداية

وكانت ضربة البداية في إعادة الحياة للقطاع الصناعي بإعلان والي الولاية الشمالية عابدين عوض عن إنشاء مدينة التصنيع الدوائي وخصص موقعا لها في عاصمة الولاية دنقلا. فضلاً عن التصديق لإنشاء نحو 13 مصنعاً بالولاية.

نقلا عن “السوداني”

Exit mobile version