القيادية بحزب الأمة القومي رباح الصادق المهدي في حوار: قطاعات عريضة من الشعب السوداني أدركت باكراً أن الإمارات طرفاً أصيلاً في الحرب
يعد حزب الأمة واحدا من الأحزاب العريقة في السودان ويتمتع بشعبية كبيرة لكنه في السنوات الأخيرة، شهد تخبطات كبيرة حتى وصف البعض الحزب أنه انحرف عن المسار الوطني، في هذا الحوار تقدم القيادية بحزب الأمة القومي رباح الصادق إفادات مهمة.. فإلى نص الحوار:
ما الذي تحتاجه القوى المدنية السياسية السودانية لإيقاف هذه الحرب؟
تحتاج القوى السياسية والمدنية إلى الخروج من خانة التفكير الأحادي الذي زرعه نظام الانقاذ وهو أن هناك وطنيين صالحين أكفاء في مقابل خونة طالحين عملاء، وإلى الاقلاع عن فكرة أن هؤلاء الطالحين (الكيزان في حالة الكثيرين من خطاب القوى الديمقراطية، والدعم السريع والقحاتة في الخطاب المضاد لهم) يمكن اقتلاعهم من أرض السودان اقتلاعا.
وطبعا الاسلامويين مندغمين في خطاب الحرب بصورة كريهة، فخطاب الكراهية أصلا خطابهم المعتاد، لكن الغريب أن بعضنا اتخذ ذهنيتهم الصفرية بصورة جعل معسكرهم يتحد الآن في خطاب (البلبسة) نحن محتاجون لأن نكون (ام الجنى) فشعار لا للحرب وقد اندلعت، و(لازم تقيف) يتطلب صب الماء لا الزيت على نار الكراهية بخطاب يدعو الجميع للتنازل من أجل الوطن؛ من أجل بقائه وسلامة من بقي من انسانه، المحاصر المجوع والمفزع والذي يموت بالقصف والرصاص والمرض والجوع من أجل النازحين واللاجئين الذين فقدوا كل شيء وصاروا في أوضاع مفزعة، من أجل إنهاء تداعي الأمم علينا كما تتداعى الأكلة الجياع على القصعة.
الخطاب الذي يتبناه معظم الفاعلين في الكتلة الديمقراطية وتقدم أقرب للانجرار أو التعاطف إن لم يكن التحالف مع أحد طرفي الحرب، فمنذ انقلاب 25 اكتوبر 2021 صار المدنيون أقرب لكمبارس في ملعب العسكر، هذا يصدق بصورة أكبر على الكتلة الديمقراطية التي تظاهر الجيش عيانا بيانا، أما تقدم فهي منذ إعلان أديس أبابا في يناير من هذا العام اقتربت بصورة خالفت فيها خريطة الطريق التي أجازتها من الدعم السريع كما أنها كذلك تنقاد بصورة ما تتجاوز المطلوب لتصورات تحملها أطراف في المجتمع الدولي أهمها فكرة تحجيم دور الأحزاب السياسية لصالح المجتمع المدني؛ وتتحرك بصورة تعلي من الاتصالات الدبلوماسية ولا تجعل الهم الإنساني ومعاناة السودانيين أكبر همها وهذا وذاك جعلها تبتعد عن نبض الشارع السوداني، فهي في بياناتها تتأخر وتتلعثم في ذكر الانتهاكات المروعة التي يرتكبها الدعم السريع بينما تسارع وتتحمس في فضح انتهاكات الجيش والاستخبارات العسكرية.
وبالتالي فلا الموقف ولا الخطاب الذي تتخذه الكتلة الديمقراطية ولا تقدم تساعدنا كثيرا أو قليلا في صنع مناخ موات لوقف الحرب ومجابهة خطاب الكراهية والاستقطاب والاصطفاف مع أحد طرفي الحرب.
نحتاج لأخذ مسافة واحدة من الطرفين، ولادانة الانتهاكات ايا كان مرتكبها، والدعوة لجلوس الجميع من أجل وقف الحرب.
