تقارير

الكونغرس الأمريكي يقترب من تصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية

يتجه الكونغرس الأمريكي هذا الأسبوع نحو خطوة غير مسبوقة في مسار تعاطيه مع الأزمة السودانية، حيث يناقش موازنة الدفاع لعام 2026 متضمنة بندًا إضافيًا يُلزم وزارة الخارجية بإجراء تقييم رسمي حول ما إذا كانت قوات الدعم السريع في السودان تستوفي المعايير اللازمة لتصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية. البند، الذي تقدم به السيناتور الجمهوري جيم ريش، يفرض على وزير الخارجية – بالتشاور مع وزير الخزانة والمدعي العام – رفع تقرير سري للجان المختصة في الكونغرس خلال 90 يومًا من سن القانون.

هذه الخطوة تأتي في سياق ضغوط متزايدة على الإدارة الأمريكية من قِبل مشرّعين وجماعات ضغط حقوقية، عقب تواتر التقارير الدولية التي تتهم قوات الدعم السريع بارتكاب مجازر وانتهاكات جسيمة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة في إقليم دارفور ومدن شمال وغرب السودان.

معايير التصنيف الأمريكي

الولايات المتحدة تستند في قراراتها الخاصة بتصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO) إلى المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية (INA – 8 U.S.C. §1189). هذه المادة تضع ثلاثة معايير رئيسية:

1. أن تكون الجهة المعنية منظمة أجنبية.
2. أن تكون منخرطة في أنشطة إرهابية أو لديها القدرة والنية للقيام بها.
3. أن يشكل نشاطها تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، بما في ذلك أمن الدفاع القومي والعلاقات الخارجية والمصالح الاقتصادية.

تطبيق هذه المعايير على قوات الدعم السريع يبدو جليًا:

– المعيار الأول: الدعم السريع ميليشيا سودانية منظمة ذات قيادة واضحة بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
– المعيار الثاني: وثقت منظمات كالأمم المتحدة، هيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية ارتكابها مجازر بحق المدنيين في الجنينة وزمزم والفاشر، وجرائم اغتصاب جماعي وحصار متعمد لمخيمات النازحين، فضلًا عن نهب المساعدات الإنسانية.
– المعيار الثالث: يشمل ارتباطاتها بشبكات تهريب الذهب عبر دبي لتمويل الحرب، تعاونها مع مجموعة فاغنر الروسية، ودورها في زعزعة استقرار إقليمي يمتد إلى تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى، وكلها مناطق تمس مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

الآثار المترتبة على التصنيف

إذا اعتمدت وزارة الخارجية التصنيف، فإن قوات الدعم السريع ستواجه عواقب مباشرة:

– قانونيًا: تجريم تقديم أي دعم مادي أو لوجستي لها من قبل الأفراد أو المؤسسات الأمريكية.
– ماليًا: تجميد أصولها وأموالها داخل الولايات المتحدة، وفرض عقوبات ثانوية على البنوك والشركات الأجنبية التي تتعامل معها.
– سياسيًا: تحويلها رسميًا من طرف في نزاع داخلي إلى منظمة إرهابية معزولة، مما يضع أي دولة داعمة لها – خصوصًا الإمارات – تحت ضغوط أمريكية ودولية متزايدة.
– ميدانيًا: قد يتضرر تمويلها وتسليحها، الأمر الذي قد ينعكس على قدراتها في ميدان الحرب، لكنه أيضًا قد يدفعها إلى ارتكاب مزيد من الأعمال الانتقامية.

مقارنة مع حالات سابقة

لفهم التداعيات المحتملة، يمكن مقارنة تجربة الدعم السريع مع جماعات سبق تصنيفها:

حزب الله (لبنان): مصنّف منذ 1997 – متورط في تفجيرات، اغتيالات، وشبكات تمويل عالمية.
الحوثيون (اليمن): مصنّفون منذ 2021 (مع تعديلات لاحقة) – متورطون في هجمات على المدنيين والملاحة الدولية.
الدعم السريع (السودان): قيد التقييم – يستوفي الشروط الثلاثة بالكامل.

ردود الفعل الدولية والإقليمية

– دوليًا: من المتوقع أن يلقى التصنيف دعمًا من الاتحاد الأوروبي وكندا، حيث تزايدت الدعوات لفرض عقوبات صارمة على الدعم السريع وقادته بعد المجازر الأخيرة في دارفور.
– إقليميًا: دول مثل تشاد وجنوب السودان قد تجد نفسها تحت ضغط لإغلاق أي قنوات دعم أو تهريب يستخدمها الدعم السريع. أما الإمارات، فهي الأكثر تأثرًا، إذ سيضعها التصنيف أمام معادلة صعبة بين الحفاظ على علاقتها مع واشنطن وبين مصالحها في السودان وليبيا.
– سودانيًا: الجيش السوداني سيستفيد سياسيًا من التصنيف، إذ يمنحه غطاءً دوليًا باعتباره الطرف “الشرعي” في مواجهة جماعة مصنفة إرهابية. لكن هناك مخاوف من أن تدفع هذه الخطوة الدعم السريع إلى مزيد من التشدد، ما قد يزيد من كلفة الحرب على المدنيين.

النتيجة المتوقعة

بناءً على المعايير الأمريكية وتجارب سابقة، تبدو قوات الدعم السريع مؤهلة بشكل كامل للتصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية. وإذا تم هذا القرار، فسيترتب عليه:

1. تجفيف منابع تمويلها الدولية عبر الذهب والتجارة العابرة للحدود.
2. إحراج حلفائها الإقليميين، خاصة الإمارات، وإجبارهم على إعادة حساباتهم.
3. تعزيز موقف الجيش السوداني كحليف محتمل في الحرب على الإرهاب.
4. إعادة تعريف الصراع السوداني من حرب أهلية إلى ملف أمني دولي خاضع لأجندة مكافحة الإرهاب.

لكن في المقابل، هناك تحذيرات من أن مثل هذا التصنيف قد يعقد جهود الوساطة ويطيل أمد الحرب إذا اختارت قوات الدعم السريع التصعيد بدلًا من الانصياع للضغوط.

خلاصة

تصويت الكونغرس الأمريكي على موازنة الدفاع لعام 2026 ليس مجرد حدث داخلي أمريكي، بل خطوة قد تغيّر ملامح الحرب في السودان بأكملها. فإذا صُنفت قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية أجنبية، فإنها ستواجه عزلة غير مسبوقة، وسيتعين على داعميها الإقليميين إعادة النظر في حساباتهم، بينما سيحاول الجيش السوداني الاستفادة من هذا التحول لصالحه.

القرار إذن ليس فقط حول السودان، بل حول مستقبل التوازنات الإقليمية في القرن الأفريقي والساحل، ودور الولايات المتحدة في إدارة ملفات العنف المسلح عبر العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى