الأحداث – تقرير
يعيش سكان مدينة الفاشر رعباً كثيفاً مع اندلاع القتال في المدينة خلال الأيام الماضية بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة من جهة، وقوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها من جهة أخرى. وتأتي المعارك في ظروف إنسانية بالغة التعقيد، زادتها المعارك الأخيرة سوءا. وكانت الفاشر، حاضرة شمال دارفور، وكبرى مدن الإقليم، قد استضافت منذ اندلاع المعارك في أبريل الماضي، مئات الآلاف من عواصم ومدن وقرى دارفور الأخرى، وشكلت ملاذاً آمناً رغم الحصار المضروب عليها، وشهد شهرا أكتوبر ونوفمبر الماضيان تحولاً في مدى وطبيعة المعارك الحربية، وذلك مع سيطرة الدعم السريع على الحاميات العسكرية التابعة للجيش في أربع ولايات من أصل خمس تضمها جغرافيا إقليم دارفور (نيالا/ جنوب دارفور، زالنجي/ وسط دارفور، الجنينة/ غرب دارفور، والضعين/ شرق دارفور)، سواء بمعارك صغيرة أو انسحاب سريع لقوات الجيش المتموقعة في الحاميات. بعدها أعلنت القوات أن هدفها القادم حاضرة الإقليم الفاشر.
خروج من الحياد
يوم الخميس 16 نوفمبر 2023، أعلنت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام خروجها عن موقف الحياد ووقوفها إلى جانب الجيش في حربه مع قوات الدعم السريع. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقد في العاصمة الإدارية بورتسودان، وحضره مني أركو مناوي؛ قائد حركة وجيش تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور، وجبريل إبراهيم؛ رئيس حركة العدل والمساواة ووزير المالية، ومصطفى تمبور؛ قائد إحدى فصائل حركة تحرير دارفور، وصلاح الولي عن تجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر؛ عضو مجلس السيادة السابق.
وفقاً لاتفاق جوبا، كان ينبغي تشكيل قوة أمنية في دارفور قوامها 12 ألف شخص: 6 آلاف من القوات المسلحة السودانية وجهاز المخابرات العامة وقوات الدعم السريع، و6 آلاف من الحركات الموقعة على اتفاق جوبا، وهي حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل، وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي، وحركة تحرير السودان/ المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وحركة تجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، والتحالف السوداني. ومع تردد الجيش، لم يبدأ التدريب المشترك حتى يناير 2022 ، ولم يستمر. وشهدت نيالا في سبتمبر 2022 تخرج ألفي فرد من قوات الجبهة الثورية
السودانية كجزء من القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح.
أمان نسبي
لم تكن الفاشر بمنأى عن الحرب، حتى مع نية الأطراف المعلنة إبقاءها في حيز أمان نسبي، فبعد ساعات قليلة من اندلاع القتال في الخرطوم العام الماضي، هز أسماع سكان المدينة دوي الرصاص والمدفعية في منتصف ظهيرة اليوم الأول في الحرب.
يقع مقر قيادة الفرقة السادسة مشاة التابع لقوات الشعب المسلحة في الجزء الشرقي
من الفاشر، مع بوابات تفتح ناحية الغرب والجنوب أمام المنزل الرئاسي حيث مقر
والي الولاية، وشرقها أمانة الحكومة وفرع البنك المركزي. تقع قيادة الدعم السريع
غرب مقر الجيش وتفصلهما ميادين مفتوحة. استطاع الجيش السيطرة على مقر الدعم السريع بعد يومين من القتال، واستقرت قوة الدعم في الأحياء الشرقية من
المدينة. وعقب تدخل لجنة تضم أعيان المدينة وأئمة المساجد لإيقاف إطلاق النار بين
الطرفين، قامت اللجنة بتقسيم المدينة كالآتي: غرب المدينة، الذي يضم مقار عسكرية تتبع للجيش، وجميع المؤسسات الحكومية، والمنزل الرئاسي، وبنك السودان المركزي،
تحت إمرة الجيش. شرق المدينة، بأحيائها، وبورصة المدينة، والميناء البري، ومحطة
الكهرباء الرئيسية، وطريق الإنقاذ الغربي الذي يربط دارفور بالعاصمة، مروراِ بأراضي كردفان الكبرى ومدن النيل الأبيض، تحت سيطرة الدعم السريع.
