المليشيا.. دابة أرض السودان وآفته (1 -2)

 

د. أسامة محمد عبدالرحيم

حدثنا القرآن في آياته وقصصه كثيراً عن ابتلاء الله لعباده بالآفات والكوارث ومظاهر الطبيعة من فيضانات ورياح وغيرها، إمّا عقاباً او تمحيصاً واختباراً وأخذاً للعباد من مصاف الظلم والضلال الى مواطن العدل والهداية بما يضعهم على طريق الحق ومستقيم الصراط.

الحشرات واحدة من أكثر الآفات التي ابتلى الله بها خلقه في الحياة فأرسل على أمم سابقة الجراد والقُمَّل وكذلك أرسل الضفادع والدَّم، عقاباً لهذه الأمم على استكبارها وحسماً لاستمرار جرمها، أمّا وقد انقطع وحي السماء عن الأرض بعدما ختمت الرسالة واكتمل الدين واتم الله نعمته علينا فقد بقي بين أيدينا من الهدى والفرقان ما يبصرنا بمواقع اقدامنا خطواً في مسيرة الحياة، علّنا نهتدي ونفوز.

تعتبر (الأرضة) او ما يعرف ( بالنمل الأبيض Termite) و التي هي نفسها (دابّة الأرض) المذكورة في قصة سيدنا سليمان كما ورد في القرآن الكريم وفقاً لبعض التفاسير ، هذه الحشرة الصغيرة من الآفات الحشرية المعروفة التي تؤذي الانسان بما يستوجب ضرورة مواجهتها ومكافحتها حتى التخلص منها ومنعاً لتكاثرها في البيئة الحضرية لما يمكن ان تسببه هذه الآفة من اضرارٍ وخسائر وتخريب.

ربما ارسل الله آفته هذه المرة لأهل السودان اختباراً وتمييزاً وتمحيصاً ولحكمة يعلمها هو وحده جل وعلا، على هيئة هذه المليشيا المتمردة، تَدُبُّ في أرض السودان تهلك الحرث والنسل وتخرب وتدمر وتسرق وتنهب وتغتصب وتفعل كل موبقة و تؤذى ولا تترك لذي عقل أو ضمير متاحاً من حسن الظن، ولا أدري لم انعقدت في ذهني هذه الصورة للمقارنة والمطابقة والمشابهة ما بين هذه (المليشيا المتمردة) و(الأرضة) ، حشرة الأرض ودابتها المؤذية الفتاكة و التي تقضي على كل ما هو مفيد ومستخدم من قبل الإنسان اثأو النبات او الحيوان.

فمما عرف عن حشرة الأرضة انها كائنات اجتماعية تعيش، وتنشأ في شكل مستعمرات حشرية منظمة تقوم على الحشد في اعداد كبيرة لا تقل عن ثلاثين الف حشرة وقد تصل الى اكثر من مليونين، وهذا نفسه هيئة تنظيم المليشيا المتمردة في تشكيلاتها العسكرية والتي تعتمد على الكثرة وليس النوع وهذا ما يجعل المليشيا المتمردة تعمل وبشكل استراتيجي و تكتيكي على استعواض نقصها العددي عقب كل معركة ومرحلة من مراحل القتال من الحواضن المحلية والمجتمع المحلي في اماكن انتشارها او من وراء الحدود قريبها وبعيدها من افريقيا او الشام والخليج أو حتى من امريكيا اللاتينية جلباً للمرتزقة ، و لكن كان لابد لهذه الدابة الآفة من بيئة صالحة لتناسلها ونموها تكاثرها.

فقد عرف عن الأرضة انها تفضّل وتنتشر وتنمو في البيئات والاماكن الرطبة والمظلمة قليلة التهوية، وبالمقاربة مع المليشيا المتمردة نجد ان الأماكن المظلمة قليلة التهوية والمستنقعات عالية الرطوبة توفر لها بيئة مثالية بما أسهم في نموها وتضخمها متمثلة في الآتي:

* بيئة محلية تمظهرت في اقتتال وحروب في دارفور وصراع الهامش والمركز ومحاججات اقتسام الثروة والسلطة والبحث عن الحرية والعدالة والمساواة بالحق او بغيره وكافة المظالم التأريخية ببعديها السياسي والاجتماعي والتي كانت سبباً اساسيا في تهيئة بيئة صالحة لإنشاء وتأسيس هذه المليشيا المتمردة وتعهدها بالرعاية والدعم.

* بيئة اقليمية، اخذتها للقتال في اليمن برفقة دولتي الامارات والمملكة العربية السعودية في سباق السيطرة والتنافس الإقليمي وصراع السنة والشيعة وضد تمدد إيران وتهديد الحوثيين مما فتح لها وعليها أبواب الدعم المادي والفني الاقليمي فطور من قدراتها المادية والاقتصادية فقويت مالياً وعسكرياً. ثم لم تلبث طويلاً حتى اصبحت أداة ومخلباً في يد رعاتها تنشب أظافرها في جسد وطنها وشعبها.

