العلاقة الجيوسياسية بين السودان ومصر

أمية يوسف حسن أبو فداية

باحث متخصص في شؤون القرن الإفريقي

تتسم العلاقة الجيوسياسية بين السودان ومصر بتعقيد تاريخي يمتد لآلاف السنين. فقد ارتبطت الحضارات المصرية القديمة بالسودان منذ العصور المبكرة، حيث امتدت حدودها جنوباً إلى شمال الخرطوم، في حين وصلت الحضارات السودانية القديمة شمالاً حتى فلسطين.

الروابط التاريخية والثقافية

تتسم العلاقات بين السودان ومصر بقوة وثاق، حيث شارك البلدان في أحداث تاريخية مهمة. في عام 1948، انضم الجندي السوداني إلى الجيش المصري في صراعاته ضد الكيان الصهيوني، وواصل هذه المشاركة خلال حرب الاستنزاف وبعد نكسة 1967، وكذلك في حرب أكتوبر 1973. هذه الروابط العسكرية تعكس عمق التضامن بين البلدين.

من أبرز دلائل الارتباط الثقافي المجتمعي أن أول رئيس لمصر، محمد نجيب، ولد في الخرطوم، مما يعكس الروابط الأسرية بين البلدين. وقد كانت مصر دائماً ملاذاً آمناً للعديد من السودانيين الذين لجأوا إليها بحثاً عن التعليم والأمان. وقد فعل العقَّاد أديب مصر الكبير الفعل ذاته لما انتابته بعض مخاوف فلجأ إلى السودان.

النيل والحدود المشتركة

يُعد نهر النيل الرابط الجغرافي الرئيسي بين السودان ومصر، حيث يجري شمالاً من الخرطوم إلى القاهرة. هذا النهر ليس مصدراً للحياة فحسب، بل يمثل رمزاً للوحدة والتكامل. يمتلك السودان 84 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، بينما يتم استغلال أقل من 20% منها، بينما تمتلك مصر خبرة واسعة في البناء والتقنية الزراعية. هذا التكامل بين الموارد البشرية والطبيعية يوفر فرصاً للتعاون الاقتصادي بين البلدين.

الحدود والقبائل المشتركة

تشكل الحدود بين السودان ومصر تحدياً ولكنه يوفر أيضاً فرصة للتكامل. فالكثير من القبائل المشتركة تعيش على جانبي الحدود، مما يعزز الروابط الثقافية والاجتماعية ويتيح فرصاً للتعاون والتنمية المستدامة.

موارد السودان ومهارات مصر

يُعتبر السودان غنياً بالموارد الطبيعية، حيث يمتلك 100 مليون رأس من الماشية، ويعد من أكبر منتجي الصمغ العربي عالمياً بنسبة 80% من الإنتاج العالمي. كما يحتوي السودان على العديد من المعادن النفيسة. يمكن لمصر الاستفادة من هذه الموارد بفضل خبرتها في مجالات البناء والتقنية الزراعية، فضلاً عن خبرات القطاعين العام و الخاص المصري في مختلف المجالات.

يمكن للتعاون بين السودان ومصر أن يعزز التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي للبلدين. يمكن لمصر أن تستفيد من الأراضي الزراعية الواسعة في السودان لتلبية احتياجاتها الغذائية، بينما يمكن للسودان أن يستفيد من الخبرات المصرية في الزراعة والبناء لتحسين بنيته التحتية وزيادة إنتاجيته.

التحديات والفرص المستقبلية

رغم الروابط القوية والتاريخ المشترك، تواجه العلاقة بين السودان ومصر بعض التحديات مثل التوترات السياسية والاقتصادية حول قضايا توزيع مياه النيل وترسيم الحدود. لكن يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص عبر التعاون والتفاهم.

لتحقيق تعزيز العلاقة بين البلدين، يمكن النظر في الأفكار التالية:

1. *بناء شركات اقتصادية مشتركة* : تأسيس شركات ناجحة لتعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين.
2. *موانئ حرة مشتركة* : إنشاء موانئ حرة لتسهيل وصول الصادرات إلى إفريقيا.
3. *مطار دولي في السودان* : تطوير مطار دولي يربط بين شرق العالم وغربه، مما يعزز التبادل التجاري.
4. *تسهيل حركة المواطنين* : تسهيل حركة المواطنين بين البلدين وتقديم حوافز لرجال الأعمال.
5. *إعادة تمييز السودانيين في مصر* : إعادة الاعتراف بالسودانيين في مصر كما كان قبل الحرب، واستئناف اتفاقية التكامل التى وقعت في عهد الرئيس الراحل نميرى وشقيقه الراحل السادات .

في الختام، تمثل العلاقة الجيوسياسية بين السودان ومصر نموذجاً للعلاقات الثنائية التي تجمع بين التاريخ المشترك والتكامل الاقتصادي والروابط الثقافية والاجتماعية. يمكن للتعاون المستمر بين البلدين أن يسهم في تحقيق استقرار وازدهار المنطقة، مما يجعل من الضروري تعزيز هذه العلاقات والعمل معاً لمواجهة التحديات واستغلال الفرص لتحقيق التنمية المستدامة.

Exit mobile version