لم يرض هذا التوزيع سكان المدينة، وخاصة أحياءها الشرقية والشمالية الشرقية
(النخيل، خور سيال، التضامن، المعهد، التجانية، الثورة شمال، الجبل)، واضطروا
لترك بيوتهم، وقصدت الغالبية العظمى جنوب المدينة (حي السلام). وسط المدينة،
حيث السوق الكبير، أبقته اتفاقية المصالحة تحت حماية الشرطة التي اختفت عن الأنظار منذ بداية الحرب. وبعد إعلانها إيقاف الحياد، أصبحت القوى المشتركة
مسؤولة عن تأمين السوق ومقرات المنظمات والبنوك ومؤسسات الدولة.
مناوشات وشائعات
لم تأمن الفاشر طيلة الأشهر الماضية من المناوشات الصغيرة والشائعات، حيث سيطر على المدينة الخوف والحصار. وفي مطلع أبريل الجاري، قتل العشرات في أعمال عنف أهلي في القرى الواقعة في ريفي غرب الفاشر، نتج عنها حرق قرى بركة، والجنجونات (الثلاثة)، ودرما، وعزباني، وكارو، وتكيلا، وعمار جديد، ودونكي شطة، وغيرها، وأجبر سكانها على الفرار إلى قرى مقرن، وأم هجليج، وشقرة، الواقعة غرب الفاشر.
ووفق مختبر البحث الإنساني التابع لكلية الصحة العامة بجامعة يال، أظهرت نتائج تحليل بيانات الاستشعار عن بعد والبيانات مفتوحة المصدر، أن تسعة مجتمعات على الأقل قد دمرت بسبب هجمات الحرق العمد الواضحة في الفترة ما بين 31 مارس و 15
أبريل 2024 في غرب الفاشر.
يوم الخميس 11 أبريل الجاري، اتهمت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، قوات الدعم السريع بمهاجمة القرى وقتل سكانها المدنيين، وأعلنت في بيان صحفي، عقب اجتماع قيادتها في الفاشر، أنه لم يعد هناك حياد، وأنها ستقاتل إلى جانب القوات المسلحة ضد مليشيات الدعم السريع، وأنها لن تكون في موقع دفاعي بعد الآن. تلت ذلك أول معارك مباشرة بين حركات دارفور المسلحة وقوات الدعم السريع بعد سنة.
بالتمام منذ اندلاع الحرب. من جانبها رفضت قوات الدعم السريع الاتهامات، وقالت
إن من هاجم القرى هي جماعات متفلتة.
بعدها انطلقت طائرات الجيش وشرعت في قصف تمركزات الدعم السريع في الأحياء
الشرقية والشمالية الشرقية للمدينة، الخالية من السكان منذ نوفمبر الماضي بعد نداء الوالي السابق نمر عبد الرحمن الجيش والدعم السريع بإيقاف القتال والسماح
للمدنيين بالخروج نحو مواقع آمنة في المدينة.
توسعت العمليات العسكرية، وتمكنت قوات الدعم السريع في 14 أبريل من السيطرة
على مدينة مليط (حوالي 90 كلم شمال الفاشر) . وفي متداول على صفحتها على منصة إكس، تحدث قائد قوة الدعم في مليط، اللواء علي يعقوب، إن قواته كبدت القوة المشتركة في المدينة – وتتبع لقيادة عبد الله جنا، القائد الأعلى لتجمع حركات
تحرير السودان – الخسائر وسيطرت على مقرات اليوناميد السابقة، وقيادة الجيش، والجمارك، والشرطة.
وفي اليوم ذاته، حدثت اشتباكات بمدينة الفاشر بين قوات الدعم السريع والجيش، برفقة القوة المشتركة المؤلفة من حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي،
والعدل والمساواة فصيل جبريل إبراهيم، وفصائل انشقت من حركة تحرير
السودان المجلس الانتقالي وتجمع قوى تحرير السودان. خلفت المعارك في يومها
6 قتلى و61 جريحاً، من بينها إصابة طبيبة أثناء أداء عملها، وفقاً لبيان اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان. وحسب شاهدة عيان، «أضحت الفاشر تمسي على ضرب الطيران الحربي الذي يستهدف تمركزات الدعم السريع شرق المدينة،
وتصبح على أصوات التدوين المدفعي حتى ساعات النهار الأخيرة ليعود قصف الطيران مجدداً».
وحسب بيان لمحامي الطوارئ يوم 16 أبريل الجاري، فإن 25 مدنياً قتلوا بينما بلغت الإصابات أكثر من مائة بسبب الاشتباكات في قرى غرب الفاشر وداخل الأحياء السكنية للمدينة، نتيجة التبادل العشوائي للقذائف والقصف الجوي العشوائي، مما تسبب في حركة نزوح واسعة لسكان قرى غرب المدينة إلى أماكن أكثر أماناً داخل حاضرة شمال دارفور.
في منتصف نوفمبر، أعلن مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم من بورتسودان
إنهاء موقف الحياد ودعمهم الجيش في الحرب. ورغم مشاركة صلاح الولي عن تجمع قوى تحرير السودان في إعلان بورتسودان الصحفي، قال الناطق
الرسمي باسم تجمع قوى تحرير السودان، فتحي عثمان، إن مشاركة
الولي تمت دون تفويض أو تكليف من القيادة، وأعلن أن موقف تجمع
قوى تحرير السودان سيظل التمسك بالحياد والسعي لإيقاف الحرب عبر الطرق التفاوضية، وهو الموقف ذاته الذي أعلنه المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس. بعد 3 أيام، أصدر البرهان مرسوماً دستورياً بإعفاء حجر من منصب عضو مجلس السيادة، وكان قبلها بحوالي أسبوعين قد أصدر مرسوماً مماثلا بإعفاء الهادي إدريس. وهو الأمر الذي رفضه الرجلان.
وكانت الحركتان قد أعلنتا، على عكس مناوي وجبريل، رفضهما انقلاب
الجيش والدعم السريع في أكتوبر 2021 على حكومة حمدوك الانتقالية، ووقوفهما في صف الشق المدني للوثيقة الدستورية.
عانت الحركتان من انقسامات على مستوى قياداتها المدنية والعسكرية بسبب الخلاف حول الانخراط في الحرب. وفي 26 مارس الماضي، أعلنت
حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي خروجها عن القوة المشتركة بسبب
عدم إرجاع قيادة القوة المشتركة مجموعات تتبع لها لجأت إلى القوة المشتركة برفقة عربات عسكرية وإدارية احتمت بالفرقة السادسة مشاة كمستنفرين يقودها المقدم عابدين موسى، بينما قالت إن السبب الثاني يعود إلى إجراءات
إدارية بهدف الترتيب الداخلي لقواتها.
لاحقاً أصدر رئيس تجمع قوى تحرير السودان، الطاهر حجر، بياناً مماثلا بالانسحاب من القوة المشتركة بمسار دارفور، وأوكل إلى القيادة العامة ورئاسة هيئة أركان جيش تجمع قوى تحرير السودان وكل الوحدات العسكرية ذات الصلة الشروع الفوري في تكوين قوة مشتركة جديدة مع كل الحركات التي تتخذ الحياد بذات القوة المشتركة التي أعلنتها اتفاقية جوبا.
قدرة عسكرية
وفي حديثه إلى «أتر »، قال محمد طه، الأكاديمي المطلع على شؤون دارفور والعضو السابق بحركة العدل والمساواة وأمينها السياسي في شمال دارفور، إن القوة المنقسمة عن المجلس الانتقالي يقودها صلاح رصاص وعثمان
عبد الجبار، بينما يقود القائد العام لتجمع قوى تحرير السودان؛ عبد الله
جنا، قوات حركته المنخرطة في القتال. ومع ذلك، لا يرى طه أن أيا من قوتي الهادي وحجر المتمسكتين بالحياد يمكنها الدخول في معارك ضد القوة
المشتركة والجيش، لعدم امتلاك الأولى القدرة العسكرية، ولانحياز القيادة العسكرية والمدنية للثانية الموجودة في الفاشر إلى خيارات القوة المشتركة.
حصاد أرواح
لم يسلم سكان شمال المدينة في معسكرات نيفاشا وأبو شوك من الرصاص العشوائي والدانات التي حصدت أرواح المدنيين الأبرياء،
وجعلت سوقها مواربا بين فتح وإغلاق .»
«حالياً هناك مستشفى وحيد يعمل في المدينة، هو مستشفى الفاشر الجنوبي »،
وقال متطوع في غرف طوارئ الفاشر متحدثاً لشبكة «أتر »: «الجنوبي هو المستشفى المرجعي الوحيد الذي ظل يعمل منذ اندلاع الحرب العام الماضي. ومع اندلاع
الاشتباكات مطلع هذا الأسبوع، استقبل المستشفى أعدادا كبيرة لمواطنين مصابين
جراء القصف، لكن يفتقر المستشفى حتى للشاش الطبي وغيره من عدة الإسعافات الأولية بعد غياب منظمة أطباء بلا حدود من قسم الجراحة الأسبوع الماضي. ليس بيدنا سوى الإعلان على صفحاتنا في منصات التواصل الاجتماعي عن حاجاتنا إلى كوادر متطوعة وزجاجات.
الكرملين يرفض اتهامات باستخدام «الكيماوي» ويعارض «مؤتمر السلام» في سويسرا
رفضت موسكو، الخميس، اتهامات غربية باستخدام أسلحة كيماوية ومواد مشعة في الحرب الأوكرانية. وشنّ الكرملين هجوماً مضاداً على الولايات المتحدة بعد تبني الأخيرة رزمة عقوبات جديدة على قطاع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية الروسي.
ومع احتدام السجالات المتبادلة حول مسار المعارك واستخدام أسلحة محظورة خلالها، حذّرت موسكو من تصعيد تعد له كييف بالتعاون مع الحلفاء الغربيين، يهدف إلى تنشيط ما وصفته «الهجمات الإرهابية» في القرم.
وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف إن الاتهامات الموجهة لبلاده بشأن استخدام أسلحة كيماوية في أوكرانيا «لا أساس لها»، مشدداً على أن القوات الروسية «لا تزال ملتزمة بتعهداتها بموجب القانون الدولي في إطار نشاطاتها العسكرية».
وجاء رد الفعل الروسي بعد إعلان الولايات المتحدة رزمة عقوبات جديدة، طاولت هذه المرة قوات الدفاع الإشعاعي والكيماوي والبيولوجي التابعة للقوات المسلحة الروسية، بالإضافة إلى عدد من المعاهد والشركات الصناعية في هذا القطاع. ونصت العقوبات على تدابير ضد المؤسسات وعدد من الشخصيات والمسؤولين فيها.
وقال بيسكوف ، الخميس : «رأينا الأخبار المتعلقة بهذا الأمر. وكما هو الحال دائماً، تبدو مثل هذه الإعلانات لا أساس لها من الصحة على الإطلاق ولا يدعمها أي دليل. لقد كانت روسيا ولا تزال ملتزمة بتعهداتها بموجب القانون الدولي في هذا المجال».
في المقابل، شنّ الناطق الرئاسي هجوماً جديداً على كييف والبلدان الغربية، وقال إن «نظام كييف لا يخفي نواياه بشأن مواصلة الأنشطة الإرهابية ضد بلادنا».
وكان سفير ليتوانيا لدى السويد ليناس لينكيفيتشيوس أشار في تغريدة على منصة «إكس» إلى «ضربة وشيكة يتم التحضير لها على جسر القرم». ونشر صورة مركبة للجسر مع صورة لإطلاق صاروخ. كما ألمح الممثل الدائم لأوكرانيا لدى الأمم المتحدة، سيرغي كيسليتسا، إلى إعداد هجمات جديدة تستهدف الجسر كونه شريان الربط البري الرئيسي لشبه جزيرة القرم مع روسيا. تزامن ذلك مع تأكيد أوساط سياسية غربية على دعم العمليات الهجومية الأوكرانية في شبه الجزيرة بصفتها «أراضي أوكرانية محتلة».