تقارير

الكويت وساحل البحر الأحمر: استثمار سياحي في زمن الحرب

مقدمة
بينما يعيش السودان واحدة من أعقد أزماته السياسية والعسكرية منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تواصل بعض القوى الإقليمية البحث عن موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر. وفي هذا السياق، أعلنت شركة الاتحاد العقارية الكويتية (URC) عن توقيع اتفاق مع حكومة ولاية البحر الأحمر لتطوير منتجع عروس السياحي شمال بورتسودان، في استثمار تُقدّر قيمته بنحو 100 مليون دولار.
هذا المشروع، الذي يأتي في وقت تتعثر فيه جهود إعادة الإعمار في الخرطوم وغيرها من المدن السودانية، يثير تساؤلات حول دوافع الكويت، وموقعها مقارنة بجيرانها الخليجيين، وانعكاساته على مستقبل السودان والمنطقة.
تفاصيل المشروع
•المكان: مدينة عروس، على بعد 40 كيلومترًا شمال بورتسودان.
•المكونات: فندق، منطقة سكنية، مشروعات زراعية وطاقوية.
•التمويل: 80% من الاتحاد العقارية الكويتية، و20% من حكومة ولاية البحر الأحمر.
•الأهمية الرمزية: عروس اشتهرت في ثمانينيات القرن الماضي كمركز غوص استخدمته الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) قاعدة عمليات سرية بين 1979 و1984.
المشروع يعكس أيضًا اهتمامًا شخصيًا من الأمير الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الذي يمتلك عقارًا خاصًا في المنطقة، ما يضفي بُعدًا شخصيًا-سياسيًا على الاستثمار.
الكويت بين السياسة والاستثمار
خلال الحرب السودانية، تبنّت الكويت موقفًا واضحًا بدعم الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ورفضت مع قطر والسعودية الاعتراف بأي حكومة موازية مدعومة من قوات الدعم السريع. هذا الموقف السياسي انعكس في سلوكها الاقتصادي: الاستثمار في بورتسودان، التي أصبحت العاصمة الفعلية للبلاد، يحمل رسالة دعم سياسي للجيش وتأكيدًا على شرعية مؤسسات الدولة الرسمية.
كما أن المشروع يُظهر رغبة الكويت في تأكيد حضورها في البحر الأحمر، منطقة تتنافس فيها قوى عديدة من بينها السعودية والإمارات وتركيا ومصر، فضلًا عن قوى دولية مثل الصين وروسيا.
مقارنة مع السعودية والإمارات
•السعودية: تركز على استثمارات استراتيجية ضخمة مرتبطة برؤيتها “2030”، مثل مشروعات نيوم وربط البحر الأحمر بممرات لوجستية جديدة.
•الإمارات: عززت وجودها في موانئ وممرات السودان عبر شركات مثل “موانئ دبي العالمية”، وسُجّلت اتهامات بتمويل غير مباشر لقوات الدعم السريع.
•الكويت: تبدو أقل صخبًا من جيرانها، لكنها تعتمد على استراتيجية أكثر هدوءًا، تركّز على الاستثمار السياحي والمالي، مدعومة بكونها أكبر دائن ثنائي للسودان (حوالي 15 مليار دولار).
هذا الأسلوب “الهادئ” يمنح الكويت قدرة على لعب دور موازن دون الدخول في صراعات مباشرة مثل تلك التي تورطت فيها الإمارات.
البعد الاقتصادي
إلى جانب البعد السياسي، يندرج استثمار الكويت في عروس ضمن محاولاتها لاستغلال إمكانات السودان السياحية والبحرية غير المستغلة.
•السياحة البحرية على البحر الأحمر تمثل قطاعًا واعدًا، خاصة في ظل اهتمام عالمي متزايد بأنشطة الغوص والمنتجعات الساحلية.
•كما أن تطوير مشروعات طاقوية وزراعية ضمن المنتجع يفتح الباب أمام تنويع استثمارات الكويت في السودان خارج قطاع الاتصالات (شركة زين).
•بالنسبة للسودان، يمثل المشروع مصدرًا للعملة الصعبة وخلق وظائف محلية، لكنه أيضًا يُثير مخاوف من أن يتحول إلى مشروع معزول للنخبة الخليجية، لا يعود بفوائد ملموسة على المجتمعات المحلية.
البعد الاستراتيجي
لا يمكن قراءة هذا الاستثمار بمعزل عن موقع السودان على البحر الأحمر:
•بورتسودان هو المنفذ التجاري الرئيسي للبلاد، ما يجعل أي استثمار فيه ذا أهمية استراتيجية قصوى.
•موقع السودان يجعل منه جسرًا يربط بين الخليج والقرن الأفريقي، وهو مسرح تنافس إقليمي حاد.
•دخول الكويت عبر السياحة قد يكون مقدمة لتوسيع نفوذها في مجالات أخرى، مثل الموانئ أو الطاقة.
تحديات أمام المشروع
•الوضع الأمني: استمرار الحرب يهدد استقرار أي استثمار طويل الأمد.
•غياب مؤسسات دولة قوية: يجعل تنفيذ المشروعات عرضة للتأجيل أو الفساد.
•التوازنات الإقليمية: قد تجد الكويت نفسها في مواجهة غير مباشرة مع طموحات الإمارات أو مصالح السعودية.
خاتمة
يمثل استثمار الكويت في منتجع عروس خطوة تحمل أبعادًا تتجاوز السياحة. فهو مشروع اقتصادي يُظهر حرص الكويت على ترسيخ مكانتها في البحر الأحمر، ورسالة سياسية بدعمها للجيش السوداني وشرعية مؤسسات الدولة في مواجهة قوات الدعم السريع.
لكن نجاح المشروع يعتمد على قدرة السودان على تجاوز أزمته الداخلية، وعلى قدرة الكويت على إدارة حضورها الاستثماري بعيدًا عن التنافس الإقليمي الحاد. وفي النهاية، قد يكون هذا المشروع نموذجًا لطبيعة الانخراط الكويتي: هادئ، غير صاخب، لكنه عميق ومبني على مصالح مالية طويلة الأمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى