الممثل المسرحي الدرامي غدير ميرغني ل(الأحداث):
(لا للحرب) عبر الفنون لها مفعول السحر
الفنون علاج وتحارب خطاب الكراهية والعنصرية
السياسي دائماً يخشى الفنان
نحن سكان دور الإيواء ونعرف مشاكلها وعبرنا عنها
الممثل المسرحي الدرامي غدير ميرغني، وضعنا أمام مشاهد من الحرب والفن، منذ الطلقة الأولى مروراً بما يحدث في دور الإيواء، رحلة تحبس الأنفاس، حولته من ممثل إلى نازح، غير أنه أصر أن يكون نازحاً مبدعاً منتجاَ، (الأحداث) استنطقته وخرجت بالإفادات التالية..
حوار – ماجدة حسن
تجربتك مع الحرب، نزوحا وحلا وترحالا؟
كنا نسمع ونشاهد الحروب على التلفاز، السينما عالم غريب لاندرك أبعاده، تعاملي مع النازحين أو سماعي لهذه الكلمة كان أيام المجاعة والنازحين الذين سكنوا المويلح، وكان وقع الكلمة غريباً، ناس المويلح النازحين أتذكر منهم النساء يأتين يطلبن العمل في البيوت والمساعدة للأسف لم أدرك حينها ألم أن تقتلع من بيتك.. دارك.. محلك وتدفع إلى حيث لا مكان وأن تصبح نازحاً.
الحرب داهمتكم خلال عمل فني أليس كذلك؟
نعم، عندما بدأت الحرب كنا نسجل عمل درامي بإذاعة أمدرمان للأستاذ محمد شريف علي متبقي حلقات لرمضان وحلقات العيد بنات (حوي النبي) حلقات درامية كوميدية يوم السبت وكنا صائمين، إتصل بي ناس البيت حيث أسكن بالقرب من سلاح المهندسين الفتوحات، وأخبروني أن هناك ضرب وأصوات رصاص قلت لهم أنا في الإذاعة مافي اي ضرب أو رصاص، وقمت بإبلاغ الزملاء وكان برفقتي الأساتذة محمد شريف علي، محمد عبد الرحيم قرني، سامية عبد الله، إخلاص نور الدين، أميرة أحمد إدريس، يوسف عوض صالح والمخرج زكية محمد عبدالله.. ومساعد المخرج غادة عزت ومهندس الصوت عباس محمود.. اتصل الأستاذ محمد شريف علي بشخص يعرفه قال إنه عميد في الأمن، ورد عليه العميد بالقول “مافي شيء لكن يستحسن تمشوا بيوتكم”، وواصل بالقول “محمد شريف قال الزول ده قال يستحسن تمشوا معناتا هناك شئ”.
وماذا بعد؟
الممثلات رفضن الذهاب بحجة رمضان وصعوبة العودة للتسجيل مرة أخرى وعندما خرجنا آخر منظر رأيته دبابة الإذاعة تابعة للجيش وهي تستعجل وتتحرك تجاه باب الإذاعة وعربة لاندكروزر من اتجاه الفنون الشعبية وأخرى من اتجاه قناة النيل الأزرق يوجهون نحوها مدافع العربات للدعم السريع.. ثم منظر نساء سجينات سجن أمدرمان وهن خارجات من السجن بعد أن أطلق سراحهن ومن هنا بدأت رحلتي مع الحرب التي كنا نشاهدها على أجهزة التلفاز رأيتها بنفسي.
هل غادرتم المنزل مباشرة في رحلة النزوح؟
بعد تساقطت الدانات بالمنزل والرصاص كان لابد من خروج الأسرة أصبحت وحيداً بالمنزل، الوحدة، عدم الأمن الظرف الاقتصادي، عدم وجود المواد التموينية، تساقط الرصاص بالمنزل كان اسوأ عيد يمر بي لم نستطع حتى الصلاة، نزحت لمدني كنت أصل مدني في الغالب بعد ساعتين وصلتها هذه المرة عبر مشوار طويل باتجاه الدويم والمبيت في الطريق في مدني، قام الفنان عزالدين كوجاك بإيجار مكان لسكن الدراميين كل أسرة في غرفة، وتوزيع الإغاثة رغم قلتها كان شيئاً قاسياً على أنفسنا وأصبح إسمنا نازحين.
ماهو تقييمك لدور الفنون في مرحلة الحرب، عموماً غناء ومسرح؟
دور الفنون في مرحلة الحرب وفي مناطق القتال صعب أن تمارس أي نوع من الفنون لكن تمكنا من العمل مع نازحين الحرب، الفنون خاصة الدراما تقدم لهم الكثير، معاناتهم مشاكلهم، أسباب ماحدث كيفية العلاج وتعطيهم فرصة لمناقشة ذلك وتقدم تجاربهم بل تتيح لهم أن يقدموا تجاربهم وهذا علاج نفسي ودعم مفيد جداً وأن يقدموا الحلول ويتبنوها والترفيه عن أنفسهم وهذا مطلوب بعد معاناتهم وأن يناقشوا الخطاب السائد بينهم خطاب الكراهية والعنصرية وإيجاد العلاج وتتيح للأطفال أن يعبروا عن أنفسهم ومعاناتهم والكبار أيضاً.
أعمالكم المسرحية، أكثر واقعية وتركيزاً على دور الإيواء ومشاكلها، هل ثمة وجه مخفي غير ما نراه؟
دور الإيواء يتوفر بها الجمهور الذي عانى ويعاني من ويلات الحرب ونحن أيضاً من سكانها ونعرف مآسيهم ومشاكلهم وهم المعنيين بما يحدث، لذلك ركزنا عليها كما عملنا وقدمنا عروض للمجتمع المحلي من حولنا.
هل من صعوبات واجهتكم؟
كثيرة، ولن ننساها.. المضايقات من الأجهزة الرسمية فقد تم توقيفنا عدد من المرات بأسباب واهية بحجة منع التجمعات مرة، إضافة لسؤالنا مرات العمل ده قاصدين بيهو شنو ومنو؟ . والناس في شنو وإنتو في شنو.؟ الخ.. ركزنا على الأطفال بدور الإيواء لإزالة تشوهات الحرب.
ما مدى استجابة الجمهور لتلك الرسائل هل كان لها دور واضح في التغيير؟
في معظم العروض الجمهور كان مشارك حقيقي وفاعل في هذه العروض التي تناقش ماحدث والتي تناقش مشاكل دور الإيواء الظروف الصحية والاجتماعية، النزوح، توزيع الإغاثة، العطالة، التحرش، مشاكل الأطفال ماينتج عن النزوح خاصة للنساء والأطفال كان التجاوب كبيراً وأحسسنا بأننا ساهمنا في تغيير كثير من المفاهيم وحاربنا خطاب الكراهية المتفشي بيننا.
أن تقول لا للحرب من خلال عمل مسرحي أليست أفضل من أن تقولها لفظاً؟
لا للحرب قولا عبارة عن خطاب أو جملة عادية ولكن أن تقدمها في عمل مسرحي محسوس مع الجماهير يشاهدون ويسعون ويشاركون في العرض.
تقصد التأثير التراكمي للدراما يفعل السحر؟
نعم وهنا نرى تأثر الجمهور بها وتفاعله معها والدراما أصبحت وسيلة غزو ثقافي وانظري إلى تعرض مجتمعنا لغزو ثقافي مصري وسوري وتركي وهندي ناهيك عن غزو أمريكا وأوروبا بأفلامها ودعايتها المستمرة وكل هذا بالدراما، إذن قول لا لا للحرب بواسطة الدراما له فعل السحر.
يلاحظ أن (لا للحرب) عند المسرحيين سياسية أكثر من أنها فنية ما رأيك؟
مشكلة هذه البلاد أنه يقودها السياسيون وهم فطيري الأفكار يقلدون بعضهم البعض وخطابهم ضعيف جداً، البلاد المتقدمة يقودها المثقفين والعلماء ويقدمون رؤى للتقدم والنموذج والتطور ينفذها السياسي، آفتنا أننا ابتلينا بسياسيين لا ينظرون أبعد من أنوفهم ولايفكرون في الغد، المستقبل وتجاوزهم الزمن ولديهم إصرار مايمشو، الفنان بعد ماحدث يجب أن يتجاوز هذا التكلس ويتصدى لقيادة المجتمع وليس الفنانين فقط الشباب، النساء، آن الأوان أن يتولوا زمام المبادرة ويقودوا هذه البلاد.
ماهي علاقة المسرح بالسياسة؟
الفنان والسياسي دوماً في نزاع، السياسي يخشى الفنان لأنه يفضحه ويكشفه ويعريه أمام المجتمع، الساسة عندما يكونون في المعارضة يأتون إلينا ويجلسون معنا ويكسبون ودنا وعند وصولهم للحكم يقلبون ظهر المجن، السياسة تقوم على فن الممكن ومحاولة إرضاء الجميع والكسب عكس الفنان الذي يقدم الحقيقة عارية قد يغلفها ببعض السوليفان ولكن تظل صادمة ولاسعة وهذا لا يرضي السياسي.
توقعاتك للفنون في مرحلة مابعد الحرب سيما فن المسرح؟
دور الفن في هذه الحرب وبعد انتهائها بإذن الله يجب ان يكون مختلفاً، بأن يضع المشرط على الجرح وأن يوضح ما الذي أوصلنا لهذه المرحلة وأن نستصحب الفنون معنا خاصة للأطفال فهي علاج وتساهم في دعمهم نفسياً ومحاربة العنصرية وخطاب الكراهية المتفشي بيننا.