هل أنتِ راضية عن مواقف حزب الأمة كمؤسسات وكقيادات في هذه الحرب وما هو تعليقك على البيان الشهير الذي أصدره حزب الأمة يوم 16 مايو؟
لا لست راضية من موقف بعض قيادات الحزب ولا عن معظم بيانات الحزب المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي. للاسف تراجع موقع الحزب على الانترنت وقد كان أول موقع لحزب سوداني تأسس عام 1996م بمجهودات مسؤول مكتب الحزب في لندن آنذاك الحبيب عبد الله الصادق عبد الله. في 2007م وكامينة للاعلام الرقمي أشرفت على رفد الموقع باضخم ذاكرة رقمية حوت وثائق وكتب الحزب والتعريف بمؤتمراته. الآن انزوى ذلك الجهد الذي تم محوه لصالح موقع شبه خاو؛ واقتصر الأداء على بيانات تصدر بلا شورى مؤسسية على منصات التواصل الاجتماعي ولا تعبر عن روح ونهج الحزب بل لا تعبر الا عن كاتبيها، ووصل الانفراد بالقرار في الأمانة العامة أن رفضت نشر بيان صدر عن مؤسسة مجلس التنسيق يتبرأ عن الأشخاص المشاركين في إدارة الدعم السريع المدنية بولاية الجزيرة. وبعيدا عن التبريرات التي ذكرتها الأمانة العامة في عدم نشر البيان، لا تزال صفحتها المليئة بتصريحات في قضايا ثانوية خلوا من أي توضيح لموقف الحزب المعلن بعدم المشاركة في إدارة أحد طرفيها، كما خلت من إدانة انتهاكات جسيمة للدعم السريع بعضها بالاعتداء على أحد أعضاء المكتب السياسي بالرصاص وغيره من القادة والكوادر الذين اغتيلوا في مناطق عديدة، بينما لا تتأخر في إدانة اعتقال كوادر من قبل الإستخبارات العسكرية وكلها تصرفات سيئة بحق المدنيين عموما والصحيح أن نقف ضدها ونناشد الطرفين برفع يدهم عن المدنيين. بيان (زعمت) وغيره من المواقف المخزية لا شك سيأتي يوم الحساب حوله ان لم يكن داخل المؤسسة فمن قبل القواعد والشعب ويوم تقوم الأشهاد.
هل تدعمين أي محاولات لمحاسبة المتسببين في شقاء وتعاسة السودانيين سواء كانوا عسكريين أو مدنيين؟
الدعوة للمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب تبدو الشيء الوحيد المنطقي بعد رتل الشقاء الذي ساقته لنا الحرب ومن تسبب فيها، لكن الطريق الى المحاسبة تحف به حسابات عديدة منها هل سوف نقدر كشعب أن نوقف الحرب قسرا وبقوتنا؟ أم أن وقفها سيكون ضمن تفاوض وجلوس مع الجميع؟ أظن الحرب ستقف بالتفاوض وبالتالي أرى أن العدالة الانتقالية سوف تتخذ أشكالا قد لا تكون مثلما حدث في جنوب افريقيا أو رواندا أو اسبانيا وغيرها من الدول ولكنها ستكون صيغا سودانية تتعامل مع تلك الجرائم بصور مختلفة تحت عنوان عدم الإفلات من العقاب، ستكون محاكمة البعض ممكنة، آخرون ستتخذ بحقهم إجراءات عفو مشروط بذكر الحقائق، وبالنسبة للقادة الذين أشعلوا الحرب سيكون السؤال: هل سوف نقدر عليهم ليحاكموا أم سنضطر إلى صيغ تقتضي إخراجهم من المعادلة تماما فقط؟ في كل الأحوال حتى لو استحالت المحاكمات ينبغي ألا يكون هناك أي إعادة لفكرة شراكتهم في الوضع القادم على غرار الورقة المعيبة المسربة من محادثات المنامة قبل أشهر والتي صدرت بأنها مقترح من تجمع المهنيين قدم للدكتور عبد الله حمدوك.
الخلاصة أن المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب ضرورتان، كذلك العدالة الترميمية أو المحرية قد تفرض صيغا تستبدل العدالة العقابية بأشكال أخرى.
كيف تتعامل قيادة الجيش مع الدول الداعمة للدعم السريع وهل من المفترض أن تتحدث القوى السياسية وتجرم هذه الدول؟
الامارات العربية المتحدة دخلت هذه الحرب كطرف فيها، ودورها لا يقارن بأي دولة اخرى تظاهر الجيش أو الدعم السريع.
وبالرغم من النفي المتكرر من الامارات ذكرت مسؤولة إماراتية مؤخرا أن دولتها تقف ضد الاخوان وتحافظ على مصالحها في السودان. الدعم الاماراتي العسكري للدعم السريع نشرت بياناته صحف ومراكز بحوث عالمية معتبرة والأهم تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن المنشور في يناير من هذا العام.
حركة الامارات الدبلوماسية النشطة مع تشاد ومصر وجنوب السودان وكينيا وإثيوبيا وليبيا تسعى بقوة لتطويق حكومة البرهان أو لوقف دعمها او لدعم الدعم السريع حسب موقف الدولة. وطبعا البرهان وابن حمدان عملا سويا في محور الإمارات بحرب اليمن، كما دعمتهما الإمارات معا في انقلابهما على الحكومة الانتقالية، وربما يفسر هذا الموقف الضعيف للبرهان في إدانة موقف الامارات ربما طمعا في تغيير موقفها. ولم تتحرك الحكومة بالشكوى الا مؤخرا جدا.
وكانت المنصات الإعلامية الدولية وتقارير الأممية اسبق في رصد وإدانة ذلك الموقف لا العكس؛ كذلك موقف قطاعات عريضة من الشعب السوداني أدركت باكرا أن الإمارات طرف أصيل في الحرب التي أشقتهم حتى ولو كان ذلك تحت شعارات ذات شعبية عريضة ووهج ثوري كمحاربة الإخوان أو إعادة المسار المدني الديمقراطي.. ولا أظن كثيرا من السودانيين يصدقون أن الدعم السريع أو الامارات يأبهون كثيرا للديمقراطية.
للأسف الموقف الذي يمثل سواد الشعب السوداني بعيد عن قيادة الجيش الذي لا يبدو مهتما لما يطال المدنيين ولا يقوم بحمايتهم بل يشارك في مفاقمة اوجاعهم بالقصف العشوائي، وابعد عن قيادة الدعم السريع التي كأنما تشن حربها ضد المواطن السوداني بالأساس احتلالا لبيوته ونهبا واغتصابا.
القوى السياسية ليس مطلوبا منها أن تصطف ولكن عليها أن تسعى بوسائلها واتصالاتها لوقف اي دعم يذكي الحرب ويفاقم معاناة السودانيين. وأضعف الإيمان أن توقف الصلات الحميمة كتلك التي نراها لدى بعض الساسة فلا هم نصحوا الإمارات فانتصحت لهم ولا هم أقلعوا عن الارتباط الحيوي بها.
إذا كان الإمام الصادق المهدي عليه رحمة الله موجودا هل كان يستطيع تدارك هذه الحرب قبل اشتعالها؟
(لو تفتح عمل الشيطان) لكن لنقل إن الامام الصادق المهدي عليه الرضوان كان أخشى ما يخشاه تفاقم الخلافات بين البرهان ودقلو وكان يرشح منها ما يصله فسعى لرأب الصدع بينهما وأفلح في ذلك حتى انتقاله الاليم. وكان يرى أن تفجر الخلاف بينهما سوف يؤذن بذهاب ريح البلد. للاسف بعد رحيله تسيد ساسة بعضهم يرى أن مكانه ومكانته تتعزز باذكاء الخلاف بين الطرفين والتقرب إلى طرف ضد الآخر.
وكان هناك من عمل على تأجيج الفتنة والتي أصلا لم تنم وقولي هذا لا يعني بحال تكرار التهم المشروخة أن الحرية والتغيير لوحت بالحرب وأشعلتها، فالأقوال التي صدرت من بعض قيادات الحرية والتغيير خشية عدم الاتفاق إنما كانت تحذر لا تهدد. فقط أعني أن ذهنية البعض ممن اقترب من البرهان من جهة ودقلو من جهة أخرى كانت عكسية تماما لنهج الإمام، بيد أنهم ليسوا السبب الرئيسي في الحرب، السبب كامن في الخلافات بين الطرفين واطماع الانفراد بالكرسي، والتدخلات الخارجية، وبعد تفجر الحرب جرا لهما طيفا واسعا من المصالح والمخاوف والتكتلات حتى صارت حرب الجنرالين هي حرب كل شي وشخص وشعار في السودان ضد الآخر.
نهج الإمام في مواجهة الحرب أقرب الى ما يسعى له قادة حزب الأمة المجتمعون سواء في اجتماعات مارس 2024م أو ما تلاها مثلا في مذكرة اصلاح تقدم؛ وابعد عن نهج الانفراد بالقرار وتغييب المؤسسات والطعن فيها الذي تمادى فيه بعض شاغلي المناصب العليا الآن واكيد ما كانت بيانات الحزب تصدر بلا معنى ولا راي ولا حكمة ولا شجاعة حقيقية وبطعم ماسخ منحاز.
الإمام الصادق المهدي عليه رحمة الله يعتبر أحد حكماء السودان ويعتبر أخر رئيس ديمقراطي حكم البلاد بطريقة شرعية، من من قيادات حزب الأمة قادر بالفوز بمنصب رئيس البلاد إذا أقيمت انتخابات في السودان؟
الساحة الآن داخل حزب الأمة وخارجه يتصدرها من تقصر قامتهم عن الفكر والعمل المطلوب في الغالب للاسف؛ الا من رحم ربي وقليلا ما هم بين الأسماء المطروحة.
لكن رحم هذه البلاد الولود منوط به أن ينجب قادة قدر التحدي الوجودي الذي يواجه أمتنا. وندعو الله أن يتصدى لملف بقاء السودان الأقدر والأجدر داخل حزب الأمة وخارجه. أو أن يفتح الله بصيرة القادة الموجودين فالعبرة ليست بالأشخاص بل بالافكار وكما كان الإمام عليه الرضوان يقول ليس المهم من يحكم السودان بل كيف يحكم السودان؟
واذا بقي السودان موحدا وجرت فيه انتخابات ديمقراطية فهذا في حد ذاته يعني انتصار إرادة البقاء لدى شعبنا وتصدر قيادة أمينة بأن تبلغ بالبلاد مرسى النهوض.
كيف تقيمين مشاركة حزب الأمة في تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم)؟
كانت اجتماعات الحزب لمؤسسة الرئاسة ثم مجلس التنسيق في القاهرة في مارس 2024م هي الأولى للحزب على الأرض بعد الحرب. مشاركة الحزب في تقدم جرت وكأنها أمر تلقائي من قرار المجلس المركزي للحرية والتغيير ولم تعرض للمؤسسات لاتخاذ القرار.
كان قرار المؤسسة أن تلك خطوة معيبة اجرائيا، والمطلوب هو رفع مذكرة لرئيس تقدم بالاصلاح المطلوب ثم تقييم ردها لتقدير موقف الحزب. الملتزمون بالقرار المؤسسي امتنعوا عن المشاركة في المؤتمر التأسيسي لتقدم، واعترض رؤساء الحزب بأربعة عشر ولاية على المشاركة، بينما شارك قادة باعلى مستوى وتقلدوا مناصب في هياكل تقدم المنتخبة، فالمشاركة لا تزال محل خلاف داخل الحزب.
بالنسبة لي أدرك الإيجابيات التي تدفع للمشاركة في تقدم كتحالف عريض يحظى بقبول دولي يسعى لربط السلام بالتحول المدني الديمقراطي ومقتضياته، كما أرى السلبيات في مشاركة خلافية بتحالف لا يعطي الأحزاب كبير وزن ولا قدرة لديه على وقف الحرب ولا رغبة كبيرة في مجابهة ويلاتها ويركز على الاتصالات الدبلوماسية بالوسطاء وضمان التمثيل في منابر الوساطة والتفاوض مع مقاطعة بعضها (لحضور المؤتمر الوطني وواجهاته) والتخطيط لخلافة طرفي الحرب في حكومة انتقالية ربما تأتي بالضغط الدولي على الطرفين لإنهاء الحرب.
أما العمل الفعلي لمخاطبة المتحاربين والمتكارهين من ورائهم وتقديم صيغ ناجعة ومقبولة للطرفين تصلح أساسا للجلوس وفقما خططت خارطة طريق تقدم فلا يشبه ما يدور على الأرض. ومنذ اعلان يناير مع الدعم السريع لم تحقق تقدم أي اختراق يجعل جلوس الطرفين تحت اعلان مبادئ يرضاه الطرفين ممكنا.
ولذلك أرى أن الذين اشتركوا من الحزب أخطأوا التقدير والامل معقود أن يسهم انعقاد المكتب السياسي المزمع والذي تأخر كثيرا في استعدال المشهد الحزبي، وألا يكون حلقة من حلقات النزاع وعدم احترام المؤسسات مثلما كانت اجتماعات مجلس التنسيق.
كيف تنظرين إلى مستقبل السودان؟
للأسف المشهد الحالي ينذر بتمزق السودان أيدي سبأ وضياع لحمته وسداه، وبانفجار الفتن الإثنية والجهوية بصورة تنزع بركته. كل الأمل والدعاء لله أن يفيق أهل السودان وخاصة قادة الرأي والإعلاميين قبل السياسيين عن سكرة النزاع والاستقطاب الحالية وينبهوا الجميع بقوة إلى ضرورة هجر لغة الاستقطاب.
يذكر الكثيرون بالسوء المستحق (البلابسة) فالبل الآن هو لكيان السودان أولا وثانيا وأخيرا. لكن بعض حملة شعار (لا للحرب) يحلمون في الحقيقة ببل مضاد للبلابسة.. علينا أن نعري حلم البلابسة والحلم النقيض لهم، وأن نشيع حلما بسودان يسع الجميع.