* بيئة دولية جمعتها في مرحلة لاحقة بالإتحاد الأوروبي و الذي دعمها بامواله تحت مظلة الإسهام في محاربة الجريمة العابرة وتهريب البشر ومكافحة المخدرات، الأمر الذي قواها وحسّن من صورتها تزويراً وتغبيشا للحقيقة.

كما أنّ الأرضة دوما تعيش وتنمو في الظلمات بعيداً عن أشعة الشمس والنور أينما كان، كذلك ظلت المليشيا المتمردة تنمو وتكبر في ظل غموض وتخفية متعمدة تلازم انشطتها بحماية السلطان ورعايته أيا كان مقصده ونيته مما أورثنا كائناً مشوهاً شكّل و لا زال يُشكّل خطراً على المواطن وسلامة السودان ووحدة اراضيه بالقتال والمحاربة بغير حق وبغير شرعية.

عُرِف كذلك عن الأرضة أنها تعتمد في تغذيتها على مادة (السيليلوز) وهي مادة تتوفر في الخشب والورق والكرتون والمنسوجات وكذلك النبات، وهو الأمر الذي يجعل هذه الحشرة الآفة تهاجم الابواب والشبابيك والاثاث و الحوائط والجدران وسوق النبات، كما يجعلها تهاجم مخزون بعض المحاصيل ومواعين التخزين والتعبئة وكثير مما يستخدمه الانسان في ما حوله من اشياء تعينه في حياته، وعوداً للمقاربة والمشابهة فقد تأسست المليشيا المتمردة وتحصّنت بالقوانين في مرحلة من نموها من قبل النظام الحاكم وقتها بما جعلها تتغذى من موارد السلطة وأموالها سليلوزاً حراماً محروسا بالتجييش و ثالتسليح فغدت في وقت ليس بطويل قوة اجتماعية واقتصادية وعسكرية وسلطة حاكمة متضخمة تحتاج لما يغذيها ويشبع بطنها يوم بعد يوم الامر الذي لم يحصل بسبب التوسع المستمر في الحجم والكم مما ولّد عندها حاجةً ونهماً مستمرين يوازي هذا التمدد الخبيث.

هذا ما كان قبل حرب 15 ابريل، ولكن بعد اندلاع الحرب، وبعدما فقدت المليشيا المتمردة شرعيتها وحُرمت من تغذية الدولة وسلطتها ، لم تتردد ولغياب العقيدتين العسكرية و القتالية السليمتين وبالتالي غياب الوازع الاخلاقي الذي جعلها تخالف القانون والضمير ، فضربت المليشيا المتمردة في الأرض قتلاً ونهباً واحتلالاً لبيوت الناس وأملاك المواطن ومرافق الدولة بما يعرف بالأعيان المدنية تاخذ منها وتستولي على كل شئ تشبع بها جوعتها وتسد بها رمقها تعويضاً عن السيليوز عساه يكفيها ويغذيها ويطيل عمرها. وهنا نلحظ ما يمكن ان تسببه دابة الأرض الحشرة الآفة (الأرضة) من دمار وتخريب اقتصادي وغذائي وما سببته وتسببه المليشيا المتمردة من تدمير وخراب أمني واجتماعي ومادي ويضطر الجميع للنزوح واللجوء الى البراحات الآمنة والمستقرة الى حين إنتهاء هذه الأزمة بالقضاء على هذه الآفة.

القضاء على هذه الآفة ومكافحتها يكون بوسائل يعرفها الخبراء والمختصون، واخرى متعارف عليها في المجتمعات البسيطة وبشكل بدائي كلما ظهرت هذه الحشرة الآفة. ويعتمد ذلك وبشكل كبير على جملة من الاجراءات والاعمال تحدد نوع الارضة ومصادرها وموارد تغذيتها وطبيعة بيئتها المحيطة بالتالي تحدد اماكن تواجدها وانتشارها. ثم وبالمطابقة مابين مكافحة الأرضة ووضع المليشيا وسبل مكافحتها نجد تشابهاً كبيراً يتمثل في وجود استراتيجيات وتكتيكات متكاملة ومتقاطعة لاجل محاصرتها والقضاء عليها يتبع ذلك بعض الترتيبات. وعليه يمكن ان نلخص المقارنة في مكافحة هذه الحشرة الآفة في الآتي:

* تشخيص وتحديد أماكن الأرضة، ويقابله العمل الاستخباري المهم لجمع المعلومات بما يفيد مجموعة القيادة والسيطرة في تنفيذ خطة العمليات الحربية.

Exit mobile version