بعد توقف معظم مطابخ الطعام و”التكايا” بالخرطوم .. للمأساة وجه آخر
تقرير – أمير عبدالماجد
من بين ثنايا الواقع المعاش على الأرض في مناطق كرري والثورات ظلت تتقافز بين الحين والآخر إشكالات الحرب وتداعياتها لتشكل واقعاً له تأثيره الكبير تحت ظلال البنادق وأزيز الطائرات وأصوات المدافع التي لا تنقطع ليل نهار.
واقع صعب
على الأرض هناك واقع صعب ومأساوي يعيشه المواطنون، فالمدارس في مناطق كثيرة أصبحت دور إيواء ومساكن لمهجرين من مناطق أخرى وكثير من المنازل التي باتت شاغرة بخروج أصحابها إلى الولايات الآمنة وإلى الدول المجاورة تحولت لمساكن ودور إيواء لمهجري الخرطوم بل إن بعض العمارات التي لم تكتمل تحولت هي الأخرى لمساكن وباتت مأوي لأسر هربت من جحيم المليشيا في بانت والموردة وودنوباوي وحي العمدة والعباسية وأمبدة والفتيحاب وبحري والخرطوم.. أما منازل المواطنين فمن الصعب أن تجد منازل لم تستضيف أعداداً من المهجرين الخرطوميين من الأقرباء والأهل الذين هجروا من بقية العاصمة، ومع تضاؤل فرص العمل وشحها وعدم صرف العاملين بالدولة لرواتبهم والعمليات العسكرية المستمرة التي لم ينقطع تأثيرها حتى الآن عن المنطقة عبر الدانات التي تتساقط على رؤوس المواطنين وتسقط القتلى والجرحى وعبر الرصاص الذي لا تعلم مصدره ولا أسبابه وهو رصاص يومي وعبر أصوات المدافع وأزيز الطائرات الحربية الذي لا ينقطع يعيش آلاف السكان حالياً ظروفاً بالغة التعقيد بسبب الارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار السلع وتوقف مطابخ و”تكايا” الأحياء التي كانت توفر لآلاف الأسر ما يستر جوعها ويسد رمق صغارها فالسلع حتى لمن يملك بعض المال أغلبها بات خارج قدرته على مواجهتها بعد أن ارتفعت بنسبة تصل إلى مائة بالمائة في بعض السلع و(50%) في سلع أخرى وهو أمر ضاعف من المنصرفات على الأسر وعلى من يديرون بيوت الطعام الذين أعلنوا توقفهم عن العمل لضعف التمويل وانعدامه إضافة إلى الارتفاع الكبير في الأسعار ما يجعل آلاف الأسر الموجودة في الخرطوم أمام خطر الجوع لأن الأغلبية الموجودة في الخرطوم لا تملك حرفياً ما يسد رمقها في حال توقفت بيوت الطعام والتكايا.
شح تمويل
يقول خالد الفكي مسؤول إحدى التكايا “الأمر موجع لكن يجب أن نواجه الواقع لم نعد قادرين على العمل في ظل ارتفاع التكلفة وشح التمويل، نحن لم نترك أحد من أهلنا وأصدقائنا المغتربين الذين لم يقصروا وأسهموا معنا لعام ونصف هم والخيرين لكن الأمر بات معقداً الآن ولم نعد نملك خيارات لقد استنفدنا الحلول خلال عام ونصف”، وأضاف “نحن نعمل الآن مرة في الأسبوع أو مرتين متى ما استطعنا توفير مال لشراء فول أو عدس لكن هذه الأسر بأطفالها لا تحتمل هم بحاجة إلى الطعام وهذا ما يحزننا”.
سد رمق
وتزحف آلاف الأسر يومياً منذ الصباح الباكر إلى أماكن وجود (قدور ) الفول والعدس للحصول على حصة من الغذاء، والأمر هنا لا يتوقف فقط على المهجرين من مناطق الخرطوم بل حتى سكان الأحياء الذين لا يجدون ما يسد رمقهم.
يقول محمد العوض ويعمل محاسب بإحدى الصرافات في السوق العربي “توقفت أعمالنا ولم نعد نملك إلا ما يصلنا من تحويل عبر تطبيق بنكك وهو بالكاد يكفي لشراء خبز لأن قطعة الخبز الصغيرة أصبح سعرها بين 120-160 جنيهاً وكيلو السكر ثلاثة آلاف جنيه وكيلو العدس وصل إلى أربعة آلاف جنيه، الأمور تزداد تعقيداً وهناك من لا يجد ولا أمل له في إيجاد مبلغ يشتري به قطعة خبز، هم يحصلون على الفول والعدس ويتناولونه بالملاعق لأنهم لا يملكون خبز ولا دقيق، الناس هنا بتوقف التكايا ومطابخ الطعام سيواجهون واقعاً مأساوياً”.
كارثة حقيقية
وكانت مطابخ في مناطق عديدة بالعاصمة أعلنت خلال الأيام الماضية توقفها عن العمل لشح التمويل ما ينذر بكارثة حقيقية ليس فقط في منطقة أم درمان بل حتى في مناطق أخرى يجد فيها السكان الآن صعوبة كبيرة في الحصول على طعام.
يقول عبد الله عجب صاحب بقالة بالثورة إنهم كتجار تجزئة يحاولون التعامل مع أمور صعبة جداً فالمواطنون فعلياً لايملكون المال والبضائع سعرها عند تاجر الجملة يتصاعد يومياً كلما عدت لتشتري تجد سعراً مختلفاً لذا نضطر نحن لتعديل السعر وهو ما يبرر أن الأسعار تختلف يومياً، واضاف” لا توجد رقابة بالتالي بوسع أي شخص أن يضع السعر الذي يرغب فيه ويفرضه على المواطنين، صحيح أن المواطنين هم أيضاً لايملكون مال لكن هذا مايحدث”.
وهو ما يراه الواثق برو وهو محام بقوله إن هذه الحرب كلها دارت حول المواطن الذي شكل مركزها وضحيتها من لم تقتله الدانات وطلقات الرصاص سيموت جوعاً هذا مايحدث الآن بتوقف التكايا ومطابخ الطعام في ظل عدم وجود أشغال ورواتب من أين سيأتي الطعام، وأضاف “كما ترى نحن نسمع عن إغاثة لم نشاهد لها أثر واستغرب أن يجلس هؤلاء للحديث عن فتح الطرق لدخول الإغاثة نحن هنا في أم درمان الطرق مفتوحة فأين هي الإغاثة هل يرى هؤلاء أننا لا نستحقها أو لا نحتاجها أم أن الأمر كله كذبة يروجونها كأكاذيب كثيرة شبعنا منها طوال وجودنا في هذه الدولة”، وتابع “هناك تحركات من الوالي كما علمت لاحتواء أسعار رغيف الخبز لانعرف إلى أين وصلت ومحاولات للتخفيف من ارتفاع الأسعار الفجائي لكن هذه قد تحل بعض أزمات من يملك بعض المال فماذا عن الآلاف الذين لا يملكون المال ويعتمدون كلياً على التكايا ومطابخ الطعام التي توقفت.. ماذا عنهم؟”.